هم يقتلون شبابك يا مصر، هم يحاولون اغتيال الحياة وبذرة والأمل والحرية، لكن الحياة أقوى من ظلامهم واستبدادهم وغدرهم، كنا نتوقع بالتأكيد أن يحدث هذا بعد حضور د. أيمن الظواهري إلى مصر وإعلان إمارة مصر الإسلامية، ولدينا من أعوانه من يمهدون له الطريق علانية وعلى رؤوس الأشهاد كما يقولون، وحصلوا على موافقة لجنة الأحزاب الموقرة على أكثر من حزب لهم، ليتاح لتنظيم القاعدة لأول مرة أن يصل إلى الحكم في بلد بطريقة دستورية، لكن ها هي المذابح قد بدأت قبل أوانها. . ماحدث يوم 9 أكتوبر 2011 في ماسبيرو واحدة من الجرائم ضد الإنسانية، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم، ولابد من أن يأتي يوم تتحقق فيه العدالة، ويوضع كل المشاركين في هذه المهزلة المأساوية في المكان المناسب لهم خلف قضبان العدالة.. هو العار يا شعبنا المصري. . العار يا مجلسنا العسكري. . العار والخزي لمن أصدر أوامر دهس الشباب بالمدرعات، والعار والخزي لمن نفذ أوامر تشكل جريمة ضد الإنسانية.
من سقطوا في هذا اليوم هم شهداء مصر الجديدة، استشهدوا من أجل مصر حرة وحديثة لجميع أبنائها، لم يسقطوا من أجل بناء كنيسة هدمت أو حرقت وإنما من أجل العدالة والحرية. . من أجل ثورة تقتلع جذور الاستبداد والتخلف والتعصب والظلامية.. باقة شهداء هذا اليوم تنضم لمن سبق وقدمتهم مصر من أجل حريتها وعزتها وكرامتها، هم حلقة جديدة من ثورة 25 يناير، هو عناق الدم المصري المسال من أجل غد أفضل.. ستظل الدماء الزكية التي شربتها الأرض بوسط القاهرة في هذا اليوم شموعاً منيرة، حتى تتبدد الظلمة الراهنة ويشرق فجر مصر الجديدة.. لا أعتقد أن الأقباط وكل المصريين سيبخلون بالدم لتحرير وطنهم من عفن الاستبداد والتعصب والطائفية والظلم.. الدم غال لكن الوطن أيضاً غال، والحرية والكرامة أغلى من الجميع.
لقد دفع الشباب القبطي ضريبة الدم مضاعفة من أجل الحرية، دفعه مع ثوار 25 يناير، ويعود اليوم ليدفعه منفرداً.. أسمع دم الشهيد/ مينا دانيال الشاب المصري الجميل الذي سقط مضرجاً بدماه يصرخ من الأرض، لاعناً القتلة وكل الجبناء والمتواطئين والمدلسين، أبداً لن يضيع دمه هباء، فنبتة الحرية سوف تنمو وتثمر في أرض مصر، مهما كانت أقدام الطغاة والمجرمين غليظة، فكلما اشتدت الظلمة فلابد أن الفجر قد صار أقرب!!
ماذا فعلت بنا يا مجلسنا العسكري، أطلقت علينا الإرهابيين من السجون ليتحكموا في الشارع المصري، لتعجز الآن عن ردعهم، ثم تحدث هذه المذبحة غير المسبوقة في تاريخ مصر، إلى أين ستذهب بنا، أو ماذا دبرت وتدبر لنا؟!!، لا أستطيع إزاء ما فعلتم وتفعلون وستفعلون بمصر إلا أن أقول لكم شكراً يا مجلسنا الأعلى للقوات المسلحة المصرية.. شكراً فما نملك الآن سوى انتظار القدر!!
أين تقرير لجنة تقصي الحقائق في أحداث المريناب، وأين توصياتها ومنها إقالة محافظ أسوان، هل تم دفنه في أدراجكم يا محترمين كتقرير لجنة العطيفي أيام السادات، وسائر عشرات التقارير المماثلة، وليلحق بها تقرير اللجنة التي شكلتموها أخيراً لتقصي الحقائق في هذه المذبحة؟!!. . هي قصة صارت مكررة وسخيفة يا حضرات السادة الأفاضل!!
