عنوان الكتاب: مسألة الأقليات وسبل تخفيف التوترات الدينية والإثنية في الشرق الأوسط.
المؤلف: اسكندر شاهر سعد.
الناشر: المركز العربي للدراسات الإستراتيجية، دمشق، طبعة أولى، 2009م.
عدد الصفحات: 200 صفحة.

يرى كثير من الباحثين، ومنهم مؤلف الكتاب، أن التوترات الدينية والإثنية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة الأقليات ذات الخصوصية الإستراتيجية، بل يمكن عدها قطب الرحى في قضية التوترات الدينية والإثنية بما تنطوي عليه من طبيعة انفجارية، وصولاً إلى البحث عن سبل تخفضيها والحد من آثارها الكارثية. لكن الباحث يركز تركيزاً خاصاً على الحالة اليمنية بوصفها حالة حديثة تفجرت أخيراً مع حرب الحوثيين مع كل من الحكومتين اليمنية والسعودية.
يقسم الكتاب الأقليات في المنطقة العربية إلى نوعين: أقليات دينية، وهي ناتجة عن الانقسامات الحاصلة في الديانتين المسيحية والإسلام، والتي نتجت بدورها عن الصراعات السياسية والرؤى المختلفة، إذ انقسمت المسيحية مع انقسام الإمبراطورية الرومانية إلى كنيستين، كنسية شرقية أرثوذكسية بيزنطية مركزها القسطنطينية، وكنيسة غربية كاثوليكية مركزها روما، وسرعان ما يتطور الجدل النظري إلى توتر اجتماعي ثم ينفجر إلى صراعات دموية، ويلاحظ الباحث هنا أن الطبيعة الانفجارية تكاد تكون ملتصقة وثابتة عند الأقليات بمختلف أنواعها، بيد أنها لدى الأقليات الدينية أكثر عنفاً.
أما في الجانب الإسلامي، فقد نشأت الأقليات إثر الخلاف على السلطة برداء ديني، ودار جدل واسع حول نظرية الإمامة أو الخلافة في الإسلام، وكانت النتيجة ظهور ثلاث فرق رئيسية: شيعة علي، وأنصار معاوية، والخارجين عليهما أو الرافضين لهما، وبعد مقتل علي (661م) تبلورت الخلافات بين الفرق الثلاث، وتحولت إلى مذاهب دينية سياسية، عرفت فيما بعد في التاريخ الإسلامي بالسنة والشيعة والخوارج، وانقسمت هذه الفرق إلى فرق فرعية أخرى وفقاً لاجتهادات مختلفة مع عرض لأعداد هذه الفرق والطوائف.
ثم ينتقل الكتاب إلى بحث الأقليات القومية، تضم المنطقة الكثير من الجماعات القومية التي تشكل أقليات مميزة عن الكتل القومية الكبرى (العرب والفرس والأتراك) ويقسم هذه الأقليات إلى مجموعتين: المجموعة الأولى تتمثل بأقليات متوطنة، هي من أبناء المنطقة، تنتسب إلى شعوب عاشت في المنطقة منذ مئات وربما آلاف السنين، وشكلت على مدار التاريخ جزءاً مكوناً من شعوب المنطقة كالأكراد، وهم بين أكبر الأقليات الموزعة في المنطقة. والأشوريون ويتوزع هؤلاء بصورة خاصة على العراق وسوريا. أما المجموعة الثانية من الأقليات في شرق المتوسط، فهي أقليات وافدة مثل التركمان الذين قدموا من أواسط منطقة السهول الآسيوية ليستقروا في العراق وسوريا وفلسطين والأردن، وكذلك الأقلية الأرمنية التي استقرت في العراق وبلاد الشام، والشركس الذين قدموا من شمال القوقاز، ثم يخوض في أعداد هذه الأقليات.
يبحث الكتاب في سياسة الدول العربية الحديثة إزاء هذه الأقليات، فيرى أن تلك السياسات تندرج في ثلاثة اتجاهات: الأول هو اتجاه تعترف الدولة فيه بوجود الأقليات كجماعات عرقية، لكنها تناهض وجودها كجماعات سياسية تتبنى فكرة قومية كإيران، حيث يعامل دستورها كل المواطنين الإيرانيين بدرجة واحدة بغض النظر عن انتماءاتهم الإثنية، وتقوم الدولة بمقاومة أية نزعات سياسية تقوم على أساس الانتماء القومي. الاتجاه الثاني: يقاوم النزعات الإثنية، ويعمل على دمج العناصر والأقليات القومية الأكبر والأكثر قوة، والتي تمسك بزمام السلطة، وتعتبر تركيا المثل الأوضح لهذا الاتجاه، إذ لا تعترف بأية أقليات قومية غير تركية، وإن كانت هذه السياسة قد بدأت بالتغير وهو ما أغفله المؤلف. أما الاتجاه الثالث، فيعترف بوجود الأقليات ويعطيها هامشاً للحركة في إطار الكيان السياسي والجماعة الوطنية، وقد يزيد إلى ذلك حد توسيع هامش تحرك جماعة قومية معينة لإبراز تنظيمات سياسية تمثلها، وقد يمنحها حد إعلان مناطق حكم ذاتي كما في العراق، فيما تظهر الحدود الأقل في كل من سوريا ولبنان والأردن.
