عنوان الكتاب: المتحولون دينياً: دراسة في ظاهرة تغيير الديانة والمذهب.
المؤلف: هاني نسيرة.
الناشر: مركز أندلس لدراسات التعصب والتسامح، طبعة أولى، مصر 2009.
عدد الصفحات: 225صفحة.

تمثل حالة الانتقال بين الأديان حالة عبور إنساني كامل من وضع قانوني وديني واجتماعي إلى آخر، بما يمثله ذلك من اضطرابات واختلاجات يتعرض لها المتحول، وتهز أركانه على جميع المستويات. يحاول هذا الكتاب تقديم قراءة وتفسير لمسار العبور بين الأديان أو داخلها بما تمثله من خطورة، لأنها تفكك مخزوناً لا شعورياً تجذر في وعي العوام، ويصطدم بمعهودات ثقافية وتاريخية عتيدة، مكتفية بأحكام الكفر والإيمان، والاهتداء والمروق. كما يقول المؤلف.
فالقراءة الموضوعية والعلمية لهذه الظاهرة، بعيداً عن اللغة السجالية التي تلفها، ومنطق الانكسار أو الانتصار الذي يثير غبار المعارك حولها، مسار صعب اختاره الكتاب لضمان المنهجية والموضوعية في عمله. ويلفت المؤلف إلى أن غايته في الكتاب ليست quot;أحكام الهداية والضلالquot; بل الهدف الأساسي هو quot;تفسير التحول وتحليل عمليته من داخله وليس من خارجهquot;. فالكتاب يُعنى بالتأكيد على quot;معنى التعددية الدينية والاختلاف والتحول كسنة تاريخية وطبيعية بشرية وكونية ليس أكثرquot; مشيراً إلى عدم خلو عصر منها، وأنها quot;واردة بقوة في الوقت الحالي، في ظل ثورة الاتصالات والتواصل بين الأفراد، واستحالة احتوائهم داخل إطار المؤسسات الدينية وحدهquot;.
يفتتح الكتاب بتوجيه أسهم النقد إلى ما سماه القراءات المجانية حول ظاهرة التحول الديني؛ لأنها تقف عند حدود الإثارة والقراءة المسطحة، دون أن تقرأ حالة التحول نفسها، وهذا التناسي لحالة التحول كعملية انتقال بين الطرفين أو الدينين، يعني التعالي على الظاهرة، وأن ما يتم ليس سوى استثمار واستنفار لها. ويشير إلى العديد من الأمثلة التي يتم توظيفها، ومنها حالة الرئيس الأمريكي quot;أوباماquot; الذي علق بعض المسلمين المتعصبين والسطحيين على نجاحه بأنه ناتج عن تنازله السابق عن دينه، أو أنه من عبيد البيت، كما وصفه أيمن الظواهري.. بينما يبدي اليمين الأمريكي المتشدد ما يشبه الشك في مسيحية أوباما أو أمريكيته، مؤكدًاً على أصوله الإسلامية وإخلاصه لها. ويستشهد على أثر مسألة التحول الديني على سقوط النظام الملكي في مصر، في عهد الملك فاروق، الذي أثرت عليه سمعة والدته وتحول شقيقتيه للمسيحية.
وتنحصر مشاكل قراءة حوادث التحول الديني وتفسيرها، في تركيزها الصوري الشكلي على ثلاثة أمور، في مقدمتها التركيز على طرفي التحول: أي الدين الذي تم التحول إليه والذي تم التحول عنه. ومن ثم أيقنة المتحول: أي جعله أيقونة يتم تقديسها أو تدنيسها حسب كل طرف في الغالب، ويصير رمزاً ودلالة عملية وواقعية على الصراع الديني الرمزي والتاريخي. وآخرها تحيزات القراءة: فكثيراً ما تكون قراءة التحول الديني أو المذهبي وتفسيره متحيزة متهمة له بالخوف أو الرهبة وعدم الشجاعة أو الطمع.
