عنوان الكتاب: مصر والمصريون في عهد مبارك.
المؤلف: جلال أمين.
الناشر: دار ميريت، القاهرة، طبعة أولى، 2009م.
عدد الصفحات: 260.
المؤلف: جلال أمين.
الناشر: دار ميريت، القاهرة، طبعة أولى، 2009م.
عدد الصفحات: 260.
لعل من الصعوبة بمكان أن يتم استعراض مرحلة أو عهد معين، بإيجابياتها وسلبياتها، لزعيم أو رئيس أو ملك بعينه خلال الفترة الزمنية التي لا يزال موجوداً فيها على قمة هرم السلطة التي يمثلها. ويبدو أن القيام بعمل مماثل يشبه السير بين حقل ألغام لا تزال كثير من مناطقه quot;فعالةquot;. كتاب (مصر والمصريون في عهد مبارك) لمؤلفه الدكتور جلال أمين، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية بالقاهرة، أثار جدلاً كبيراً واهتماماً بالغاً من قبل مثقفي وسياسيي مصر خلال الفترة الأخيرة، لما تضمنه من تشريح عميق ودقيق لحال الشعب المصري ومؤسساته الحكومية التي بات الفساد والمحسوبية تنخر في جنابتها، كما يخلص إلى ذلك المؤلف من خلال مقالاته التي تناولت عدداً من الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهامة.
يرى المؤلف في مقدمته أن الشعب المصري عاش فترة ذهبية quot;معسولةquot; لم تتجاوز العام في بداية علاقتهم بالرئيس (مبارك)، فقد حرص الأخير في مفتتح عهده على تهدئة الأوضاع السياسية في البلاد مع مختلف تيارات المعارضة وأطيافها، فباشر باتخاذ قرار بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين الكبار واستقبلهم في قصره بعد مقتل سلفه (السادات) بأسابيع قليلة. وامتنع عن الأعمال التي كانت تستفز العامة، كظهور قرينة الرئيس في المشهد السياسي العام، بعد حساسية المصريين من (جيهان السادات)، ودعا إلى مؤتمر لمناقشة الوضع المتردي للاقتصاد المصري بمشاركة جميع أطياف المفكرين الاقتصاديين في مصر. ورافق ذلك عودة الصحف المعارضة إلى الظهور، ومنح هامش أكبر للصحف الرسمية، فشهدت مصر فترة ذهبية من حرية التعبير أشاعت تفاؤلاً كبيراً بمستقبل العمل السياسي في البلاد. إلا أن ذلك لم يستمر أكثر من عام على اعتلاء مبارك للحكم.
ثم يشرح المؤلف حال الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في مصر، فيرى أن الأوضاع في مصر تنطبق عليها نظرية عالم الاقتصاد السويدي (ميردال) عن الدولة الرخوة، تلك الدولة التي يعدها (ميردال) سر البلاء الأعظم، والسبب الرئيس في استمرار الفقر والتخلف. فهي دولة همها إصدار القوانين دون تطبيقها، لعدم وجود من يحترمه أصلاً، فالمتنفذون لا يبالون به بما لديهم من مال وسلطة، وعامة الناس يتلقون الرشى لغض البصر عنه، وفي مثل هذه الدولة تباع الرخص والتصاريح ويعم الفساد، فرخاوة الدولة تشجع الفساد، وانتشاره يزيدها رخاوة.
يحاول الكتاب تأكيد ما أعلنه من نتيجة بسوق عدد من الأمثلة على رخاوة الدولة، فبعد عام واحد من حكم مبارك قامت quot;إسرائيلquot; باعتداءات صبرا وشاتيلا، ولم تحرك مصر ساكناً، ثم جاء حادث اختطاف الطائرة المصرية عام 1986 فلم يصدر من الدولة المصرية رد الفعل الملائم، ثم انتشرت فضائح عن وزارة النفط انتهت بمجرد خروج الوزير دون محاكمته، ثم أثيرت فضائح شركات توظيف الأموال، فتمكن معظمهم من الهرب خارج البلاد. وفي عام 1992 تعرضت مصر لهزة أرضية، فإذا بالدولة تبين عن رخاوتها بشكل واضح، فانكشف للجميع نسبة الأبنية المخالفة للقانون والمحكوم عليها بالإزالة والآيلة إلى السقوط والتي لم يعاقب عليها أحد.