يفرد الباحث جزءاً من الكتاب للوضع في اليمن مسلطاً الضوء على حركة الحوثيين، ويرجع جذور المشكلة إلى الأحداث التي شهدتها دولة الخلافة، مشيراً إلى دور اليمن في حروب الردة، ثم تحول اليمن إلى ملجأ للفارين من قمع الدولة المركزية، حيث اجتمعوا بجبالها الوعرة، واستطاعوا إقامة دول خاصة بهم وبمعتقداتهم مثل quot;الإسماعيليينquot; وquot;الزيديينquot;، وفي سنة 284هـ/898م ظهر الإمام الهادي في صعدة، وفي سنة 293هـ/906م ظهر دعاة المذهب الإسماعيلي في جبال لاعة وحراز.
لكن الباحث يعود ليؤكد أن سبب الحرب الحوثية الأولى 2004 والحروب الستة التي تبعتها يعود إلى استخدام هذه الحرب من قبل بعض مراكز القوى الحاكمة كساحة لتصفية حسابات سياسية وقبلية، ووجود رغبة لدى النظام بالانقلاب على الدستور والديمقراطية وعزمه توريث الحكم، وكانت القبيلة من أهم العوامل المؤثرة لدى الحكومة المركزية وحركة الحوثيين. فأحداث اليمن أكدت موقع وسلطة القبيلة في اليمن، وأكدت أن السلطة في اليمن حصدت في حرب صعدة ثمرة التكريس الممنهج لنمط القبيلة على حساب الدولة ومؤسساتها.
وعلى الرغم من أن ثورة 1962 قامت ضد حكم الأئمة الزيدية الذين جعلوا من السلطة حكراً عليهم، فإن الثورة منذ قيامها اتخذت من المشايخ سنداً لها. وتعود جذور حركة الحوثيين إلى تنظيم quot;الشباب المؤمنquot;، وهو تنظيم عقائدي سياسي زيدي يعتقد أن بداياته تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي حيث بدأت حركة دينية ثم تحولت إلى حركة سياسية، أسسها حسين الحوثي، بدعم من الحزب الحاكم، وذلك لمواجهة إسلاميي حزب التجمع في ذلك الوقت. غير أن حزب الحوثي ما لبث أن خرج عن السيطرة، حينما بدأ يأخذ طابعاً عسكرياً وتوسع في محافظة صعدة، ثم افتتح عدداً من الفروع تحت مسميات معاهد ومدارس وحوزات في محافظات أخرى بينها صنعاء.
ويمثل الشيعة أقلية في اليمن ويغلب عليهم المذهب الزيدي، ولا تزيد نسبتهم في اليمن على 30% من عدد السكان البالغ أكثر من عشرين مليوناً، وفي اليمن أيضاً شيعة إسماعيلية يشكلون نحو 2% من عدد السكان، ويتمركز الزيديون في شمال البلاد وبصورة خاصة في صنعاء وصعدة وحجة وذمار، في حين يتمركز الإسماعيليون في حراز وغرب صنعاء، وتعد الشافعية مذهب باقي سكان اليمن.
يقترح الباحث جملة من الحلول في إطار مواجهة مسألة الأقليات، وهي الفيدرالية والاعتراف بحقيقة التعددية والخصوصية القطرية والإقليمية والجهوية، ويفيد هذا المبدأ حال وجود جماعة إثنية متمركزة في منطقة جغرافية واحدة مثل أكراد العراق وقبائل السودان. والتركيز على الديمقراطية وإشاعتها، وإتاحة قدر أكبر منها لأبناء الأقليات للمشاركة وتقرير مصيرهم ورسم معالم مستقبلهم. ودعم تنظيمات المجتمع المدني التي تتقاطع عبر الولاءات الإثنية، وتضم في عضويتها أبناء أقليات مختلفة مع أبناء الأغلبية ما من شأنه أن يعزز الانتماء ويخلق هوية متماسكة.

كاتب وباحث
[email protected]