ليس لأن اسم مصر ممنوع من الصرف، مجرور نحوياً بالفتحة وضعنا هذا العنوان، لكن لأن ما يحدث حالياً في مصر، والذي يتساءل عنه الكثيرون من محبيها، هو أنها حالياً مجرورة أو مقطورة، وقد فقد شعبها وقيادتها معاً كل مقومات وعناصر الدفع والتوجيه الذاتي، فصارت بكل كيانها الضخم سكانياً وجغرافياً واقتصادياً، تُجَرُ جراً، إلى حيث تتجه محصلة مجموعة القوى المتباينة والمتنافرة التي تؤثر عليها.. هي تفتقد بالفعل للقيادة في جانبها التنفيذي المدعوم بالخطط التي تحقق الوصول إلى هدف ما، أي هدف.. كما تفتقد أيضاً وفي ذات الوقت إلى أهداف محددة متفق عليها سياسياً واجتماعياً، أي في أوساط القيادة وفي الرأي العام.
في غياب الهدف المشترك المتفق عليه على مستوى القاعدة، من العبث ومن غير الوارد أن تفكر في محاسبة الحكام، أو حتى مجرد توجيه اللوم لهم، فاللوم والمحاسبة لابد وأن يتما على أساس نسبة ما يتحقق من أهداف قد حددها المجتمع لنفسه ولحكامه، وإلا ستكون المعارضة ndash;كما هو حال المعارضة المصرية الآن- مجرد نباح، أو محاولات للوثوب على كرسي السلطة، بالمزايدة والمتاجرة بمعاناة الجماهير، وبالطبع بدغدغة مشاعرها الدينية العميقة والملتهبة الآن.
لا يكفي أن يكون هدف القاعدة العريضة من الجماهير تحسين نوعية حياتها المتدهورة يوماً بعد الآخر، لكي يكون هناك ما يصلح لتسميته هدفاً للقاعدة والقيادة، فبالإضافة للعمومية الشديدة لهذا الهدف، والاختلاف البين -إلى حد التناقض- حول السبل التي ينبغي سلوكها لتحقيقه، فإن تحديد هدف لجماعة ما، لابد وأن يعني تكريس نفسها لتحقيق هذا الهدف وحده، ونبذ كل ما من شأنه تعطيل الوصول إليه، وتفعيل كل طاقات وقدرات المجتمع والدولة، للوصل إلى ذلك الهدف.. وهذا بالطبع غير متحقق لهدف تحسين مستوى معيشة الجماهير، لا على مستوى الشعب نفسه، ولا على مستوى قياداته السياسية وقيادات المجتمع الأهلي.
كل من الدولة والشعب المصري تتنازعه اتجاهات وتيارات شتى، مختلفة ومتباينة القوى والاتجاهات، يعرف الجميع أشهرها وأكثرها توفيقاً، وهو تيار جماعة الإخوان المسلمين، رائعة التنظيم وافرة التمويل، بأيديولوجيتها الوهابية، التي تعطيها طبيعتها الهجومية المتعصبة بريقاً وقبولاً لدى جماهير فاشلة ومحبطة، تجد المهرب من شعورها بالإحباط والدونية، في التوجه بالكراهية والعداء نحو الآخر، كما لا تجد أمامها مفراً إزاء فشلها الذريع في تحقيق نجاح مادي في هذه الحياة الدنيا، أن تقبل بما تعدها به الجماعة المسماة محظورة، إذا ما باعت الدنيا، بأن تشتري الآخرة عوضاً عنها، وأن تلهي نفسها بالحذق في أداء مظاهر تدين يتفاقم توسعها في الحياة طوال الوقت، حتى وصلت إلى آداب دخول المرحاض أو الخلاء.. ليس أدل على نجاح جماعة الإخوان المسلمين وسائر التنظيمات المتفرعة عنها، ورواج ما تبشر به من فكر (إن صحت تسمية ما تروج له بالفكر)، من نجاحها في دفع شباب في عمر الزهور إلى عمليات انتحارية، يبتغون منها ndash;كما قيل لهم- مرضاة الله ومن ثم دخول جنته، بالطبع لم نشهد في مصر ndash;حتى الآن- هذه النوعية من الولاء للأيدولوجية الإخوانية، نظراً لطبيعة الإنسان المصري المسالمة والرافضة للعنف، لكن سائر دلائل النجاح الأخرى في التربة المصرية، لا تقل عن هذه الظاهرة كثيراً في المدلول، وإن اختلفت في الطبيعة.
