يبحث مجلس الشورى السعودي هذه الايام وضع نظام لكل ما ينتهك حقوق الانسان من عنف جسدي او نفسي او جنسي. التعريفات التي طرحت للعنف كثيرة لكني اتوقف عند أهمها وهو العنف النفسي، وقد جاء تعريفه بأنه كل فعل او قول يراد منه اهانة الكرامة الانسانية كالسب والشتم والاستهزاء والسخرية واللعن والتحقير.
التعريف جيد وواضح. لكن مناقشة الشورى السعودي مسألة العنف، وان كان يستحق وقفة تقدير، إلا انه يأتي باقل من ربع الواجب عليه. إذ لماذا نحصر المسألة بما يخص الاسرة وحدها ونتجاهل ما يمس انسان الشارع العادي؟
في السعودية يكاد يكون اي شاب وفتاة، بل وعجوز من القواعد، عرضة لعنف من موظف بسيط، وسطحي، وهامشي ينتمي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. عنف يترك ندوبا لا تبرأ في النفس، فأين مجلس الشورى من مناقشة قضية كهذه لا تقل في أهميتها عن العنف الاسري؟
شخصيا اعرف حالة او اثنتين تعرضت فيهما الضحيتان لعنف أقله نفسي، ونفسي عنيف، من رجال الهيئة. وبنفسي رأيت وسمعت ما هو اكثر ايلاما دون ان اجرؤ على التدخل، كحال الاعلام السعودي الشبه صامت، ومجلس الشورى الصامت الكامل.
حتى وقت قريب، كانت هيئة الأمر تخضع لسلطة حاكم الاقليم والمحافظ. وكان الطريق يسير بها وبنا الى قوانين تنظم عملها وحقوقها وواجباتها، بما في ذلك سلطة دولة قوية تكون حكما عادلا بين الخصوم.
اليوم، وفي تمرد غير معلن، ما عادت الهيئة تخضع لسلطة احد حتى الله تعالى. فالإلتزام بالشريعة واخلاقياتها هو آخر ما تهتم به رغم ادعائها الظاهر بخلاف ذلك. المجتمع السعودي مؤمن محافظ. وحتى الزائر اليه يعرف طبيعة المجتمع فلا يخرج عن قانونه. مع هذا لا يكاد يسلم طفل او شيخ سعودي وغير سعودي من أذى الهيئة دون ان يجد من ينصفه.
أنا لست ارتكب المعاصي، ولا اطارد نساء هنا او هناك، بل ولا أقيم في السعودية معظم الوقت، ولا اعرف اسواقها ومقاهيها ومراكز الترفيه فيها، مع هذا اقول بصوت صريح وواضح، انا خائف ان يصطدم بي احد افراد الهيئة حتى في منامي، ذلك ان احدا في السعودية كلها لن يجرؤ على الوقوف معي بأكثر من كلمة مواساة تتلفت خوفا او مقال تعاطف يرتجف.
أنا لست مهما، الوطن هو المهم، وهذا ما يقلقني، فتمادي رجال الهيئة في اقتحام خصوصية الناس، وبيوتهم، ونفوسهم، ومحاسبتهم على ما يفكرون، وما يأكلون وكيف يعيشون، سيؤدي الى احد امرين: اما انقلاب المؤسسة الدينية على السلطة،في مرحلة ما، وبذلك نصبح طالبان أخرى بلسان عربي، أو أن يتحول نصف المجتمع الى الالحاد كرد فعل رافض لهيمنة المؤسسة الدينية حتى على طريقة نومنا، والخوف أن يحدث الأمرين. فنصبح مجتمعين منقسمين على ارض واحدة، لن نلبث طويلا قبل ان تشتعل النار بيننا.
[email protected]