تكتسب الكتب والدراسات المتناولة لحركات الإسلام السياسي أهمية مزدوجة لجهة انتمائها إلى كل من حقل الأبحاث الأكاديمية من جهة، ومجال العمل الاستخباري والمعلوماتي، على حد سواء. ولما كانت أهمية أي بحث في هذا المضمار تقاس بالنسبة إلى تموضع الحركة، محل البحث، في البنية الهيكلية لحركات الإسلام السياسي، وأثرها العملي في الحراك السياسي والكفاحي لقضيتها التي تنافح عنها، فإن سرية الطابع الذي غالباً ما تتخذه مثل تلك الحركات، وندرة المعلومات المتعلقة، يصّعب من مهمة تقصي المعلومات والحقائق وصياغتها عنها.
يسلّط كتاب (حركة الجهاد في فلسطين، نشر مركز المسبار للدراسات والأبحاث، طبعة أولى، 2009م) الضوء على واحدة من أهم حركات الإسلام السياسي في فلسطين، بعد حركة حماس، والتي لا تزال ظروف نشأتها الغامضة، وتوجهاتها الفكرية والسياسية الملتبسة تثير كثيراً من الأسئلة حول الحركة التي تبنت النهج المقاوم المسلح وحده سبيلاً لتحقيق رؤيتها في تحرير كامل التراب الفلسطيني، فيما ركزت حليفتها الكبرى (حماس) على العمل الخيري الاجتماعي، وتمتعت بقدرة أكبر على ممارسة المرونة السياسية. ويحاول الكتاب عبر عدد من الدراسات المتلاحقة الإجابة عن عدد من التساؤلات الجوهرية حول المشروع السياسي والفكري والعسكري لحركة الجهاد الإسلامي، بالاعتماد على كتابات ومقابلات عدد من قادة الحركة والناطقين باسمها، وكتابات المقربين منها. كما يبحث في العلاقات المحلية والإقليمية والدولية لحركة الجهاد الإسلامي.
يتناول (عدنان أبو عامر) في بحثه البداية التاريخية لانطلاق الحركة، وما رافق ذلك من معطيات تاريخية وسياقات سياسية، مركزاً على الإرث التاريخي المنفتح فكرياً والذي اعتمدت عليه الحركة في بلورة بنيتها الفكرية، جامعة بين فكر كل من (حسن البنا) و(سيد قطب) و(علي شريعتي) و(مالك بن نبي)، فضلاً عن رؤى مؤسسها الشهيد (فتحي الشقاقي). مستفيدة في ذلك من قواعد جماعة الإخوان المسلمين خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
فيما تناول الباحث (نهاد الشيخ خليل) دور مؤسس الحركة والأمين العام الأول لها (فتحي الشقاقي) في بناء الحركة ومسيرتها، لاسيما في مراحلها التأسيسية الأولى، وأهم المبادئ الفكرية التي أسس لها، وحجم الفراغ الذي تركه (فتحي الشقاقي) بعد اغتياله، إلا أنه لم يركز على الخلافات العميقة التي نشأت بعيد اغتياله بين رموز الحركة ومرشحي خلافته فيها.
ثم يستعرض (عامر خليل) البناء التنظيمي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، في ظل طابع السرية التي تحيط بها الحركة عمل أجهزتها المختلفة، والدوائر الضيقة لبنائها التنظيمي، والذي يعتمد على نخبوية الكوادر والتقليل منهم، وتركيزه على العمل المسلح في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
فيما يبحث (زكريا السنوار) مسألة العمل العسكري عند الجهاد الإسلامي، وما رافقه من تساؤلات تتعلق بالنزاع حول أولية ابتداء العمل المسلح داخل فلسطين مع (حركة حماس)، وسمات العمل الفدائي وأهدافه الميدانية لجناحها المسلح (سرايا القدس)، وما يعرف في الساحة الفلسطينية بـquot;إشكالية تبنيquot; العمليات العسكرية.
كما يتعرض الكتاب لموقف quot;إسرائيلquot; من حركة الجهاد، في سياق قراءتها لظاهرة الحركات الإسلامية الفلسطينية، وما قدمته من تفسيرات وتحليلات استخبارية وبحثية لفهم آلية عمل الحركة وأهدافها ومشروعها السياسي والعسكري. وفي سياق آخر، موقف حركة الجهاد الإسلامي من الحركات الإسلامية الأخرى، خاصة جماعة الإخوان المسلمين وممثلها السياسي والعسكري في فلسطين (حركة حماس)، وطبيعة العلاقات المتوترة تاريخياً وسياسياً وتنظيمياً بين الجانبين بين عامي 1980-2008.
ويقدم في إحدى دراساته رؤية حركة الجهاد الإسلامي لمعالجة الانقسام الفلسطيني الحالي، وكيفية النهوض بالوضع الفلسطيني دون المسّ بمبدأ المقاومة الذي تراه الحركة quot;ثابتاًquot; وquot;مشتركاًquot; بين جميع القوى السياسية الفلسطينية. كما يعرض لعلاقة الجهاد الإسلامي المتوترة وغير المستقرة بالسلطة الفلسطينية، باستثناء السنوات التي اشتدت فيها الحملة الإسرائيلية على الجانبين في انتفاضة الأقصى. ويعرض قراءة نقدية لكتاب quot;رحلة الدم الذي هزم السيفquot;، وهو عنوان الأعمال الكاملة للمؤسس (الشقاقي).
وفيما يبدو الكتاب محاولة لاستكناه خفايا حركة تعتبر نفسها رائدة العمل الجهادي المسلح في فلسطين، فإنه لم يركز على علاقة حركة الجهاد الإسلامي بالثورة الإسلامية الإيرانية، والتي كانت ملهمة لمؤسس الحركة (الشقاقي) وصاحبة تأثير كبير فيه. كما أنه لم يرصد التقلبات الفكرية والسياسية التي عرفتها الحركة في علاقتها مع حليفتها ومنافستها على استحواذ المجال الحركي الإسلامي في فلسطين (حركة حماس)، الأمر الذي باتت معه طروحات quot;الوحدةquot; وquot;الاندماجquot; بين الفصيلين مطروحة بقوة في الساحة السياسية الإسلامية في فلسطين.
وفي السياق ذاته، لم يخض الكتاب في بيان تركيبة كوادر وقيادات الحركة التي تتسم بالنخبوية والأكاديمية في قياداتها، فيما يفتقد ذلك في كوادرها المنخرطين في العمل العسكري المسلح، وتباين الرؤى ووجهات النظر الذي يظهر، أحياناً، بين قيادة الحركة في دمشق، وفرعها الرئيسي في قطاع غزة، والذي تحكمه ضغوطات العمل السياسي والعسكري في كلا الطرفين.