عنوان الكتاب: العالم العربي الحديث والمعاصر.
المؤلف: د.علي المحجوبي.
الناشر: دار الانتشار العربي، بيروت، طبعة أولى، 2009م.
عدد الصفحات: 280 صفحة.



على الرغم من اختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين الدول العربية التي تجمعها من الروابط والوشائج ما قد لا يوجد بين أي كتلة بشرية أخرى، فإن من الخطأ منهجياً أن تتم دراسة التاريخ الحديث والمعاصر للعالم العربي وشعوبه ضمن أطر وظروف ومحددات واحدة، والانطلاق من فرضيات مسبقة وناظمة لجميع الوقائع والأحداث التي شهدتها دول العالم العربي على اختلاف أنظمته السياسية والاجتماعية.
يؤرخ الدكتور علي المحجوبي لمحطات مؤثرة من تاريخ بعض البلدان العربية في العصر الحديث في المغرب والمشرق، والذي تقاذفته، من وجهة نظره، ثنائية الاستعمار والمقاومة، وأسهمت إلى حدّ بعيد في بناء الفضاء التاريخي للهوية الجمعية، خصوصاً وأن عودة الاستعمار مجدداً تطرح أسئلة محيرة في عصر العولمة على الدول التي استقلت سياسياً منذ عدة عقود من الزمن.
ينطلق المؤلف من اعتبار أن تاريخ العالم العربي الحديث ارتبط كثيراً بتاريخ أوروبا الغربية ثم الولايات المتحدة الأميركية، حيث لعبت العوامل الخارجية دوراً لا يستهان به في السيرورة الحديثة للمجتمعات العربية، وأصبح مصير العرب يقرّر في عواصم القوى العظمى وفقاً لما تقتضيه مصالحها، منذ اختلال موازين القوى بين الغرب والشرق مع النهضة الأوروبية في القرن السادس عشر، واستفحل في القرنين التاسع عشر والعشرين عقب الثورة الصناعية.
فالعالم العربي عرف في العهد الحديث والمعاصر تطوراً دورياً يكمن في تعاقب التخلف والاستعمار والمقاومة، وظل طوال خمسة قرون يتخبط في هذه الحلقة المفرغة. بالمقابل تقدم الغرب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وبقي العالم العربي متخلفاً في جميع المجالات وبالرغم من بعض المحاولات للنهوض بمجتمعاته. وأصبح قابلاً للاستعمار، وسقط تدريجياً تحت هيمنة القوى الغربية، إلا أن الشعوب العربية رفضت الاحتلال الأجنبي وعملت على التصدي له ومقاومته. ويُرجع المؤلف احتلال بلدان المغرب العربي إلى حاجة القوى العظمى، وخصوصاً بريطانيا وفرنسا، إلى أسواق لتصريف بضائعها المصنعة المتراكمة، وإلى مجالات لاستثمار أموالها الفائضة، بسبب الأزمة الاقتصادية التي واجهتها هاتان الدولتان، والتي تعود إلى ضيق السوق الداخلية وإغلاق الأسواق الأوروبية.
وبعد احتلال الدول العربية من قبل الدول الأوروبية، ازداد اهتمام القوى الكبرى بها مع اكتشاف النفط وتطور إنتاجه، وعرفت البلدان العربية المحتلة حركات مقاومة مسلحة في ظروف استفحال التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين القوى الاستعمارية والشعوب العربية، وتغيّر الظروف الدولية مع الحرب العالمية الثانية، ونمو الوعي الوطني، وعدم جدوى وسائل الكفاح السياسية السلميّة.
فاستقلت مصر والعراق، على الأقل نظريا، تباعاً سنتي 1922 و1932، ثم لبنان وسوريا سنة 1943 و1946، وتلتهما ليبيا سنة 1951 ثم تونس والمغرب الأقصى سنة 1956 وأخيراً الجزائر سنة 1962. ويخلص إلى تقرير أن تاريخ العالم العربي الحديث والمعاصر هو صراع مستمر بين القوى الإمبريالية، التي ما انفكت تعمل من أجل الهيمنة على العالم العربي، والشعوب العربية ترفض الخضوع لها وتثابر على مقاومتها.
