quot;ونشبت بيننا معركة دامية..وقد استخدمت في هذه المعركة قلمي ولم أكن أملك غيره..أماهو فقد استخدم جهازه الحكومي الضخم الذي يضم 6 ملايين موظف quot;

هناك طريقتان لوصف أمة تغتال، إحداها :كتابة تتحول تلقائياً إلى quot;طلقات صباحيةquot; يكون من شأنها إفاقتنا، والثانية كتابة تاريخية تذكرنا بمواقف وطنية تحثنا على المضي قدماً فيما بدأناه.

وعادل حمودة يجيد الطريقتين، خاصة وهو يكتب عن أمة تتموضع في أهم وأبرز مفاصل التاريخ والجغرافيا،أمة احتضنت أحداث جسيمة لم يسدل الستار عليها بعد.

والكتاب الذي نحن بصدده الآن يتفرد بكونه خزانة تاريخية هائلة وموثقة لتراث عهد مبارك ولكن بلا رتوش وهذا هو سبب تفرده،فالصراع الذي دخله عادل حمودة طواعية ضد رجل يعتقد في نفسه أنه نصف إله أقل ما يقال عنه أنه صراع الفراشة ضد الديناصورات.

يعرينا هذا الكتاب ويسقط عنا أوراق التوت، فهو يضعنا أمام مرآة تخاذلنا، ويفضح تواطؤنا وشراكتنا في صناعة الفرعون عن طريق السكوت والنفاق. ويعيدني لحقبة التسعينات حينما كنت انتظر بلهفة وأنا خارج مصر مجلة quot;روزاليوسفquot; التي كانت تأتيني كفاكهة محرمة مع مطلع كل شهر،وكنت أتابع مقالات عادل حمودة النارية، وأنا لا أصدق أن هناك من يجرؤ على هذه المواجهات، فمصر كانت قد غرقت في ثبات مديد.

ولأن الأحلام تغادر مخادعنا منذ عقود طويلة،وحيث أننا لم نتعود على تلك الجرأة التي تحتمل شتى القياسات؛ فقد كان هناك زعماً شائعاً ومتزايداً بأن كتابات عادل حمودة قد استمدت قوتها ومواجهاتها من (ضوء أخضر)، وقد أثبت التاريخ أن الأخضر الوحيد الذي كان ومازال يلتمع في كتاباته هو إخضرار الحلم والأمل،إخضرار ينفجر بين السطور ويقابل ويشاكل كل المتنافيات، بين ما هو زائف وكاذب وبين ماهو حقيقي وأصيل. فيا شباب مصر ياأصحاب الحناجر الخضراء ؛ هل قرأتم كتاب عادل حمودة؟؟

إقرأوه فهو ليس مجرد سرد لأحداث تاريخية، هو اثبات لمواقف تشبث حضورها في الذاكرة يعاند النسيان،فعنادها كعناد كاتبها الذي يستمد قوته من حبر قلمه، ارجعوا إليها كلما ازداد الوضع ارتباكاً، فهي مهداة إليكم بكل ما فيها من ذكريات موشومة بالكبرياء، ممسوحة بمذاق التصوف، لكنه تصوف (حلاجي) لايجوزالتماهي معه إلا (بالدم).

واعلموا أنها سطور كتبت في خضم المعركة فهذا كاتب quot; ليس من هواة البطولة بأثررجعي quot; فهو لم يهادن في أحلك لحظات التاريخ المصري سواداَ، ولم يكتب بعد انتهاء الحدث quot; إنني لا أعيش حياة مزدوجة،الأولى وديعة في لحظة المواجهة...والأخرى شرسة بعد أن تنتهي المواجهة quot;.

ولا تتسائلوا : ماذا يستطيع الكتاب فعله الآن؟؟

فالكتاب يفضح منظومة تتبنى نفس الأساليب وتنتهج القوة لتحقيق أغراضها، ويبشر بأن الظلام لابد وأن ينحصر عن كوى الضوء التي نذرت نفسها لخلاص الوطن، يمدنا عادل حمودة بذكريات هي عصارة عمر وتاريخ مواجهات وكل ما علق في روحه من لهاثات علها تكون quot;شمعة في نهاية نفق مظلم quot;، إن متعة الخوض في هذه الذكريات تحمل مذاقاً لا يماثله إلا حدث لم يتم بعد ! خاصة وإن الأحداث التي تمر بها مصر الآن متلاحقة وخطيرة مع سيطرة الإخوان الكاملة على الشارع المصري وعلى الإعلام وتحالفهم مع المجلس العسكري فقد جاءت فرصتهم التي لن يفرطوا فيها مهما حدث، وقد كانت ومازلت لعادل حمودة مواجهاته معهم وتحليلاته لسياساتهم، والسيناريو يتكرر بصورة مدهشة.

لقد حملت رياح الثورة عطايا غير مألوفة، فلاتضيعوها، واعلموا إن هاجس أي نظام هو كبح النهوض وتكميم الأفواه، ولكن لأن التراب المصري ينضح بالغواية - غواية التغيير- فضمان استمرارية ثورة مصر مرهون بالاقتداء برجالات مصر، لا تضيعوا بين المواقف المعلنة للبطولات الوهمية فلن تسعفكم المقاربات التاريخية فالكل يدعي البطولة، باستثناء قلة من شرفاء الوطن الذين عانوا تحولات وصعود وهبوط وتنكيل،هذا التاريخ لابد أن يتوقف عنده شباب الثورة راهناً ومستقبلاً، خاصة في سياق عودة السلطة إلى ملعب الجنزوري.

د.امل إبراهيم