ويطرح المؤلف عدة أسئلة لمسألة قضية الكتاب، فلمن تكون ملكية الاعتقاد للفرد أم للجماعة؟ وهل اعتقاد الفرد ملك للجماعة أو دلالة عليها، أم أنه ملك للفرد وحده ودلالة عليه وجزء من هويته الفردية فقط؟، مجيباً عليه بترجيح الجانب الفردي وابتعاد الجماعة عن ملكية هذا الجانب. ومن ثم يتساءل: هل تحولات الفرد من دين لدين معين دليل على الخطأ والصحة النصية والحدية لدين معين؟. ويجيب بالقول إن التحول قد يكون استجابة لعوامل نفسية أو اجتماعية خاصة للقائم بالتحول، وربما تكون انجذاباً لسلوكيات وأخلاقيات ملموسة أكثر منها اقتناعاً بمعتقدات مختلفة عن المعتقدات سابقة، وربما تكون تأثراً بمنظورات فلسفية وفكرية جديدة مضادة للاعتقادات السابقة وقائمة على أنقاضها.
ففي ظل صعود القوميات الشوفينية المتعصبة وأحيانا التحررية، قد تعود جماعات أو أفراد لأديان أسلافها ومعتقداتهم تماشياً مع دعوتهم الهوياتية الجديدة، وهناك ثلاث حالات جديرة بالذكر في هذا السياق هي quot;محمد علي جناحquot; وquot; هاري ليquot; مؤسس سنغافورة الحديثة، وquot;سولومون باندرانيكاquot; صانع استقلال سيريلانكا. quot;فقد كان محمد علي جناح علمانياً ملتزماً ويصفه وزير بريطاني بأنه كان أفضل إنجليزي شرق السويس، وكذلك هاري لي الذي أصبح اسمه لي كوان يو، فقد عادوا لثقافاتهم وصار جناح مؤمناً ومتحمساً للإسلام كأساس للدولة الحديثة في باكستان بعد استقلالها عن الهند، كما صار لي داعية للكونفوشيوسية، أما سولومون باتدرانايكا، فرغم ولادتها مسيحية فقد تحولت إلى البوذية ولجأت إلى القومية السنهالية.
من أهم النماذج التي حاول المؤلف استقصاءها محاولته تفسير تحول العديد من الإيرانيين للزرادشتية أو الغربيين إلى البوذية، أو التحولات بين المسيحية والإسلامية، أو بين الطوائف الداخلة في فضاء كل منهما. ثم يمتد تاريخياً من بولس الرسول والقديس أوغسطين وسلمان الفارسي، إلى مجدي علام ووفاء قسطنطين. ويشير إلى تنوع أسباب التحول من السياسة إلى الحب، فنجد ملوكاً أسلموا وآخرين تنصروا بسبب السياسة والحفاظ على العروش. ونجد كذلك الحب مثلاً في حالة عبد العزيز بن موسى بن نصير وأرملة لزريق، كما نجد المسألة الروحية في تحولات ميخائيل منصور أول من عمّده بابا الفاتيكان، كما نجد سبباً آخر في تحولات مجدي علام آخر من عمّده بابا الفاتيكان. كما يحقق الكتاب في بعض الدعاوى حول التحولات مثل تحول الشيخ محمد الفحام.
يغوص المؤلف بعد ذلك في تحليل واقعتين حقيقيتن هما تحول زينب المصرية وسلمى الكندية كما سماهما، لينتهي في آخر المطاف لتقرير أهمية منح الفرد حريته المطلقة في اعتناق دينه والتعرف عليه قبل تدوينه في خانة الوثائق الرسمية، فالحكم على الفرد بالتدين بدين معين منذ الولادة قضية تسلب الفرد حرية الاختيار التي تعترف بها جميع الأديان، وتسلبها منه، في الوقت نفسه، إذا ما قرر التحول، على حد تعبير المؤلف.

كاتب وباحث
[email protected]