أول ما يتبادر إلى الذهن هو توقيت إعلان السلطات الأمريكية أنها أحبطت مؤامرة لاغتيال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة quot;عادل الجبيرquot;، وحددت اسم الشخصين الضالعين في المؤامرة وهما quot;منصور عرببسيارquot; وquot;غلام شكوريquot; وهما أمريكيان من أصل إيراني، الأول اعتقل في مطار جون كنيدي بنيويورك أواخر سبتمبر الماضي واعترف بالمؤامرة بينما لا يزال الثاني حرا، وقد وجهت السلطات الأمريكية للرجلين تهما من بينها التآمر لقتل مسئول أجنبي واستخدام تسهيلات تجارية خارجية بين الولايات في ارتكاب جريمة قتل مقابل أجر، والتأمر لارتكاب عمل إرهابي على اعتبار أن شكوري دفع 100 ألف دولار لعميل اعتقد انه عضو في منظمة مخدرات مكسيكية وهو في الحقيقة عضو في إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية لقتل السفير السعودي.

والمتابع للعلاقات السعودية الإيرانية منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، يلاحظ أنها لا تسير في خط مستقيم، مرة تتجه إلى الخلاف والقطيعة، وأخرى إلى الوئام لكن في الفترة الأخيرة تصب إيران جام غضبها وحقدها على السعودية، فطهران ترى أن المملكة تلعب أدوارا سياسية هامة في المنطقة، من أبرزها إنهاء الحرب الأهلية في لبنان، وتتويج ذلك باتفاق الطائف عام 1989، والدفاع عن دول الخليج في مواجهة المخططات الإيرانية الساعية إلى إحداث قلاقل كما حدث في البحرين، وهي المخططات التي عانت منها المملكة مؤخرا، والمتمثلة في احتجاجات شيعية شهدتها بلدة العوامية في محافظة القطيف بالمنطقة الشرقية التي يسكن فيها عدد كبير من الشيعة، وهي الاحتجاجات التي جرح فيها أربعة عشر سعوديا بينهم احد عشر من رجال الأمن، وقد اتهمت السعودية إيران بالوقوف وراء هذه الأعمال، والتي ربما تكون ردا على موقف السعودية الحازم تجاه احتجاجات شيعة البحرين.

إيران ترى أن السعودية تفسد مخططاتها في المنطقة، فلا يخفى على احد الدور المهم للسعودية في تنقية الأجواء العربية، وتعزيز التضامن العربي، وإقامة سلام دائم وعادل في المنطقة وهو المشروع الذي طرحه الراحل الملك فهد عام 1982 ثم مبادرة السلام العربية التي طرحها الملك quot;عبد الله بن عبد العزيزquot; في القمة العربية في بيروت 2002 والهادفة إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 67، مقابل الاعتراف والتطبيع مع إسرائيل، واحتضان السعودية للمصالحة بين فتح وحماس 2007، ودعم ومساعدة الشعوب الفقيرة في شتى أنحاء العالم، وزعامة العالم الإسلامي روحيا ما اكسب السعودية مصداقية وثقة في المحافل الدولية، وهو ما جعل ذلك محط اهتمام النظام الإيراني الذي يريد أن يلعب دورا إقليميا يفتقد لقوة اقتصادية تعززه، ويغلب عليه الطابع الأيديولوجي، فإيران تريد نشر المذهب الشيعي في العالم العربي، وتصدير الثورة والعبث بأمن المنطقة، وتحاول طهران كذلك التدخل في شئون دول الخليج بوجه خاص، وتصر على احتلال أراض عربية في دولة الإمارات وهي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وهذا بطبيعة الحال يصطدم مع الدور السعودي الذي لن يسمح لإيران بأن تكون لاعبا رئيسيا في منطقة الخليج.

وكعادتها دائما تسعى المملكة العربية السعودية إلى انتهاج سياسة واضحة تتسم بالعقلانية في التعامل مع طهران، فلن ترد عسكريا على مؤامرة إيران اغتيال سفيرها في واشنطن، كما لم ولن تمنع الحجاج الإيرانيين من الحج على الرغم مما أثاروه من قلاقل في بعض المواسم، فالمسئولون السعوديون يفهمون جيدا تصرفات نظام quot;ولاية الفقيهquot; ويتيقظون تماما لكل محاولاتهم تشكيل خلايا تجسس وإرهاب داخل دول الخليج وفي اليمن ولبنان وغيرها.

لقد ظل مؤشر العداء بين الرياض وطهران مسيطراً منذ قيام الثورة وحتى وفاة quot;الخمينيquot; خصوصا بعد انتهاء حرب الخليج الثانية (1990-1991) إلى أن حدثت تطورات بدأت ملامحها في الثمانينات، لتشكل مع بداية التسعينيات مرحلة جديدة من العلاقات بعد أن هدأ إلى حد كبير الاتهام الموجه إلى إيران بتصدير الثورة، وفي تلك المرحلة كرس الرئيس الإيراني quot;هاشمي رافسنجانيquot; ومن بعده quot;محمد خاتميquot; نهجيهما في تأسيس علاقات حسن جوار، وطرح quot;خاتميquot; فكرة حوار الحضارات والانفتاح على العالم والتطبيع مع الدول العربية، كان نتيجة ذلك أن شهدت العلاقات السعودية الإيرانية نوعاً التنسيق والتعاون ترجم في تبادل الزيارات بين المسئولين في البلدين وعلى مستوى عال، وتوجت تلك العلاقة بتوقيع اتفاقية أمنية عام 2001 شكلت محطة مهمة ليس فقط في علاقة البلدين فحسب بل في منطقة الخليج العربي بأكملها، لم يستمر الحال طويلا فقد شكل مجيء quot;محمود أحمدي نجادquot; إلى الحكم في انتخابات 2006 انقلابا آخر، عاد بفكرة الثورة من جديد، هنا ظهرت بعض الملفات الساخنة كالشحن الطائفي، والبرنامج النووي الإيراني المثير للجدل، ودور إيران في دعم النظام السوري، وحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين، والشيعة في العراق فضلا عن الوجود العسكري الغربي في الخليج وهذا دفع السعودية إلى التحرك المضاد لمواجهة الدور الإيراني في المنطقة

إذن العلاقات السعودية الإيرانية يحكمها العديد من الملفات الصعبة، والخطاب الرسمي من الجانبين يركز على عموميات العلاقة والتعاون لما فيه مصلحة الأمة لكن التطورات الأخيرة الخاصة بتأمر إيران لاغتيال السفير السعودي في واشنطن قد تنذر بمواجهة أوسع إذا لجأت أميركا إلى آخر الخيارات مع إيران.
إعلامي مصري