عنوان الكتاب: المشاركة السياسية للمرأة الإيرانية.
المؤلف: عزة جلال هاشم.
الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، أبوظبي، طبعة أولى، 2008م.
عدد الصفحات: 155.

لعبت المرأة الإيرانية دوراً سياسياً واجتماعياً بارزاً ومهماً في تاريخ إيران القديم منه والحديث على حد سواء. بيد أن المكانة الكبيرة التي حازتها المرأة الإيرانية ما لبثت أن تراجعت وتقهقرت شأنها شأن نظيراتها في العالم العربي والإسلامي، كانعكاس للوضع الاجتماعي والحضاري المتراجع الذي عرفته الحضارة العربية الإسلامية بالتزامن مع أفول قوتها السياسية وتراجع حدودها الجغرافية.
بيد أن الظروف الاستثنائية والخاصة التي عرفها المجتمع الإيراني إبان الحرب الإيرانية العراقية، وارتفاع عدد الرجال المنخرطين في تلك الحرب الدامية على مدى ثماني سنوات، وما خلفته بعد ذلك من جرحى ومعوقين وقتلى في صفوف الذكور، فرض على المرأة الإيرانية وضعاً جديداً دفعها للانخراط في أنشطة المجتمع ومجالات العمل التي خلفها الرجال وراءهم في حربهم الضروس الطويلة. ورافق ذلك إعادة للتفكير في العوائق الاجتماعية والسياسية التي كبّلت المرأة الإيرانية وقيدت من حريتها ونشاطها السياسي والاجتماعي، في نزعة للتحرر من إرث ما اعتبره الإيرانيون (الإرث الشاهنشاهي) ومحاولة إبراز quot;منجزاتquot; الثورة الإيرانية في مجال تحرير المرأة ومنحها حقوقها السياسية والاجتماعية.
ويندرج كتاب (عزة جلال هاشم) في سياق رصد التغيرات التي طالت المرأة الإيرانية في أعقاب قيام الثورة الإسلامية في إيران، في محاولة لاكتناه طبيعة العلاقة بين تطور الخطاب الرسمي الإيراني، والواقع السياسي الفعلي للمرأة، في ظل انقسام النخب الحاكمة بين تياري الإصلاحيين والمحافظين، ومدى تأثير ذلك على دور المرأة في المجتمع، والذي بلغ ذروته في الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم.
ينقل الكتاب عدداً من الإحصائيات ذات الدلالة في سياق التعرف على التطور النوعي الذي عرفه وضع المرأة في إيران، إذ يشير الكتاب إلى أن 13% من العاملين في مجال الصحافة هم من النساء، وأن الحكومة الإيرانية قد أصدرت حوالي 90 ترخيصاً لنشر المطبوعات تحت إدارة نسوية في عهد الرئيس محمد خاتمي فقط. كما أصدرت وزارة ما يسمى بالإرشاد الإسلامي 53 ترخيصاً لنشر كتب لمؤلفات إيرانيات، وانتسبت 600 ألف امرأة إلى المكتبات العامة الإيرانية.
وتدرس المؤلفة في بداية الكتاب مفهوم المشاركة السياسية والنسوية الإسلامية، كما تناقش قضية المرأة الإيرانية بين خطابي التيارين (الثوري والإصلاحي). وتؤكد على تشديد بعض منظري الثورة الإيرانية على مناقشة قضايا المرأة ضمن الإطار العام لقضايا المجتمع، واعتبار قضيتها جزءاً من المشروع الإصلاحي للمجتمع برمته، على أساس أن سوء وضع المرأة في المجتمع، يرجع إلى ما يعرفه المجتمع بأسره من تراجع حضاري، وعليه، فإن أي محاولة لإصلاح ذلك الوضع لا تستقيم إلا في إطار كلي، ومحاولة اجتراح أي حل جزئي لإصلاح شأن المرأة هو غير ناجع إلا أنه قد يكون ضرورياً أيضاً. ويشير الكتاب إلى أنه تمّ طرح أفكار عدة حول قضية المرأة في إيران انطلاقاً من الأرضية الإسلامية، مما شكل تربة خصبة لتطوير الخطاب الإسلامي الإيراني تجاه المرأة في عقدي الستينات والسبعينات بالذات.
وتقوم المؤلفة باستعراض موقع المرأة في الخطاب الثوري الإيراني الرسمي عبر محورين اثنين، موقف الثورة الإسلامية من الغرب كمقابل موضوعي للإسلام، أو ثنائية (الحرية ـ الاستبداد)، ويتم فيه مقارنة موقع المرأة بين وضعها في سنوات حكم الشاه وسنوات التمهيد للثورة. ويتمثل المحور الثاني في الحديث عن حقوق المرأة في النظام الإسلامي، وذلك بالحديث عن دورها كمواطن في المجتمع.
يتناول الكتاب تطور وضع المرأة في المجتمع الإيراني من خلال سبر أبعاد موقعها من قضايا التعليم والثقافة والعمل. وهي القضايا التي ترى المؤلفة شدة تأثيرها على دور المرأة في الحياة السياسية في إيران. وتنقل في هذا الصدد إحصاءات مهمة تشير إلى تحسن كمي ونوعي على مؤشرات التعليم النسوي في فترة ما بعد الثورة، ففيما كانت نسبة المتعلمات في بداية الثورة تقدر بـ 37% من إجمالي عدد النساء، ارتفعت تلك النسبة إلى 70% بعد 15 عام من قيام الثورة.
ويلفت الكتاب النظر إلى استمرار تدني نسبة الإناث في مجال العمل بالمقارنة مع نسبتهن إلى عدد السكان، وتركز مساهمتهن في القطاع الخدمي، رغم المحاولات الحكومية المستمرة لتفعيل مشاركة المرأة في الشأن الاقتصادي وزيادته، خاصة في عد الرئيس الإيراني خاتمي الذي تميز عهده بالاهتمام بقضايا المرأة. حيث نمت مشاركة المرأة في المجتمع، والتي يمكن رصدها من خلال تزايد عدد المنظمات النسوية، مما دعم مفاهيم المساواة والإنصاف بين الجنسين في فكر الإصلاحيين بغية النهوض بالمجتمع. ويشير الكتاب إلى أن المرأة الإيرانية استفادت من وجود الإصلاحيين بالسلطة، فتناغمت أهداف الإصلاحيين مع أهداف المنظمات النسوية، وقام الإصلاحيون بتحصين مكتسبات المرأة بمجموعة من التشريعات في سياق صراعهم مع تيار المحافظين لتعزيز مكانة المرأة الإيرانية في المجتمع.
لا تزال المرأة الإيرانية تخوض معركتها السياسية والاجتماعية مع القوى التي ترفض توسيع مكتسباتها والاعتراف بحقوقها، وعلى الرغم من الوضع المريح والمعقول الذي وصلت إليه المرأة الإيرانية بالمقارنة مع نظيراتها في دول إسلامية مجاورة، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً أمامها لانتزاع كامل حقوقها وتفعيل دورها الحقيقي في مجتمع باتت تشكل فيه نسبة عالية.
كاتب وباحث