ما من شك أن الساحة السياسية اللبنانية تعد واحدة من أكثر المشاهد السياسية العربية تعقيداً وتشابكاً مع أطراف إقليمية ودولية باتت معروفة. وإذا كان العامل السياسي الشيعي يحتل مرتبة متقدمة ضمن جملة العوامل الفاعلة في المشهد السياسي اللبناني، إلا أن الأحداث الأخيرة، وبالذات أحداث مخيم نهر البارد، قد سلطت الضوء على الحركات الإسلامية السنية، ومدى صلتها وإمكانية كونها امتداداً لما يسمى بتنظيم القاعدة داخل لبنان.

وتبرز أهمية الإصدار الثاني والعشرين لمركز المسبار للدراسات والأبحاث، في كونه مخصصاً لدراسة الحالة quot;الإسلامية السنية في لبنانquot;، بعدما تناول في كتاب سابق حالة quot;حزب اللهquot; الشيعي، وذلك في سياق سعي المركز لتقديم صورة واضحة المعالم عن أطياف المشهد الإسلامي الحركي في لبنان.

تم تصدير كتاب quot;الإسلامية السنية في لبنانquot; بمقدمة للدكتور (رضوان السيد) تضمنت نظرة عامة ومكثفة على المشهد الإسلامي السني في لبنان، والذي يرى (السيد) -باستثناء الجماعة الإسلامية- أنه حديث النشأة والتكوين نسبياً، كما أنه كان اتخذ في بداياته طابعاً خيرياً وتنموياً حتى ظهور حركة فتح على الساحة اللبنانية أواسط الستينيات من القرن الماضي، إذ بدأ بعدها الحديث عن إسلام سياسي حركي سني. ثم يرصد (السيد) هذا المشهد بما حمله من تحولات جذرية وتحديات عديدة خلال مرحلة التسعينيات وصولاً إلى عام 2008، ويؤكد أن الضغوط الهائلة التي تعرض لها أهل السُنة في الأعوام الأخيرة، من النواحي الدينية والسياسية والاجتماعية، جعلت من الصعب ضبط الراديكاليات الانفجارية والتهافت لتقليد التنظيمات المسلّحة لدى الطوائف والمذاهب الأخرى.

ثم يستعرض الدكتور (عبد الغني عماد) أبرز الحركات الإسلامية السنية quot;المعتدلةquot; في لبنان، منطلقاً من الخصوصية التي تتميز بها البنية السياسية اللبنانية، والتنوع الطائفي والمذهبي العميق الذي يميز البنية المجتمعية في هذا البلد، فيعرض للبيئة التي نشأت فيها هذه الحركات، والخصائص الفكرية التي تميز كل منها، مع تحليل تجاربها في العمل السياسي الإسلامي والعمل المسلح.

ويقدم الكتاب أيضاً قراءة من الداخل عبر دراسة لنائب الأمين العام لـ quot;الجماعة الإسلاميةquot; في لبنان (إبراهيم المصري) عن هذه الحركة، تناولت نشأة الجماعة ومشروعها الفكري والسياسي، وعلاقاتها الداخلية والإقليمية، وموقفها من الصراع العربي الإسرائيلي ومسألة المقاومة، مع بيان علاقتها مع بيان علاقتها بحركة الإخوان المسلمين. فيما قدم الدكتور (حسن الشهال)، أحد الوجوه السلفية البارزة في لبنان، ما يشبه الملخص الذاتي للتيار السلفي في لبنان من خلال عرض أبرز المحطات التي رافقت انتشار هذه الدعوة منذ قرابة نصف قرن، وما آلت إليه من إمكانات ومؤسسات، مع بيان موقف الجماعات السلفية من النظام اللبناني القائم، ومن الجماعات السياسية فيه، وطموحاتها السياسية المستقبلية.

ثم يحاول الباحث (أحمد الزعبي)، الإجابة عن إشكالية سياسية باتت مطروحة بقوة في لبنان والمنطقة، وهي جدية تنظيم القاعدة في قراره تحويل لبنان إلى أرض جهاد، بعدما كان يعتبرها لسنوات يعتبر مجرد أرض quot;نصرةquot;، محللاً الاعتبارات الدولية والإقليمية التي تتقاطع مصالحها مع هذه التطورات ومستقبلها.

ويبحث (أحمد الأيوبي) ما سماه quot;التسللquot; الإيراني إلى الساحة السنية في لبنان، من خلال تفكيك الخطاب السياسي والفكري لـ quot;جبهة العمل الإسلاميquot;، التي بدأت رحلة تأسيسها مع الأمين العام السابق للجماعة الإسلامية المرحوم (فتحي يكن)، في ظروف ملتبسة وعدم وضوح في الخلفيات، وفي ظل تعدد الشعارات التي تم طرحها، حيث شكّلت هذه الجبهة حالة تناقض نوعي بين الأهداف التي أعلنتها، والممارسات التي اضطلعت به انطلاقاً من الأهمية الاستثنائية التي استحوذت عليها الحركات الأصولية السنية المسلحة في لبنان على اختلاف مشاربها، نظراً لتشعبها ودخول أطراف داخلية وإقليمية ودولية.

وقدم الدكتور (ناجي السويد) سيرة ذاتية للدور المحوري الذي يمثله المستشار (فيصل مولوي) في الحالة الإسلامية السنية في لبنان، بالنظر إلى كونه الأمين العام الحالي للجماعة الإسلامية، وصاحب تجربة قانونية مهمة أنتجت فتاوى واجتهادات أثارت جدلاً واسعاً، كما أن له كذلك دوراً مركزياً في تأسيس ما بات يعرف اليوم بـ quot;الإسلام الأوروبيquot; من خلال تأسيس معظم الأطر والمؤسسات والمعاهد التي تهتم بالجاليات الإسلامية في أوروبا دينياً وفكرياً واجتماعياً وثقافياً، وحتى سياسياً.

وتضمن الكتاب أخيراً قراءة في كتاب الباحث الفرنسي المتخصص بشؤون الجماعات الإسلامية، (برنارد روجيه) quot;جهاد كل يومquot;، والذي يعد بمثابة بحث ميداني واستقصائي استغرق عدة سنوات قضاها بين المخيمات الفلسطينية في لبنان، متتبعاً أصول نشأة الخطاب الأصولي في المخيمات الفلسطينية في لبنان حصراً وتطوره، مبيناً تباينه مع حالات مشابهة للجماعات السياسية الإسلامية في سوريا والأردن على سبيل المثال.

ويبدو أن المشهد السياسي الحركي السني مرشح لمزيد من الدراسات والبحوث في ظل حالة الاحتقان التي تشهدها الحالة اللبنانية والاستقطاب الإقليمي والدولي الذي لن يعدم ممثلاً له في ساحة باتت مشرعة لصراع السياسات والتوجهات على حساب مصلحة المواطن اللبناني.


...كاتب وباحث

عنوان الكتاب: الإسلامية السنية في لبنان.
الناشر: مركز المسبار للدراسات والبحوث.
طبعة أولى، بيروت، 2008م.