عنوان الكتاب: laquo;إدارة الاستراتيجية في المنظمة العقائدية،أنطون سعادة نموذجاً.
المؤلف: أسامة عجاج المهتار.
الناشر: مؤسسة سعادة للثقافة، بيروت، طبعة أولى، 2009م.
عدد الصفحات: 210 صفحة.

إذا كانت الكثير من الأحزاب والتيارات العربية قد شهدت غبر تاريخها السياسي تموجات وتلونات في خطها السياسي ومواقفها إزاء العديد من القضايا الجوهرية التي تتبناها وتقوم عليها، في بعض الأحيان، فإن قلة الدراسات التي تعنى بتحليل هذه التموجات والتحولات السياسية قد أسهم في تعتيم الرؤية حول كيفية حصول هذا التحول وأسبابه وآثاره الاستراتيجية والسياسية.
وتنبع أهمية هذا الكتاب من كونه واحداً من الدراسات القليلة التي خاضت غمار هذا المجال، فقام بتطبيق منهج ومفاهيم علم التخطيط الاستراتيجي الحديث لتحليل نشأة وتطور الحزب السوري القومي الاجتماعي، وقراءة منطلقاته النظرية التي وضعها مؤسسه الراحل أنطون سعادة، وذلك من أجل تحديد مواضع الخلل التي أدت إلى إخفاق الحزب في بلوغ غايته رغم مرور سبع وسبعين سنة على تاريخ قيامه عام 1932.
يؤكد المؤلّف على أن المنظمة العقائدية ترتكز على ثلاث دعائم أساسية، هي: الالتزام بعقيدة واضحة تهدف إلى تحسين الحياة، تنطلق منها لتحقيق غاية معينة وفق نظام أخلاقي صارم، وإن قيادة هذه الحركات وإيصالها إلى غايتها عملية معقدة تحتاج إلى إطار سليم لإدارة استراتيجيتها، وإلى قيادة حكيمة ومحنكة تحسن استخدام هذا الإطار، وإن مقياس نجاح المنظمات العقائدية هو مدى نجاحها في تحقيق غايتها.
القسم الأول من الكتاب حمل عنوان laquo;علم التخطيط الاستراتيجيraquo;، وهو قسم نظري فيه شرح للمصطلحات والمنطلقات التي ستتم من خلالها معالجة الأقسام الأخرى، أما الثاني فهو بعنوان laquo;أنطون سعادة والاستراتيجياraquo; يدرس الأسس التي اعتمدها سعادة لإطلاق الحزب وتحديد غايته وخطته، والقسم الثالث laquo;إطار إدارة الاستراتيجيةraquo; يبحث في الإطار الذي وضعه سعادة لإدارة استراتيجيته، وأبرز المشاكل التي واجهته، أما القسم الرابع laquo;كي لا تزول ويتبدد أتباعهاquot;، فقد تناول وضع الحزب الحالي، ونماذج عن الإشكالات التي يعاني منها، وتصورات للخروج من مأزقه.
ورأى المؤلف أن نظرة الحزب السوري القومي الاجتماعي يمكن اختصارها بأن laquo;حياة أجود في عالم أجمل وقيم أعلى، وغاية الحزب هي laquo;بعث نهضة سورية قومية اجتماعية، تكفل تحقيق مبادئه، وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها، وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة استقلالاً تاماً، وتثبيت سيادتها وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ويرفع مستوى حياتها، والسعي لإنشاء جبهة عربيةraquo;. وبحسب منظور سعادة، فإن حدود الأمة السورية تمتد من جبال طوروس في الشمال الغربي، وجبال البختياري في الشمال الشرقي إلى قناة السويس والبحر الأحمر في الجنوب شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة، ومن البحر السوري في الغرب شاملة جزيرة قبرص، إلى قوس الصحراء العربية والخليج العربي في الشرق. ويعبر عنها بلفظ laquo;الهلال السوري الخصيبraquo;، والأمة السورية هي إحدى أمم العالم العربي الأربع: سوريا الطبيعية، العربة (شبه الجزيرة العربية)، وادي النيل (مصر والسودان)، والمغرب العربي الكبير، والوصول إلى قيام الجبهة العربية يتم بطريقة المؤتمرات والتحالفات العربية، على أن يكون تحقيق الوحدة القومية شرطاً للتعاون.
