هل سيكون مصير لبنان بعد العاصفة الأخيرة التي تهب عليه في يد اللبنانيين على عكس ما كان مصيرهم بعد العواصف الكبيرة والكثيرة التي اعترضتهم منذ استقلالهم؟
هذا البلد ومنذ استقلاله وبسبب تركيبته وموقعه وتاريخه تقاذفته الأزمات تباعا، ولم يهدأ بال أهله عدا في الفترتين ما بين ال-1958حتى ال-1973 وبين ال-1989 حتى ال-2004 الهادئتين نسبيّا، والفارق أن في الأولى كانوا هم اللاعبين الأساسيين وعبد الناصر معهم وسندهم أما الثانيّة فاللاعب الأساسي كان الوجود السوريّ سندا في نظر البعض وحملا ثقيلا في نظر آخرين.

لم يكد لبنان يستقل عام 1943 حتى عصفت به الأزمات وما أن جاء العام 1951 وعلى أثر الفساد الداخلي الذي استشرى حتى تأسست الجبهة الاشتراكيّة الوطنيّة المعارضة برئاسة كمال جنبلاط، وتطور نشاطها إلى مطالبة الرئيس بشارة الخوري بالاستقالة فاستقال الرئيس وخلفه عضو الجبهة كميل شمعون الذي ما فتأ أن انقلب على الجبهة وراح يحاول ربط لبنان بحلف بغداد الذي أسسته بريطانيا مدعومة من الولايات المتحدة وضمّ العراق وتركيّا وإيران وباكستان، تحديّا للمد الناصري والسوفييتي، ففجرت الجبهة انتفاضة وطنيّة عارمة بدعم من عبد الناصر اللاعب الأساس انتهت إلى انتخاب قائد الجيش العروبيّ فؤاد شهاب عام 1958 بتوصية ودعم من عبد الناصر وعلى قاعدة quot;لا غالب ولا مغلوبquot; التي انتهت حسبها لاحقا كل العواصف التي عصفت في لبنان، لأن لبنان لا يُطيق ولا يتحمل غير هذه الصيغة على ما يبدو، بسبب تركيبته والمعنيين الكثر في اللبنانين وفي لبنان.

وهكذا كان اللبنانيّون في هذه المرحلة لاعبين ثانويين، واللاعبون الأساسيّون الغرب وعبد الناصر وكانت الغلبة للأخير فانتصر ولكن بالنقاط وإلى مدى منظور.
تلى شهاب في المنصب عام 1964 شارل الحلو مزكى به من شهاب الذي أراده عبد الناصر أن يستمر فاعتذر وبعد أن تعذّر على شهاب تنفيذ رغبته بحميد فرنجيّة. ومن ثمّ ترشح إلياس سركيس عام 1970، لم يعترض عليه عبد الناصر لكنه لم يوعز بدعمه رغم تزكيته من قبل حلفاء عبد الناصر ففاز سيلمان فرنجيّة بفارق صوت واحد هو صوت كمال جنبلاط أكل نفسه ندامة وحين لا ينفع الندم لدور الرئيس في الحرب الأهليّة. وهكذا كان دائما، كان عبد الناصر اللاعب الأساسيّ مدعوما بحلفائه في لبنان كلاعبين ثانويين. في العام 1976 وفي خضم الحرب الأهليّة عاد وانتخب سركيس ولكن هذه المرة بغياب عبد الناصر، وفي فترة رئاسته تمّ الغزو الإسرائيلي الأول عام 1978 والثاني عام 1982.
في أواسط هذه الفترة وبعد انطلاق الثورة الفلسطينيّة زاد نشاطها في لبنان ومرّة أخرى اندلعت أزمة في لبنان طرفها هذه المرّة الثورة الفلسطينيّة وبتدخل اللاعب الأساس عبد الناصر عقد اتفاق التفاهمات بين الثورة ولبنان في القاهرة عام 1969. في العام 1973 وعلى أثر نتائج أيلول الأسود 1970 في الأردن وانتقال قيادة المنظمة وساحة عملياتها إلى لبنان وما رافقه من اعتراض ومؤامرات على المنظمة تأسست الجبهة العربيّة المشاركة في الثورة الفلسطينيّة، وبرئاسة جنبلاط.

فترة قليلة بعد ذلك وفي العام 1975 وفي فترة سليمان فرنجيّة اندلعت الحرب الأهليّة تصديّا للمؤامرة الصهيونيّة الإنعزاليّة وتأسس في مواجهتها المجلس السياسي المركزي للأحزاب الوطنيّة والتقدميّة كذلك برئاسة جنبلاط، وانتهت إلى دخول الجيش السوري لبنان كلاعب أساسيّ واغتيل كمال جنبلاط. لكن الحرب استمرت وفي 1982 انتخب بشير جميّل رئيسا بتدخل الغرب وإسرائيل وقبل أن يتسلم اغتيل، فانتخب أخوه أمين ومرة أخرى كان اللاعبون الأساسيّون ولهم الغلبة الغرب وإسرائيل التي عقدت معه اتفاق 17 أيار والذي أسقطته القوى الوطنيّة اللبنانيّة بالسلاح فيما عُرف بحرب الجبل وكانت سوريّة اللاعب الأساس فيها ومرّة أخرى كان اللبنانيّون لاعبين ثانويين، ورغم ذلك بقي الجميّل رئيسا حتى العام 1988 ولكن دون سيطرة على كل لبنان، وقبيل انتهاء ولايته ولتعذر انتخاب رئيس سلّم المقاليد لقائد الجيش ميشيل عون وهذه الخطوة أتت بحرب المائة يوم عليه من قبل سوريّة التي أقصته بقوة السلاح مدعومة بلاعبيها اللبنانيين الثانويين.