مخطئ بالطبع من يتصور أن جماعة الإخوان المسلمين مجالها الأساسي للفاعلية وتوجيه مصير البلاد هو القاعدة الشعبية، وأنها بمنأى عن السلطة التي تطاردها، ويلعبون معاً لعبة القط والفأر، بل إننا نزعم أن المجال الأساسي والحيوي لفاعلية الإخوان المسلمين هو الدولة، بمختلف أجهزتها الرسمية وشبه الرسمية، علاوة على كافة الاتحادات والنقابات والهيئات الأهلية المصادرة أو المؤممة لحساب المفترض أنه دولة مركزية.. فإذا كان لتلك الجماعة وجهان، وجه الفكر ووجه التنظيم، فإن نسبة عالية من رجال الدولة بمختلف مستوياتها ومجالاتها، يعتنقون فكر الإخوان المسلمين، ويتصرفون تلقائياً وفقاً له، أما الوجه التنظيمي للجماعة، فيسيطر برجاله على قطاعات عريضة من أجهزة الدولة، وفي مقدمتها وزارة التربية والتعليم، ومختلف الأجهزة الإعلامية، بل وأجهزة سيادية أخرى خطيرة.
التيار الآخر المعادل للأخوان في القوة، وله اليد الأعلى في التحكم بسير الأمور، هم أصحاب المصالح، سواء الشرعية أو غير الشرعية، وهم كتلة غير مسيسة، وغير حاملة لأي فكر، ويقودون في ركابهم موظفي جهاز الدولة البروقراطي، ممن لا ينتمون إلى تيار الإخوان أو غيره.. هذه القوة أو الكتلة تحسب جيداً حساب الكتلة الإخوانية، تطارها تارة، وتهادنها تارة، وفي معظم الأحيان تتناغم معها، تمريراً لمصالحها، التي لا تعرف غيرها، ولا يهمها عن أي طريق أو بأي وسيلة تتحقق تلك المصالح، التي أهمها الجزء الاقتصادي من تلك المصالح، بالإضافة إلى المحافظة على مواقعها في مختلف أجنحة السلطة.
هذه الكتلة الفاعلة المسيطرة بصورة رسمية، فاقدة لأي رؤية مستقبلية، ولا شأن لها بالاهتمام أو بمعرفة قضايا الحداثة والمواطنة وحقوق الإنسان وما شابه، ومن السذاجة أن يتوقع أو يطلب أحد منها أن تناصر هذه القضايا، وأكثر ما تفعله في هذا الاتجاه هو أنها تنصرها متى اضطرتها الظروف لذلك، سواء نتيجة تأثيرات داخلية، أو ضغوط خارجية، فهي لا تعادي تلك القيم والتوجهات بصورة مبدئية، كما أنها بذات القدر لا تعنيها، وبالتالي فهي مستعدة للتوجه إلى أي اتجاه تدفعها إليه الرياح، بحيث نستطيع القول أنها تنتهج برجماتية قصيرة النظر إلى حد مذهل، إذ لا تكاد ترى إلا ما تحت أقدامها، وربما يمت هذا إلى الميراث الثقافي الشعبي، الذي أنتج المثل المصري المعروف quot;أحيني النهاردة وموتني بكرةquot;.
من هنا نستطيع أن نفهم سر التضارب في السلوك والتوجهات للدولة المصرية، فتارة نراها تناصر حقوق الإنسان، وتارة أخرى تصدر من القرارات وترتكب من الممارسات ما يعود بالبلاد قروناً للوراء، ونجدها مثلاً في فترات الهدوء تترك الحبل على الغارب للعناصر المعادية للسلام مع اسرائيل، سواء في أجهزة الإعلام أو حتى في المؤسسات الرسمية السيادية، ثم نجدها عندما يجد الجد، سواء في أحداث ضرب إسرائيل لحماس في غزة مثلاً، أو مؤامرة حزب الله على الأمن المصري وسيادة الدولة، نجدها تتحرك بعقلانية ورشاد، ضد ما كانت كافة أجهزتها قبل سويعات تحرض الجماهير عليه.. ذلك أن خطتها الاستراتيجية هي عدم وجود خطة من الأساس، والتصرف لحظياً وفق ما تمليه عليها الظروف، أو كما قلنا تتحرك إلى حيث تدفعها الرياح.
بجانب هاتين القوتين الرئيسيتين، هناك عدة قوى هامشية، مثل القومجيين العروبيين واليساريين والناصريين، أيضاً هنالك الليبراليون، الذين هم بلاشك أقل الناس تنظيماً وفاعلية، وإن كان بعضهم محسوباً على الدولة، ويعمل بهدوء وهمة فاترة لتحقيق رؤاه، التي يعرف جيداً أن لا نصير لها، لا في القمة، ولا عند القاعدة الجماهيرية.