ثم يشرح المؤلف الدستور الذي وضعه سعادة عام 1934، وآلياته السياسية ومؤسساته التنفيذية، وصلاحيات المسؤولين وكيفية تعيينهم وإقالتهم، وعلى المستوى الإصلاحي أقر سعادة المبادئ التالية: فصل الدين عن الدولة، وإزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب، وإلغاء الإقطاع، وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الإنتاج، وإنصاف العمل، وصيانة مصلحة الأمة، وإعداد جيش قوي، يكون ذا قيمة فعلية في تقرير مصير الأمة والوطن.
وفي القضايا السياسية، اعتمد سعادة مبدأ عدم تجاهل الأمر الواقع، وفي نفس الوقت عدم الخروج عن مبادئ وأهداف الحزب، واعتبر أن سياسة الحزب ليست فاشية ولا نازية ولا ديمقراطية ولا شيوعية، بل تخضع للمبدأ القائل مصلحة سوريا فوق كل مصلحة. أما عن استراتيجية الحرب فهي الهجوم، لاستحالة تحقيق النصر من موقع الدفاع، كما يرى.
ثم يستعرض المراحل التي مر بها الحزب والإشكالات التي اعترته، وبحسب الكتاب، فقد عاني الحزب من أزمات حادة رافقته منذ تأسيسه، فبعد إعدام سعادة عام 1949 عصفت به صراعات داخلية عنيفة، أدت إلى اغتيالات وانشقاقات وتوحّدات عديدة أوصلته إلى وجود تنظيمين، يدّعي كل منهما أنه هو الحزب، عدا عن عدد من المواقع الالكترونية المناقضة لكلا القيادتين. ونهج الحزب منذ مطلع الخمسينات سياسة الترويج للفكر الليبرالي المعادي للشيوعية لتبرير التحالف مع قوى اليمين الأميركية، ما أدى إلى انقسامه إلى جناحين في عام 1957، الأول بقيادة جورج عبد المسيح والثاني بقيادة أسد الأشقر، وفي عام 1960 بدأ الحديث عن يسارية الحزب.
ثم قام الحزب بمحاولة انقلاب فاشلة في لبنان، أدت إلى ضرب قواعده وزجّ معظم أعضائه في المعتقلات، وحين خرج القوميون من السجن عام 1969، انعقد مؤتمر laquo;ملكارتraquo; لتكريس نهج اليسار، وصولاً إلى انتفاضة عام 1974 حين اجتمع أغلبية القوميين المعارضين خارج التنظيمين للعودة إلى تعاليم سعادة تحت قيادة الدكتور وسيم زين الدين (أبو واجب) إلى أن اغتيل عام 1975، وانقسم الحزب إلى قسمين جديدين، الأول بقيادة إنعام رعد متحالفاً مع منظمة التحرير الفلسطينية، والآخر بقيادة إلياس جرجي متحالفا مع دمشق، وتوحد الطرفان عام 1977، ثم افترقا عام 1987 تحت اسمي laquo;المجلس الأعلىraquo; بقيادة إنعام رعد وlaquo;الطوارئraquo; بقيادة عصام المحايري، ثم توحّد التنظيمان من جديد عام 1998.
تاريخ طويل من التعرجات والانقسامات التي عانى منها الحزب قد تشي بوجود تناقضات في فكره ومنهجيته أدت إلى هذا العدد الكبير من الانقسامات، إلا أن المؤلف أغفل العامل السياسي الرسمي وغير الرسمي في حصول ذلك، ولم يسلط الضوء كثيراً على ما قدمه الحزب خلال فترة عمره التي تعد الأطول بين تاريخ الأحزاب العربية.

كاتب وباحث
[email protected]