عنوان الكتابِ: نهاية الأصولية ومستقبل الإسلام السياسي.
تأليف : فرج العشة.
الناشر: رياض الريس للنشر، بيروت، طبعة أولى، 2009م.
عدد الصفحات: 220 صفحة.

تبدو ملامح المشهد السياسي في بلادنا مكرسة لجهة انشغال الجميع بظاهرة الإسلام السياسي بوصفها الظاهرة الأكثر تأثيراً واستمرارية في تاريخنا المعاصر. وفي الوقت الذي ينشغل فيه الخبراء العسكريون والاستراتيجيون في الغرب في اجتراح الخطط والوسائل الكفيلة بمحاربة حركات الإسلام السياسي الذي تناهض الوجود العسكري الغربي، وتندلع حالة من المواجهة الشاملة بين الطرفين منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر أو قبلها بقليل إن أردنا الدقة، تكاد الدراسات المعنية ببحث ودراسة الجذور الفكرية لتلك الحركات والحفر وراء تراثها الفكري السياسي أو الدراسات المتنبئة بمستقبلها ومصير مواجهاتها الداخلية منها والخارجية على حد سواء، تكون قليلة أو مهمشة إلى حد بعيد.
يحاول المؤلف تقديم مقاربة للفكر الذي طرحته حركات الإسلام السياسي بنوعيها quot;المتطرفquot; وquot;المعتدلquot;، حسب تصنيفه، في محاولة لقراءة مضمون الخطاب quot;الأصوليquot; ومنطقه الشمولي بغية تفكيك بنيته الأبوية الاستبدادية وتصورات مشروعه الإيديولوجي وبرامج عمله السياسي؛ وصولاً إلى الكشف عن مظاهر تقنعاته بالدين، والأساليب التي يتبعها للوصول إلى السلطة، سواء من خلال إضفاء الشرعية على وسائل العنف المتبناة، أو من خلال إعلان الإيمان بالوسائل الديمقراطية لتحقيق غايتها، في حين تخفي في عمقها الإيديولوجي ثوابت مشروعها السياسي الذي يتخذ من الشريعة الإسلامية مصدراً وحيداً للتشريع ما يشكلن من وجهة نظره، تناقضاً واضحاً مع معطيات العمل السياسي الحديث والديمقراطي الذي يقوم في أساسه على النسبية والتسامح بالمعنى الأخلاقي والاجتماعي، والاعتراف بالآخر على قاعدة حقوق المواطنة.
وبصرف النظر عن خطأ استخدام المؤلف لمصطلح (الأصولي) في سياق وصف ممارسات الحركات الإسلامية quot;بالتطرفquot; وquot;التشددquot; نظراً لانتماء هذا المصطلح إلى حقل دلالي علمي معروف عند المسلمين هو علم أصول الفقه والنسبة إلى المشتغلين فيه quot;أصوليquot;، فإن البواعث والمنطلقات التي أسس المؤلف عليها كتابه تكاد تكون واضحة وأسبقية بالنسبة لكثير من قارئيه ومتابعيه هذا الشأن بوجه عام.
وبعد أن يقارب مفهوم الأصولية منهجاً ورؤية وممارسة، يتوقف الكاتب عند نظرة quot;الأصوليةquot; إلى الغرب، ونظرة الغرب إليها ثم يناقش تجربة الإسلام السياسي في إيران وما تشكله من تناقض بين الشرعية التي يتمتع بها الولي الفقيه الثوري ورئيس الدولة المدنية. كما يقارب ظاهرة الإسلام السياسي في الجزائر عندما كشفت الأصولية عن مكنونها الدموي القابع تحت شعارها الرائج الإسلام هو الحل، كما يرى. ويكشف الباحث محاولات تسييس الدين وتوسل وسائل مخادعة للوصول إلى السلطة باسمه، وذلك من خلال مناقشة أطروحات الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي في تجميل حاكمية التغلب الغيبية الوثوقية التي تكمن في بنية الاستبداد الشمولي.
ثم ينتقل إلى إجراء مقارنة بين بنية الاستبداد في إيديولوجيا الإسلام السياسي والإيديولوجيا الشيوعية في محاولة للكشف عن المصدر الذي تنهل منه هاتان الإيديولوجيتان فكرهما الشمولي. كما يعرض للظواهر الأصولية المختلفة التي تظهر في العالم وتحركها أفكار مختلفة وتنتهج أساليب متعددة، وإن كان يجمعها عنصر مشترك هو البعد الديني الذي تنهض عليه ومحاولة الوصول إلى السلطة بتعبيرات واعتبارات وتصورات دينية يتم تأويلها، وبذلك تكون الأصولية الإسلامية والمسيحية قد قامت على فكرة التأصيل الشمولي والتفسير الذاتي دون أن تختلف الأصوليات الدينية الأخرى وغير الدينية كالفاشية والنازية عن ذلك.
ويرى الباحث أن ما يجمع كل الأصوليات الدينية هو المنطق نفسه في تأويل الدين وحرفه عن غايته وأصله الأصولي الروحي كشأن إيماني خاص وقيم أخلاقية إنسانية وممارسة اجتماعية للطقوس والشعائر. لكن ما يميز حركات الإسلام السياسي هو التناقض فيما بينها وتكفير بعضها للبعض الآخر، وحتى التقاتل تحت ذريعة أن كل طرف يعتبر نفسه المرجع والتمثيل الصحيح للنص الديني.
ثم يشرع الكتاب في استعراض واقع حركات الإسلام السياسي بعد أحداث 11 سبتمبر وما ترتب عليها من حرب أميركية انتقامية. محاولاً الإجابة عن سؤال يطرحه يتعلق بمدى قوة حضور ظاهرة بن لادن في أذهان الشبيبة الإسلامية، وبالعلاقة التي يمكن أن تكون بين العداء لأميركا والعداء للحداثة وقيمها الجديدة. إلا أنه يعرض عن ذلك بداية ليبين القيم الثورية التي جاء بها الإسلام، والذي اعتبر العقل ملكة مكرمة مما جعل العقل الإسلامي الحضاري يشكل الطاقة الإبداعية المحركة للحضارة الإسلامية التي قدمت للبشرية الكثير من الإنجازات العلمية في ميادين العلوم، ليؤكد على الحاجة في العصر الراهن للدفع بدعوة التنويريين الأوائل إلى مداها لامتلاك الشروط الضرورية للاستجابة لتحديات العصر باعتبارها تحديات بنيوية اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية.
لقد أوحى عنوان الكتاب بخلاف مضمونه في فصول متعددة، وكانت تحليلاته quot;المكرورةquot; استعادة لفكر لا يزال يخلط في تحليله بين الأيديولوجيات الدينية وغير الدينية ويتناسى الفروق بينها، كما أن توقعاته بانتهاء عصر ما سماه بالأصولية يكاد يصطدم بتعاظم شأن هذه الحركات ودورها في ممانعة الآخر المتغول سياسياً وثقافياً، وأخيراً عسكرياً، الأمر الذي قد ينبئ بخلاف ما توقعه المؤلف وتنبأ به، بغض النظر عن تسليمنا وتأييدنا له من عدمه.

كاتب وباحث
[email protected]