ويلحظ المؤلف تبايناً نوعياً بين الرجال الذين اعتمد عليهم مبارك إبان حكمه، وبين رجالات من سبقوه، فيرى أن رجال من سبقوه تميزوا بكونهم من السياسيين وذوي الرؤية والمشروع السياسي بالأساس، ثم تغير هذا الأمر بالتدريج في عهد مبارك من خلال اعتماده على رجال من التكنوقراط، لا يعرف لهم أي توجه سياسي، في تقليم واضح لمراكز النفوذ في جنبات الدولة، ومحاولة حصرها في مناصب محدودة. ويقدم المؤلف تفسيره لتلك الظاهرة بأن الرئيس مبارك ليس من أنصار سياسة quot;الصدمات الكهربائيةquot;، كما صرح بذلك في بداية عهده، في إشارة إلى عهد من سبقوه. فهو لا يغلق الاقتصاد ولا يفتحه، ولا يحارب quot;إسرائيلquot; ولا يوقع اتفاقيات جديدة معها، الأمر الذي يفسر اعتماده على رجالات سمتهم المشتركة والوحيدة الولاء للنظام وعدم الاهتمام بالسياسة.
ويرصد الكتاب ما يعانيه الفقراء في مصر، وهم يشكلون النسبة الكبرى من عدد السكان في سبيل إشباع حاجاتهم الأساسية الآخذة في التدهور منذ بداية عصر الانفتاح الاقتصادي في مصر. ويرى المؤلف أن الثراء المفاجئ الذي حققه البعض في السنوات الأولى من الانفتاح لم يثر لدى الفقراء من الإحباط ما أثاره الإثراء الذي حدث في السنوات العشرين الأخيرة. فالثراء في السابق كان مقترناً بقدرة المصريين على الهجرة، ومن لم يهاجر كان يعيش عصر زيادة عامة في الدخل يقترن بإنفاق سخي من جانب الدولة، وارتفاع كبير في أجور الحرفيين. وكان أهم مظهر من مظاهر الثراء الفاحش خلال حكم مبارك مصدر هذا الثراء، فلم تعد أعمال الوساطة كالتجارة والمقاولة والسمسرة تمثل المصدر الرئيس للإثراء، بل أصبح الاستيلاء على أموال الدولة ونهب الأصول أهم مصادر الإثراء في مصر.
ويخلص الكتاب في لسنوات حكم الرئيس مبارك أن عهده اتسم ببعض السمات التي سمحت لصور جديدة من الفساد انتقلت إلى المشهد الثقافي والعلمي أيضاً. فقد بدا مع توالي مؤشرات الفساد ورخاوة الدولة ظهور نوع جديد من المثقفين القناصين للفرص، لا يهمهم شأن التغيير بقدر ما يهمهم تحسين أحوالهم الشخصية من خلال مشروعات صغيرة خاصة تجلب لهم الثراء السريع، ويترافق ذلك مع انزواء أصحاب المواهب الحقيقية الراغبين في الإصلاح وتحقيق النهضة بالموت أو الشيخوخة، أو بالقنوط والإحباط.
لقد ركز المؤلف في كتابه على الجوانب المظلمة من سنوات عهد الرئيس الحالي، وانتقد بشدة مظاهر وممارسات المؤسسات الحكومية التي تداعت متراخية في ظل فساد بات مستحكماً في واحدة من أهم وأكبر عواصمنا، وأكثرها تمثيلاً لواقع عربي مأزوم.
يرى المؤلف في مقدمته أن الشعب المصري عاش فترة ذهبية quot;معسولةquot; لم تتجاوز العام في بداية علاقتهم بالرئيس (مبارك)، فقد حرص الأخير في مفتتح عهده على تهدئة الأوضاع السياسية في البلاد مع مختلف تيارات المعارضة وأطيافها، فباشر باتخاذ قرار بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين الكبار واستقبلهم في قصره بعد مقتل سلفه (السادات) بأسابيع قليلة. وامتنع عن الأعمال التي كانت تستفز العامة، كظهور قرينة الرئيس في المشهد السياسي العام، بعد حساسية المصريين من (جيهان السادات)، ودعا إلى مؤتمر لمناقشة الوضع المتردي للاقتصاد المصري بمشاركة جميع أطياف المفكرين الاقتصاديين في مصر. ورافق ذلك عودة الصحف المعارضة إلى الظهور، ومنح هامش أكبر للصحف الرسمية، فشهدت مصر فترة ذهبية من حرية التعبير أشاعت تفاؤلاً كبيراً بمستقبل العمل السياسي في البلاد. إلا أن ذلك لم يستمر أكثر من عام على اعتلاء مبارك للحكم.
ثم يشرح المؤلف حال الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في مصر، فيرى أن الأوضاع في مصر تنطبق عليها نظرية عالم الاقتصاد السويدي (ميردال) عن الدولة الرخوة، تلك الدولة التي يعدها (ميردال) سر البلاء الأعظم، والسبب الرئيس في استمرار الفقر والتخلف. فهي دولة همها إصدار القوانين دون تطبيقها، لعدم وجود من يحترمه أصلاً، فالمتنفذون لا يبالون به بما لديهم من مال وسلطة، وعامة الناس يتلقون الرشى لغض البصر عنه، وفي مثل هذه الدولة تباع الرخص والتصاريح ويعم الفساد، فرخاوة الدولة تشجع الفساد، وانتشاره يزيدها رخاوة.