حاول سليمان فرنجيّة الترشح ولكن أميركا وسوريّة أرادتا مخايل الظاهر فلم يتوافق اللبنانيون، وكان مؤتمر الطائف الذي انتهى إلى انتخاب رينيه معوض الذي اغتيل أياما بعد انتخابه، فانتخب إلياس الهرواي واللاعبون الأساسيّون هذه المرّة العرب كلهم ولكن رأس حربتهم السعوديّة وسوريّة، وهذا مدد له حتى ال-98 حين خلفه أميل لحود الذي مدد له حتى ال-2007، وفي انتخاب الإثنين والتمديد لهما لم يتخطى دور اللبنانيين دور اللاعب الثانويّ.

فترة ما بعد الطائف شهدت وعلى ضوء استمرار الاحتلال الإسرائيلي وبقاؤه لاعبا أساسيّا ظاهرا في الجنوب مستترا في بقيّة أنحاء لبنان، شهدت ولادة حزب الله أو المقاومة الإسلاميّة المدعومة من إيران وسوريّة، وحققت انجازات عجز عنها العرب مجتمعين بإجبار إسرائيل الانسحاب عام 2000 من جنوب لبنان كلاعب ظاهر، ولتبقى كلاعب مستتر في كل لبنان ما زالت الحرب معها مستمرّة. ثمّ جاء ودون مقارنة أو مقاربة، خروج اللاعب السوريّ الظاهر عام 2005 إثر اغتيال الحريري، ووقعت إسرائيل وحلفاؤها اللاعبون الأساسيون في الغرب والثانويون في لبنان الداري منهم وغير الداري بخطأ الحسابات وجاءت نتائج حرب تموز ال-2006 لتثبت أخطاءهم ولتقلب الكثير من الموازين.
تغيّر اليوم اللاعبون اللبنانيّون وليس بالضرورة بشخوصهم وإنما باصطفافهم ولكن اللاعبين الأساسيين ما زالوا في الميدان بعضهم ظاهر وبعضهم غائب حاضر، ولكن حلّ اليوم لاعب لبنانيّ على مستوى لا سابق له هو حزب الله وأمينه العام السيّد حسن نصرالله. فهل بمقدوره وهو الذي أثبت قدرة على حماية لبنان من أعدائها الخارجيين أو على الأقل ردعهم، أن يكون لاعبا أساسيّا ليقرر لبنان وأبناؤه ولو مرّة واحدة من يرأسهم ومن يرأس حكومتهم ومجلس نوابهم وليقرروا أن يدرأوا بأيديهم خطرا عنهم أو عن بعضهم متمثلا هذه المرّة بمحكمة يراها البعض قمّة العدالة وحبل إنقاذ ويراها البعض الآخر صنيعة أعداء لبنان وأداتهم لضربه؟

تطورات الأسابيع الأخيرة تشير أن درء العاصفة الحاليّة لن يختلف عن درء سابقاتها فما زال لاعبو لبنان ثانويين في اللعبة، والقضيّة ليست رئيسا سنيّا أو شيعيّا أو مسيحيّا، القضيّة من يزكّي هذا الرئيس من السنّة أو من الشيعة أو من المسيحيين حتّى لا يُعتبر ذلك تهميشا أو إلغاء وحتى لو كان انتخابه من الكل، وهذه هي أسس اللعبة اللبنانيّة ورغم ذلك لن يكونوا قادرين على تغيير قواعد لعبها إلا إذا تمّت مخالفة قواعدها ورغم إمكانيّة ذلك النظريّة اليوم إلا أن القادر وهو حزب الله، غير معنيّ لا بل لا يمكن أن يكون معنيّا.
ولذلك سيبقى اللبنانيون كما كانوا دوما لاعبين ثانويين على ساحتهم وهذا ليس معناه انتقاصا من قيمتهم أو من دورهم في مواجهة كل العواصف لا سابقا ولا لاحقا، واللاعبون الأساسيون سيبقون من خارجها البعض ينوون الخير للبنان والبعض يبيّتون له الشرّ، ولكن لا الخير ولا الشر سيجدان طريقيهما إلى لبنان إلا إذا وجدوا اللاعب الثانويّ اللبنانيّ وهذا دائما موجود وقابل على نفسه هذا الدور بمحض إرادته حسب السياق.

النائب المحامي سعيد نفّاع