في مقابل كل هذا، هناك قوة عظمي غير منظورة، يمكن أن نسميها quot;سلطة الأمر الواقعquot; أو quot;ضرورات العصرquot;.. فالكتلة السكانية الكبيرة، التي ينطبق عليها عنوان فيلم quot;أفواه وأرانبquot;، بالإضافة إلى النقمة التي تحولت في حالتنا هذه إلى نعمة، وهي ندرة الموارد والثروات الطبيعية في مصر، هذين العاملين حرما مصر من رفاهية التقهقر والانحدار إلى العصور المظلمة، التي تسعى جماعة الإخوان المسلمين مثلاً لشد مصر لها، كما تحرمها من الاستجابة لمغامرات وشطحات العروبيين والمقاومين والممانعين، وسائر الأشاوس بالحناجر والأحزمة الناسفة.. فمصر تحتاج لأن تعمل وتنتج خبزها بنفسها، وتحتاج لهذا أن تكون مسايرة للعالم ولروح العصر، لهذا نستطيع ولو بقليل من الاطمئنان أن نقول، أن أبواب السقوط في يد الإخوان وسائر التوجهات الظلامية يكاد يكون مغلقاً أمام مصر.. فهي لا تحتمل عقوبات كإيران، التي تستند إلى ثروتها البترولية، كما لا تستطيع أن تصمد في مواجهة العالم كغزة، التي بتعدادها القليل يكفيها لطعامها ما تتسول من هنا ومن هناك، وما تمولها به الجهات التي تقوم بتحريضها على ما تمارس من إفساد.
هكذا يكون الاحتياج المصري لتوفير مقومات الحياة ولو بالحدود الدنيا، هو بمثابة القضبان التي تضطر مصر للسير عليها باتجاه العالم والحداثة والعصر، لكنها في سيرها هذا تتلكأ وتتخبط وتتقهقر، لتعاود التقدم من جديد.. كل هذا يجعلنا نغامر بالقول، أن التدهور في مصر لن يصل أبداً إلى ذروة، يعقبها السقوط أو الفوضى المدمرة.. لكنها أيضاً ستظل عاجزة عن التوحد والتناغم والتوافق المجتمعي، الذي يكفل لها التقدم للالتحاق بالعصر.. ستظل مصر مقودة لا قائدة لمسيرتها الذاتية، أو بعبارة أخرى مجرورة جراً، لكنها مجرورة بالفتحة، وليس بالكسرة أو الانهيار.
فلنقل أنه الأمل الموشى بالسواد!!
[email protected]
في غياب الهدف المشترك المتفق عليه على مستوى القاعدة، من العبث ومن غير الوارد أن تفكر في محاسبة الحكام، أو حتى مجرد توجيه اللوم لهم، فاللوم والمحاسبة لابد وأن يتما على أساس نسبة ما يتحقق من أهداف قد حددها المجتمع لنفسه ولحكامه، وإلا ستكون المعارضة ndash;كما هو حال المعارضة المصرية الآن- مجرد نباح، أو محاولات للوثوب على كرسي السلطة، بالمزايدة والمتاجرة بمعاناة الجماهير، وبالطبع بدغدغة مشاعرها الدينية العميقة والملتهبة الآن.
لا يكفي أن يكون هدف القاعدة العريضة من الجماهير تحسين نوعية حياتها المتدهورة يوماً بعد الآخر، لكي يكون هناك ما يصلح لتسميته هدفاً للقاعدة والقيادة، فبالإضافة للعمومية الشديدة لهذا الهدف، والاختلاف البين -إلى حد التناقض- حول السبل التي ينبغي سلوكها لتحقيقه، فإن تحديد هدف لجماعة ما، لابد وأن يعني تكريس نفسها لتحقيق هذا الهدف وحده، ونبذ كل ما من شأنه تعطيل الوصول إليه، وتفعيل كل طاقات وقدرات المجتمع والدولة، للوصل إلى ذلك الهدف.. وهذا بالطبع غير متحقق لهدف تحسين مستوى معيشة الجماهير، لا على مستوى الشعب نفسه، ولا على مستوى قياداته السياسية وقيادات المجتمع الأهلي.
