كنتُ أظن أن من حق الدولة ، أن تفرض سيادتها وتملي أرادتها على الجميع ، يحميها في ذلك دستورها الذي يُمثل عقيدتها السياسية وفلسفتها الأجتماعية الحياتية وتتمتع وفقه بالصدقية والمصداقية!! ليس في العراق. فالتغافل المتعمد له ضرورة ، ومصالح المجموعة الطائفية تفوق في أهميتها وخصوصياتها قوانين الدولة الوضعية ويتم تحجيم القوانين والتمسك بأطرافها بالطريقة التي تتناسب مع مبدأ بن غوريون quot; علينا أن نقول غير مانفعل ونفعل غير مانقولquot;.

الجزء أولال

وفي الاسبوع الأخير من هذا الشهر الماضي ، لوحظ زيادة أمتعاض نائبي رئيس الجمهورية الهاشمي وعبد المهدي ، بسبب quot; عدم ألتزام الأطراف المتنفذة الأخرى بالدستور والقوانين وتباطئ القرارات وتسويف العمل الديمقراطيquot; حسب تصريحاتهما العلنية. وبينما تستمر أعمال الأجرام والقتل وأقتحام البيوت الأمنة ومراكز الشرطة العراقية من مجهولين يرتدون الزي العسكري الرسمي، كحادث اقتحام مسلحين لمبنى مجلس محافظة صلاح الدين الذي أدى الى مصرع واصابة حوالي 170 شخصا بينهم ضباط ومسؤولون وصحافيون ، تبعه اغتيال الدكتور محمد العلوان عميد كلية الطب في الجامعة المستنصرية على أيدي عناصر اجرامية من قوى الجهل والظلام في وسط بغداد وأغتيال العالم الدكتور زيد عبد المنعم علي الذي استهدفه أولاد الزنا بعبوة لاصقة ، عالماً عراقياً طموحاً يهدف الى خدمة مرضى السرطان ، وآخرين غيرهم ، يبدي السيد الهاشمي أمتعاضه الشديد لوجود العديد من quot;الأبرياءquot; في السجون العراقية ، دون أعطاء دلائل أو بيانات تتعلق بالأبرياء منهم.

وبينما تتابع قوى الأمن تشكيل مايُسمى quot; لجان عاجلة ولجان طارئة quot; للتحقيق في جريمة محافظة صلاح الدين ، يتم أطلاق أكثر من 5000 شخص من quot; لجنة خاصةquot; لايُعرف عن تشكيلها أو طبيعة مجرى عملها في التحقيق وقبل البت بشأن علاقتهم مع الأرهابين بالمحاكمة العادلة المنصفة. أنها صدمة قاسية لأهالي المصابين والقتلى الشهداء وأستهانة واضحة بدماء أهل العراق وشبابه ، وأنتصار لمن بذل الجهود منذ عام 2006 ومازال يببذلها لأطلاق سراح ارهابيين وقتلة ومجرمين ، تتم تبرئتهم دون محاكمة ويجري توظيفهم ويعادُ تجنيدهم للقيام بتفجيرات، كما حصل فعلاً مرتين (لمسجد الأمام العسكري في سامراء) والقيام بأغتيالات حسب الطلب ، وهو أمر يدعونا الى معرفة أسباب ضغط مطالبة سلطة عليا في المؤسسة الرئاسية الطائفية quot; أستباق التحقيق والمحاكمة quot; لمعرفة هوية القتلة المجرمين. فأذا كانوا أبرياء فلماذا تم القبض عليهم ، ولندع المحاكم القضائية تُقرر ذلك. فلا يستطيع مسؤول تقرير برائة أشخاص وهو ليس في لجنة تحقيقية رسمية. وكيف يضمن أي مسؤول عدم أعادة توظيف هؤلاء الأشخاص في أعمال ارهابية جديدة؟ تقول بعض المصادر الأمنية العراقية أن جهودها في كشف الشبكات الأجرامية الأرهابية يتم أحباطها وتذهب أدراج الرياح بقرارات لها رائحة الصراع المذهبي الدائر بين كتل ومليشيات، و حالات عفو شخصية وأطلاق سراح لاتصدر بمذكرة من الجهة المخولة بالتحقيق أو رئاسة محكمة قضائية.