أصدق أن هناك احتمالاً بوجود أياد خارجية تريد تخريب مصر، والحل هو في quot;لجنة تحقيق دوليةquot; تابعة للأمم المتحدة، فهي الكفيلة بكشف هذه القوى الخارجية، ليضع المجتمع الدولي حداً لعبثها بأمن مصر وسلامتها، ولا نظل نتهم السراب، دون خطوات فعليه ضد هذه الجهات المخربة المدعاة!!
ما يحدث في مصر الآن جريمة تتعاون خمسة جهات على ارتكابها: المسؤولون بالدولة وأجهزة الإعلام والجماعات والتشكيلات الظلامية والغوغاء، ثم الساكتون بالرضى أو بالعجز عما يحدث من تخريب للوطن.. الجرائم ترتكبها في البداية قلة قليلة، لكنها تحتاج لأعداد هائلة من المدلسين لتستمر وتتكرر، وما أكثر هؤلاء في مصرنا المحروسة!!
منذ أربعة عقود والمسؤولون المصريون والإعلاميون وأشاوس المتثاقفين يتحدثون عن أياد خبيثة خارجية وداخلية تعبث في مناطق متفرقة من الجسد المصري، دون أن يستطيعوا القبض عليها وقطعها، ولقد آن الأوان أن تساعدهم في العثور عليها quot;لجنة تحقيق دوليةquot; مشكلة بواسطة الأمم المتحدة. . كلام السيد رئيس الوزراء د. عصام شرف عن المؤامرات الخارجية ليس تحليلاً لما حدث، وإنما هو مجرد تكرار لذات الجملة التي نرددها ليل نهار، هروباً من المسئولية عن كل ما يحدث، فمثل هذه التصريحات العشوائية التي تصادر على الحدث قبل أي تدقيق أو تحقيق هي جريمة تضاف لما يرتكب الآن في مصر من جرائم، وهي لا تطفئ كما يتصور مطلقوها نيران الغضب لدى الناس، وإنما تزيدهم غضباً ويأساً من تحقيق العدالة ووقف مسلسل المهازل. . لأنني أحاول قدر جهدي احترام قلمي وكلمتي، أقول أنني لا أستطيع تحديد أسباب ما حدث بدقة تتناسب مع جسامة الأحداث، والحل الوحيد هو quot;قيام الأمم المتحدة بتشكيل لجنة تحقيق دولية بالتعاون مع القضاء المصريquot;، لكي تحدد لنا حقيقة تلك المأساة، ومن هو المسؤول عن تلك المذبحة. . نحن لا نستنكف إحضار حكام أجانب لتحكيم مبارايات كرة القدم بين النادي الأهلي وأكثر من ناد آخر، والسبب واضح لا يخفى على أحد، وهو الشك في مقدرة حكم مصري على العدل في مواجهة النادي الأهلي وجماهيره، وذلك بعد اعتزال الخولي والديبة حكمي الإسكندرية، فلماذا نأبى باستكبار زائف التحقيق بمشاركة دولية، على الأقل ليكون عوناً لنا في مواجهة القوى الخارجية التي تعبث في بلادنا على حد ما نقول، وليكون شهادة لنا أمام العالم أن مصر في عهدها الجديد شفافة وليس لديها ما تخفيه، لأنه ليس لديها ما تتواطأ عليه؟!!
ما نطالب به يتسق مع القانون الدولي والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي وقعت مصر عليها، وهي ملزمة لها كما دستورها وقوانينها، ومصر عضو في اللجنة الدولية لحقوق الإنسان، والتي من واجبها مراقبة حقوق الإنسان في العالم أجمع، فإذا كان من حق مصر وواجبها مراقبة حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، فكيف يعتبر مسؤولوها وأشاوسها مراقبة مصر بواسطة الأمم المتحدة عاراً وخيانة يرتكبها من يطالب بها؟!!
سوف تنتصر مصر السلام والحرية والعدالة في نهاية الأمر. . أثق في هذا حقيقة لا من قبيل الإفراط في التفاؤل بلا مبرر حقيقي، فأنا أثق في مسيرة الإنسانية، وأنها مهما اعترضتها عقبات أو توقفات أو انكسارات، فلابد أن تسعيد توجهها الأساسي نحو المزيد من الحرية والتقدم والرفاهية للإنسان. . أثق بالإنسان والإنسانية رغم كل ما يحدث في بلادي!!
مصر- الإسكندرية
[email protected]