كل من الدولة والشعب المصري تتنازعه اتجاهات وتيارات شتى، مختلفة ومتباينة القوى والاتجاهات، يعرف الجميع أشهرها وأكثرها توفيقاً، وهو تيار جماعة الإخوان المسلمين، رائعة التنظيم وافرة التمويل، بأيديولوجيتها الوهابية، التي تعطيها طبيعتها الهجومية المتعصبة بريقاً وقبولاً لدى جماهير فاشلة ومحبطة، تجد المهرب من شعورها بالإحباط والدونية، في التوجه بالكراهية والعداء نحو الآخر، كما لا تجد أمامها مفراً إزاء فشلها الذريع في تحقيق نجاح مادي في هذه الحياة الدنيا، أن تقبل بما تعدها به الجماعة المسماة محظورة، إذا ما باعت الدنيا، بأن تشتري الآخرة عوضاً عنها، وأن تلهي نفسها بالحذق في أداء مظاهر تدين يتفاقم توسعها في الحياة طوال الوقت، حتى وصلت إلى آداب دخول المرحاض أو الخلاء.. ليس أدل على نجاح جماعة الإخوان المسلمين وسائر التنظيمات المتفرعة عنها، ورواج ما تبشر به من فكر (إن صحت تسمية ما تروج له بالفكر)، من نجاحها في دفع شباب في عمر الزهور إلى عمليات انتحارية، يبتغون منها ndash;كما قيل لهم- مرضاة الله ومن ثم دخول جنته، بالطبع لم نشهد في مصر ndash;حتى الآن- هذه النوعية من الولاء للأيدولوجية الإخوانية، نظراً لطبيعة الإنسان المصري المسالمة والرافضة للعنف، لكن سائر دلائل النجاح الأخرى في التربة المصرية، لا تقل عن هذه الظاهرة كثيراً في المدلول، وإن اختلفت في الطبيعة.
مخطئ بالطبع من يتصور أن جماعة الإخوان المسلمين مجالها الأساسي للفاعلية وتوجيه مصير البلاد هو القاعدة الشعبية، وأنها بمنأى عن السلطة التي تطاردها، ويلعبون معاً لعبة القط والفأر، بل إننا نزعم أن المجال الأساسي والحيوي لفاعلية الإخوان المسلمين هو الدولة، بمختلف أجهزتها الرسمية وشبه الرسمية، علاوة على كافة الاتحادات والنقابات والهيئات الأهلية المصادرة أو المؤممة لحساب المفترض أنه دولة مركزية.. فإذا كان لتلك الجماعة وجهان، وجه الفكر ووجه التنظيم، فإن نسبة عالية من رجال الدولة بمختلف مستوياتها ومجالاتها، يعتنقون فكر الإخوان المسلمين، ويتصرفون تلقائياً وفقاً له، أما الوجه التنظيمي للجماعة، فيسيطر برجاله على قطاعات عريضة من أجهزة الدولة، وفي مقدمتها وزارة التربية والتعليم، ومختلف الأجهزة الإعلامية، بل وأجهزة سيادية أخرى خطيرة.
التيار الآخر المعادل للأخوان في القوة، وله اليد الأعلى في التحكم بسير الأمور، هم أصحاب المصالح، سواء الشرعية أو غير الشرعية، وهم كتلة غير مسيسة، وغير حاملة لأي فكر، ويقودون في ركابهم موظفي جهاز الدولة البروقراطي، ممن لا ينتمون إلى تيار الإخوان أو غيره.. هذه القوة أو الكتلة تحسب جيداً حساب الكتلة الإخوانية، تطارها تارة، وتهادنها تارة، وفي معظم الأحيان تتناغم معها، تمريراً لمصالحها، التي لا تعرف غيرها، ولا يهمها عن أي طريق أو بأي وسيلة تتحقق تلك المصالح، التي أهمها الجزء الاقتصادي من تلك المصالح، بالإضافة إلى المحافظة على مواقعها في مختلف أجنحة السلطة.
هذه الكتلة الفاعلة المسيطرة بصورة رسمية، فاقدة لأي رؤية مستقبلية، ولا شأن لها بالاهتمام أو بمعرفة قضايا الحداثة والمواطنة وحقوق الإنسان وما شابه، ومن السذاجة أن يتوقع أو يطلب أحد منها أن تناصر هذه القضايا، وأكثر ما تفعله في هذا الاتجاه هو أنها تنصرها متى اضطرتها الظروف لذلك، سواء نتيجة تأثيرات داخلية، أو ضغوط خارجية، فهي لا تعادي تلك القيم والتوجهات بصورة مبدئية، كما أنها بذات القدر لا تعنيها، وبالتالي فهي مستعدة للتوجه إلى أي اتجاه تدفعها إليه الرياح، بحيث نستطيع القول أنها تنتهج برجماتية قصيرة النظر إلى حد مذهل، إذ لا تكاد ترى إلا ما تحت أقدامها، وربما يمت هذا إلى الميراث الثقافي الشعبي، الذي أنتج المثل المصري المعروف quot;أحيني النهاردة وموتني بكرةquot;.
