أكتب مقالى قبل إمتحان مادة الفيزياء للثانوية العامة، وأتوقع بل وأراهن على أن الطلبة سيخرجون من لجان الإمتحان مثل كل عام، يبكون ويلطمون ويشقون الجيوب ويغمى علي بعضهم، ويفقد بعضهم النطق، بل وسينتحر البعض فى نهاية ميلودرامية لملحمة الفيزياء التى تتفوق على كل تراجيديات اليونان الحزينة، وإن كانت تختلف عن تراجيديات سوفوكليس وإسخيلوس فى انها تراجيديا مزمنة تتكرر كل عام على مسرح الثانوية العامة وتحبط شباباً فى عمر الزهور.
هاجر الشباب من القسم العلمى إلى القسم الأدبى بسبب الفيزياء، صارت الفيزياء بعبع البيوت المصرية وأبو رجل مسلوخة فى كوابيس مراهقي المحروسة، ولايوجد شاب مصرى يتذكر كلمة فيزياء واحدة بعد خروجه من الإمتحان، هو لايفهمها أصلاً، يتخيل معادلاتها وقوانينها فى الأفق اللازوردى، لم يدخل معملاً حتى يتفاعل معها، ولو أجبره المجموع على دخول كلية العلوم فسيهرب حتماً من هذا القسم المرعب الذى يتجسد له دراكيولا الذى يغرس أنيابه فى مستقبله!!، هو لايعرف أن كل مانعيش فيه من نعم ورفاهية يعود إلى الفيزياء، أهم العلوم وأساس الحضارة ومؤشر التقدم، الطالب يجهل هذه البديهيات ويجهل أن كراهية الفيزياء هى كراهية لسباق التحضر ورفض لقفزة التقدم والعمران.
الكمبيوتر فيزياء، الليزر فيزياء، صواريخ الفضاء فيزياء، الفيزياء هو قاعدة فهم النواة والذرة والجزيئات والخلايا الحية والمواد الصلبة والسائلة والغازات والبلازما والدماغ البشري والأنظمة المعقدة والغلاف الجوي والكواكب والنجوم والمجرات والكون نفسه، الفيزيائي سبب تقدم الطب حيث ان كل اجهزة التشخيص في المستشفيات يعتمد تشغيلها على الفيزياء مثل استخدام اشعة اكس والنظائر المشعة والرنين المغناطيسي والامواج فوق الصوتية واشعة الليزر والمنظار..الخ،الفيزيائى لاغنى عنه فى مجال الاتصالات والاقمار الصناعية و الارصاد الجوية ومراكز التنبؤ بالزلازل ومراكز البحوث،وكذلك في التطبيقات الصناعية ومراكز تطوير المواد جديدة،وبالطبع علم الفيزياء وراء تطور اجهزة الكمبيوتر بكافة مكوناته من المعالج إلى الذاكرة إلى الشاشة إلى اقراص الليزر، الفيزيائي يمكن ان يكسر الحواجز بين العلوم التطيبقية الاخرى كالكيمياء والبيولوجي والجيولوجيا والهندسة والطب، ليصبح هو العالم المرجع الشامل المنوط به طرح السؤال وأيضاً تقديم الإجابة .
الفيزياء أسرع العلوم تطوراً، وارقى العلوم وأكثرها بهاء وتألقاً فى العالم الغربى طبعاً لأنه أغلس العلوم فى بلدنا الميمون بكتبه وإمتحاناته، والعالم الفيزيائى لابد أن يكرم ويبجل ويصير نجماً بدلاً من تجار الكلام ومهاويس الكتب الصفراء الذين يحتلون شاشات الفضائيات وخلايا العقول، لابد أن يحدث هذا لأن هذا الرجل ببساطة هو قاطرة التقدم وبذرة التحضر وبانى اللبنة الأولى فى صرح التطور، وإذا عرفنا أن أهم علم فى إسرائيل هو علم الفيزياء لابد أننا سنعى جيداً أننا لن نلقى بهم إلى البحر أبداً كما يردد الحنجوريون!.
فليكن مشروعنا التعليمى العاجل والطارئ هو كيف يحب أبناؤنا علم الفيزياء ؟، كيف نزرع فى عقولهم الإفتخار بمشرفه وزويل .
وطن ضد الفيزياء...وطن محكوم عليه بالفناء.