عنوان الكتاب: هيئة الأمر بالمعروف والصحافة حقائق ومراجعات.
المؤلف: محمد بن عواد الأحمدي.
الناشر: دار غيناء للنشر، 2009م.

شهدت العلاقة بين الصحافة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية تجاذبات كبيرة في الآونة الأخيرة. إذ تشكو الهيئة وأعضاؤها من قسوة وسائل الإعلام في التعامل من quot;زلاتهاquot;، فيما تؤكد الصحافة على حقها في توضيح ممارسات الهيئة للمجتمع.
يحاول هذا الكتاب تحليل العلاقة بين الصحف السعودية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث عمد الباحث إلى رصد المعالجة الإعلامية للقضايا المتعلقة بالهيئة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إضافة إلى عقد مقابلات مع مسؤولي الصحف، وتحليل نتائج ذلك لمعرفة أوجه وأسباب القصور، التي شابت أداء الصحف في هذا الشأن.
تعد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جهازاً مستقلاً، يرتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء ويعين رئيسه بأمر ملكي برتبة وزير. وتعود نشأتها إلى أيام الملك عبد الله بن عبد العزيز، ومنذ ذلك شهدت الهيئة تطورات إدارية متوالية، كما شهدت مهامها عدة تعديلات، لفض التداخل مع مهام الأجهزة الأخرى. وينصب عمل الهيئة بشكل أساسي على ممارسة quot;الاحتساب في مجال المعروف المتروك، أو المنكر المفعولquot;، وذلك في مجالات العقيدة والعبادات والآداب العامة. وقد شهدت السنوات الأخيرة، وعلى خلفية الانتقادات التي تعرضت لها الهيئة، خاصة من وسائل الإعلام، عدة تعديلات على الصلاحيات الممنوحة لها، حيث تم حظر احتجاز أي شخص لدى الهيئة، وقصر دورها على ضبط وتسليم المخالفين إلى أقسام الشرطة لإجراء التحقيق معهم.
يشير المؤلف إلى التغيرات والتحولات التي شهدتها الساحة الثقافية في المملكة في السنوات الأخيرة، ما يستدعي ضرورة تغيير النظرة الكلية والعامة لمفردات تلك التحولات والتغيرات للخروج برؤية شمولية؛ تعطي تصوراً موضوعياً أقرب إلى الواقع. وبعد أن يطرح المؤلف رؤيته النقدية للمعالجة الصحفية لقضايا الهيئة، يقوم بإسقاط ذلك على نموذج عملي، يتمثل في حادثة الخليل بالمدينة المنورة، حيث رصد التناقضات والتجاوزات التي انطوت عليها التغطية الصحفية للحادثة.
يرفض المؤلف النظرة التي تربط التعاطي السلبي لوسائل الإعلام مع قضايا الهيئة بالأخطاء والتجاوزات التي يقع فيها بعض أعضائها، حيث يعتبر أن هذه النظرة الجزئية تتناسى أن هناك عوامل عالمية ومحلية على صعيد الصراع الحضاري، وعلى الصعيد العقدي والثقافي والفكري ذات تأثير في غاية الأهمية ينبغي أن لا تعزل عنها القضية، كما أن هناك سياقات عامة جاءت هذه القضية ضمنها ينبغي أيضاً أن تكون حاضرة. ويصنف القصور الذي تعاني منه الصحافة في معالجتها لقضايا الهيئة إلى نوعين: الأول قصورٌ فكريٌ يرتبط بعوامل وأسباب داخلية وخارجية، منها الاستهداف الأجنبي للهيئة ودورها، وذلك في إطار استهداف النظام الإسلامي بشكل عام، وقد تزامن هذا الاستهداف مع حالة التخبط التي يمر بها الإعلام المحلي، ومحاولته إرضاء الآخرين على حساب الثوابت والقيم الإسلامية. كما أن تأثير الرؤية الليبرالية لبعض الصحف والصحفيين والاستخدام الخاطئ لمفهوم حرية الرأي لعب دوراً سلبياً في هذا السياق، من وجهة نظره.
أما النوع الثاني، فهو القصور المهني في المعالجة الصحفية، والذي يرجع إلى عدة أسباب، من أبرزها التصيد الإعلامي لأخطاء الهيئة، وقيام بعض الصحف بـ quot;أدلجة الخبر الصحفيquot;، يضاف إلى ذلك أن الصورة الذهنية للهيئة لدى الصحف، والموقف الفكري من دورها كان له تأثيراً بالغاً على نوعية التعاطي مع قضايا الهيئة، كما لاحظ الباحث أن الأخبار المتعلقة بالهيئة، لاسيما المتعلق منها بالأخطاء، ينقصها الدقة والمصداقية اللازمة، وإن كان هناك تفاوت من صحيفة إلى أخرى.
بالمقابل، لا يغفل المؤلف عن تحميل الهيئة جزءاً من المسؤولية في هذا الشأن بسبب القصور الذي تعاني منها الآلة الإعلامية التابعة لها، الأمر الذي يتطلب تطويراً مستمراً، خاصة أن طبيعة عمل الهيئة حساس للغاية، ويرتبط بمطامع ومكاسب فكرية وثقافية مختلفة، وتكتنفه عدة عوامل مؤثرة على المستوى المحلي والعالمي، كما أن هناك من يتصيد أخطائها لتحقيق انتصارات فكرية، ما يستدعي مزيداً من العناية والحرص على جودة أدائها العام.
يبدو الكتاب إلى حد كبير حذراً في معالجته لطبيعة الموضوع، وخائفاً من إطلاق الأحكام وتسمية الأمور بمسمياتها، إلا أن فتح الطريق أمام مثل هذه الكتب لمناقشة ما كان غير مفكر فيه بالنسبة للمجتمع السعودي المحافظ، أمر لا يمكن التقليل من شأنه أو من أهميته.


...كاتب وباحث
[email protected]