من هنا نستطيع أن نفهم سر التضارب في السلوك والتوجهات للدولة المصرية، فتارة نراها تناصر حقوق الإنسان، وتارة أخرى تصدر من القرارات وترتكب من الممارسات ما يعود بالبلاد قروناً للوراء، ونجدها مثلاً في فترات الهدوء تترك الحبل على الغارب للعناصر المعادية للسلام مع اسرائيل، سواء في أجهزة الإعلام أو حتى في المؤسسات الرسمية السيادية، ثم نجدها عندما يجد الجد، سواء في أحداث ضرب إسرائيل لحماس في غزة مثلاً، أو مؤامرة حزب الله على الأمن المصري وسيادة الدولة، نجدها تتحرك بعقلانية ورشاد، ضد ما كانت كافة أجهزتها قبل سويعات تحرض الجماهير عليه.. ذلك أن خطتها الاستراتيجية هي عدم وجود خطة من الأساس، والتصرف لحظياً وفق ما تمليه عليها الظروف، أو كما قلنا تتحرك إلى حيث تدفعها الرياح.
بجانب هاتين القوتين الرئيسيتين، هناك عدة قوى هامشية، مثل القومجيين العروبيين واليساريين والناصريين، أيضاً هنالك الليبراليون، الذين هم بلاشك أقل الناس تنظيماً وفاعلية، وإن كان بعضهم محسوباً على الدولة، ويعمل بهدوء وهمة فاترة لتحقيق رؤاه، التي يعرف جيداً أن لا نصير لها، لا في القمة، ولا عند القاعدة الجماهيرية.
في مقابل كل هذا، هناك قوة عظمي غير منظورة، يمكن أن نسميها quot;سلطة الأمر الواقعquot; أو quot;ضرورات العصرquot;.. فالكتلة السكانية الكبيرة، التي ينطبق عليها عنوان فيلم quot;أفواه وأرانبquot;، بالإضافة إلى النقمة التي تحولت في حالتنا هذه إلى نعمة، وهي ندرة الموارد والثروات الطبيعية في مصر، هذين العاملين حرما مصر من رفاهية التقهقر والانحدار إلى العصور المظلمة، التي تسعى جماعة الإخوان المسلمين مثلاً لشد مصر لها، كما تحرمها من الاستجابة لمغامرات وشطحات العروبيين والمقاومين والممانعين، وسائر الأشاوس بالحناجر والأحزمة الناسفة.. فمصر تحتاج لأن تعمل وتنتج خبزها بنفسها، وتحتاج لهذا أن تكون مسايرة للعالم ولروح العصر، لهذا نستطيع ولو بقليل من الاطمئنان أن نقول، أن أبواب السقوط في يد الإخوان وسائر التوجهات الظلامية يكاد يكون مغلقاً أمام مصر.. فهي لا تحتمل عقوبات كإيران، التي تستند إلى ثروتها البترولية، كما لا تستطيع أن تصمد في مواجهة العالم كغزة، التي بتعدادها القليل يكفيها لطعامها ما تتسول من هنا ومن هناك، وما تمولها به الجهات التي تقوم بتحريضها على ما تمارس من إفساد.
هكذا يكون الاحتياج المصري لتوفير مقومات الحياة ولو بالحدود الدنيا، هو بمثابة القضبان التي تضطر مصر للسير عليها باتجاه العالم والحداثة والعصر، لكنها في سيرها هذا تتلكأ وتتخبط وتتقهقر، لتعاود التقدم من جديد.. كل هذا يجعلنا نغامر بالقول، أن التدهور في مصر لن يصل أبداً إلى ذروة، يعقبها السقوط أو الفوضى المدمرة.. لكنها أيضاً ستظل عاجزة عن التوحد والتناغم والتوافق المجتمعي، الذي يكفل لها التقدم للالتحاق بالعصر.. ستظل مصر مقودة لا قائدة لمسيرتها الذاتية، أو بعبارة أخرى مجرورة جراً، لكنها مجرورة بالفتحة، وليس بالكسرة أو الانهيار.
فلنقل أنه الأمل الموشى بالسواد!!
[email protected]
التعليقات