دعوات وضغوط
ولا نستطيع أن نجد الأعذار المناسبة لمن يزيد من البلبلة ونشر الفوضى والتخريب المتعمد ، وبما لوحظ بعد مرور أيام من ضغط رئاسة الجمهورية الطائفية ، لأطلاق سجناء بتاريخ (30 أذار 2011 ) ، تصريحات العراقية ، والصدرية ورئيس مجلس النواب الذي دعا الحكومة العراقية الى( تشخيص مواطن الخلل في الخروقات الامنية وضرورة دقة المعالجة وسرعتها بمهنية وفتح تحقيق) يزيد من الفوضى وضياع المسؤولية وحرفية الأجهزة الأمنية. وتؤكد مصادر أمنية وأعلامية داخل المؤسسة العراقية ، أن معارضات هذه الكتل لا تستقيم مع النية لأصلاح الوضع الأمني المتوتر أِلا بعد أسقاط حكومة المالكي بشتى الطرق التحريضية وأفشال جهوده بفتح جبهات قتال معارضة له ولمؤيديه ، حتى لو تطلب الأمر تشويه مايحدث من أغتيالات وتفجيرات يرتكبها خصومه بقلب حقائقها وحقيقة منفيذيها.

ذلك مايدعوني للقول أن تصريحات المتنفذين في السلطة بضرورة quot; دقة المعالجةquot; لم تَعد تعني شيئاً بعد سنوات من تبوء أعضاء لمقاعد نيابية وأخرى حكومية وتخطط أهدافها بنثر البخور لمبدأ quot; نقول غير مانفعل ونفعل غيرَ مانقولquot;. وتختلط علينا صورة الوطنية وصور الأرهابيين الحقيقيين ومن يسندهم ، فالمنادون رسمياً بأطلاق سراح المجرمين القتلة من السجون ، يطالبون في نفس الوقت ( بضرورة دقة المعالجة وفتح تحقيق عاجل لمحاسبة المجرمين والقتلة).

وحتى لو كانت أغراض هذه التصريحات سياسية لتوجيه نقمة الجماهير ضد رئيس الحكومة نوري المالكي الذي يشغل حاليا حقائب وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني بالوكالة ، وأظهار فشله لحين تبوء مرشحيهم للحقائب الأمنية. فهل هذا هو العراق الذي نريده بطائفيته ومليشياته وأهدافه المُعلنة الخفية؟

وعندما يُشدد النجيفي على (وجود فشل واضح يسيطر على أداء مرافق ومفاصل الحكومة والدولة) ويحذر( من استمرار ضعف الخدمات وتردي الوضع الاقتصادي وسوء الإدارة وتفشي الفساد المالي والإداري في جميع مؤسسات الدولة والحكومة ) ، فأن ذلك يعني ليَّ وللأخرين أن المجلس الذي يرأسه quot; بكتله المختلفة quot; ، سيعمل بجدية على سَنِّ ما تحتاجه البلاد من quot; قوانين أجتماعية quot; والتأكيد عليها ، وليس مشاريع quot; قوانين سياسيةquot; سبّبت عطل وشل مرافق الدولة.

فكم قراراً مجتمعياً صدرَ لتخصيصات مالية لمعالجة أزمة البطالة والتعليم والصحة العامة أو حتى بحث جدي لبناء مسابح وقاعات ومستشفيات وأسواق عصرية عامة في محافظات العراق مثلاً؟ وكم عضواً برلمانياً سيُقدم مسودة مشروع يتدارسه الأعضاء ، قبل الحديث عن تفاهة quot;تيري جونزquot; القسيس المغمور الذي لاقيمة له في مجتمعه ، بوضع نصب وطني حول أبواب الجامعة المستنصرية يذكرنا بأجرامنا ووحشية مليشيات عراقية أرتكبت جريمة أغتيال شهدائنا ، كالدكتور الفقيد محمد العلوان عميد كلية الطب و الدكتورزيد عبد المنعم. فكيف أصبح نباح كلب أمريكي أكثر أهتماماً وأثارة لنواب المجلس من حرق جوامعنا وأماكن العبادة المقدسة في بلادنا؟

ربما يُفترض بنا أن نصدق مايقوله وماسيفعله رئيس وأعضاء المجلس النيابي والحكومة بما يصرحون به من أهداف معلنة وأهداف مخفية. أِلا أن معظمنا يرى أن هؤلاء القوم يعيشون في كوكب آخرغير كوكبنا ، وتأخذنا الدهشة والحيرة عندما يتكلمون عن الأخفاقات والفشل وهم المُسببين الأصليين لها. فهل ياترى تمَّ رسم خطط (ضعف الخدمات وتردي الوضع الاقتصادي وسوء الإدارة وتفشي الفساد المالي والإداري) من أناس من كوكب آخر، هبطوا بخططهم الخبيثة التي أدت الى ماهي عليه الحالة المزرية اليوم؟ مرة أخرى أقول ، لن تكون العبرة في بحث الأمور وأعلائها الى السطح الأحدات وأنما في خواتِمها.

باحث سياسي وأستاذ جامعي
للمراسلة
[email protected]