يحاول الكتاب تأكيد ما أعلنه من نتيجة بسوق عدد من الأمثلة على رخاوة الدولة، فبعد عام واحد من حكم مبارك قامت quot;إسرائيلquot; باعتداءات صبرا وشاتيلا، ولم تحرك مصر ساكناً، ثم جاء حادث اختطاف الطائرة المصرية عام 1986 فلم يصدر من الدولة المصرية رد الفعل الملائم، ثم انتشرت فضائح عن وزارة النفط انتهت بمجرد خروج الوزير دون محاكمته، ثم أثيرت فضائح شركات توظيف الأموال، فتمكن معظمهم من الهرب خارج البلاد. وفي عام 1992 تعرضت مصر لهزة أرضية، فإذا بالدولة تبين عن رخاوتها بشكل واضح، فانكشف للجميع نسبة الأبنية المخالفة للقانون والمحكوم عليها بالإزالة والآيلة إلى السقوط والتي لم يعاقب عليها أحد.
ويلحظ المؤلف تبايناً نوعياً بين الرجال الذين اعتمد عليهم مبارك إبان حكمه، وبين رجالات من سبقوه، فيرى أن رجال من سبقوه تميزوا بكونهم من السياسيين وذوي الرؤية والمشروع السياسي بالأساس، ثم تغير هذا الأمر بالتدريج في عهد مبارك من خلال اعتماده على رجال من التكنوقراط، لا يعرف لهم أي توجه سياسي، في تقليم واضح لمراكز النفوذ في جنبات الدولة، ومحاولة حصرها في مناصب محدودة. ويقدم المؤلف تفسيره لتلك الظاهرة بأن الرئيس مبارك ليس من أنصار سياسة quot;الصدمات الكهربائيةquot;، كما صرح بذلك في بداية عهده، في إشارة إلى عهد من سبقوه. فهو لا يغلق الاقتصاد ولا يفتحه، ولا يحارب quot;إسرائيلquot; ولا يوقع اتفاقيات جديدة معها، الأمر الذي يفسر اعتماده على رجالات سمتهم المشتركة والوحيدة الولاء للنظام وعدم الاهتمام بالسياسة.
ويرصد الكتاب ما يعانيه الفقراء في مصر، وهم يشكلون النسبة الكبرى من عدد السكان في سبيل إشباع حاجاتهم الأساسية الآخذة في التدهور منذ بداية عصر الانفتاح الاقتصادي في مصر. ويرى المؤلف أن الثراء المفاجئ الذي حققه البعض في السنوات الأولى من الانفتاح لم يثر لدى الفقراء من الإحباط ما أثاره الإثراء الذي حدث في السنوات العشرين الأخيرة. فالثراء في السابق كان مقترناً بقدرة المصريين على الهجرة، ومن لم يهاجر كان يعيش عصر زيادة عامة في الدخل يقترن بإنفاق سخي من جانب الدولة، وارتفاع كبير في أجور الحرفيين. وكان أهم مظهر من مظاهر الثراء الفاحش خلال حكم مبارك مصدر هذا الثراء، فلم تعد أعمال الوساطة كالتجارة والمقاولة والسمسرة تمثل المصدر الرئيس للإثراء، بل أصبح الاستيلاء على أموال الدولة ونهب الأصول أهم مصادر الإثراء في مصر.
ويخلص الكتاب في لسنوات حكم الرئيس مبارك أن عهده اتسم ببعض السمات التي سمحت لصور جديدة من الفساد انتقلت إلى المشهد الثقافي والعلمي أيضاً. فقد بدا مع توالي مؤشرات الفساد ورخاوة الدولة ظهور نوع جديد من المثقفين القناصين للفرص، لا يهمهم شأن التغيير بقدر ما يهمهم تحسين أحوالهم الشخصية من خلال مشروعات صغيرة خاصة تجلب لهم الثراء السريع، ويترافق ذلك مع انزواء أصحاب المواهب الحقيقية الراغبين في الإصلاح وتحقيق النهضة بالموت أو الشيخوخة، أو بالقنوط والإحباط.
لقد ركز المؤلف في كتابه على الجوانب المظلمة من سنوات عهد الرئيس الحالي، وانتقد بشدة مظاهر وممارسات المؤسسات الحكومية التي تداعت متراخية في ظل فساد بات مستحكماً في واحدة من أهم وأكبر عواصمنا، وأكثرها تمثيلاً لواقع عربي مأزوم.
كاتب وباحث
التعليقات