وشهدت السنوات الماضية، خصوصاً مع مطلع الألفية الثالثة، عودة الاحتلال العسكري والاستعمار المباشر الذي نجم عنه، الأمر الذي يطرح أسئلة عديدة حول هذه العودة القوية في ظل العولمة بعد ما ظنّ الكثير أن عصرهما قد ولىّ. وتجلت هذه الظاهرة في الاحتلال الأميركي للعراق، وقبله أفغانستان، واستمرار الاحتلال الاستيطاني العنصري لفلسطين، كما استغل الكيان الصهيوني هذه الظروف لإحكام قبضته على الأراضي العربية المحتلة منذ 1967، وكذلك لاجتياح لبنان في صيف 2006 بدعوى الدفاع عن النفس ومقاومة الإرهاب. أما ردّ فعل الشعوب العربية فكان يتمثل في المقاومة التي احتدت في إثر الاحتلال المباشر للعراق سنة 2003، وكذلك في إثر اجتياح الكيان الصهيوني لأرض لبنان في شهر يوليو/تموز 2006. ويعتقد المؤلف بأنه لا بدّ أن تكون لمثل هذه المقاومة انعكاسات جسيمة على الوضع في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم العربي عامة. كرفع معنويات الشعوب العربية وإعادة الثقة بها بعد حقبة تاريخية طويلة المدى لم تعرف فيها سوى الهزائم والقهر والإحباط.
يرجع المؤلف حالة التخلف الاقتصادي والاجتماعي التي يتسم بها العالم العربي اليوم، إلى عدة عوامل، أولها: احتلال إسرائيل، المدعومة من الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، لأراض عربية في فلسطين وسوريا ولبنان. وثانيها: سوء التصرف وغياب الحكم الرشيد، المسؤول عن ازدياد سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، والمتمثل في سياسة التبذير والإسراف والفساد، وتحويل جزء هام من موارد الدول لمصلحة الحكام وعائلاتهم وحاشيتهم، وذلك على حساب التنمية والنهوض بالمجتمع. وثالثها: غياب السوق العربية المشتركة على غرار السوق الأوروبية، باعتبار أن توفر السوق شرط ضروري لنجاح كل مشروع تنموي. ورابعها: عجز العالم العربي في المعرفة وتمكين المرأة والديمقراطية والمواطنة، حيث تتجسد أسباب التخلف في عدم احترام حقوق المرأة وعدم تمكينها من المساهمة الفعالة في النهوض بمجتمعاتها، ويعود ذلك إلى رواسب العقلية الأبوية والعشائرية التي ما زالت قائمة في العديد من البلدان العربية.
أما سبل الخروج من التخلف والاستعمار، فيكمن في استبدال الأنظمة السياسية التي تقوم على الحكم المطلق والاستبداد بأنظمة ديمقراطية، يكون فيها الشعب مصدراً لكل السلطات. ويتطلب ذلك إرساء أنظمة دستورية حقيقية، تنهض على حرية الفكر والحوار والمواطنة، وبالتالي على مشاركة المواطنين، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، في صنع القرارات المصيرية للنهوض بمجتمعاتهم. فالديمقراطية تمثل الحل الأنجع للنمو في المجتمعات العربية، وللخروج بها من التخلف الذي ما زال جاثماً فيها، ولضمان استقلالها وسيادتها وكرامتها، والسبيل للتخلص من الاستبداد وما ينتج عنه من سوء تصرّف وفساد وكل التجاوزات التي تتنافى مع حقوق الإنسان والمواطنة.
والحال أن قيام الكتاب على تعميم الظروف والأسباب الحاكمة للوضع في العالم العربي قد أضعف من صدقية الأحكام والخلاصات التي خرج بها، وهي سمة لا تزال كثير من الأبحاث والدراسات العربية تتسم بها... وتعيق نجاعة نتائجها.


...كاتب وباحث
[email protected]