قراءة في المشهد الايراني و آفاقه المستقبلية

موقفان و قضية
لم يلتزم النظام الايراني القضية الفلسطينية و منذ بداية أمره و لحد يومنا هذا إعتباطا او لأجل تلك الاهداف البراقة التي سبق وان طبلت و زمرت لها النظم العربية الاستبدادية و ثبت فيما بعد خوائها و زيفها، وانما جعل رجال الدين و على رأسهم الخميني القضية الفلسطينية قضية محورية و رئيسية لهم لدوافع سياسية و عقائدية أهمها:
1ـ عربيا، قام النظام الايراني بإطلاق رصاصة الرحمة على النظام العربي الرسمي فيما يخص موفقه من القضية الفلسطينية، عندما قام الخميني بتبني القضية بتلك الطريقةquot;العقائدية الحماسيةquot;، و قد إبتغى الخميني من وراء ذلك إعلان نظامه کبديل للنظام العربي الرسمي الذي أخفق إخفاقا ذريعا في التصدي للقضية الفلسطينية و حسمها او إيجاد حل مناسب لها.

2ـ إسلاميا، قام النظام الديني المتشدد ومن خلال طرح نصوص دينية و الترکيز عليها بتقديم تفاسير معاصرة لها، تقديم نفسه بعنوان المحرر، وقد أراد من خلال هذا الموقف أيضا إحراج موقف المملکة العربية السعودية و دورها الريادي على المستوى الاسلامي و کذلك الازهر و جعل نفسه بديلا مطروحا بهذا السياق أيضا.

3ـ إقليميا و دوليا، قام النظام الايراني بإختراق الساحة السياسية العسکرية الفلسطينية و تمکن من طرح رؤيته و موقفه من خلال حضوره عبر قوى سياسية فلسطينية، وهو بذلك أرسل رسالة مهمة جدا لإسرائيل و الغرب من خلفها بإنه ليس من الممکن أبدا التصدي للقضية الفلسطينية إلا من خلاله، ويقينا أن النظام الديني تمکن من جعل حضوره على الساحة الفلسطينية من القوة بحيث باتت العديد من الاوساط السياسية و الاستخبارية تنظر الى نفوذه القوي هنا الى درجة إمکانية توظيفه للقضية الفلسطينية کورقة ضغط له على طاولة مفاوضاته مع الاطراف الدولية المعنية بما فيها اسرائيل نفسها.

ولايمکن إعتبار موقف النظام الديني في إيران بمثابة الموقف العام من القضية الفلسطينية، ذلك أنه يمثل موقف نظام سياسي عقائدي له مشروعه الخاص الذي بات مثار جدل على مختلف الاصعدة، وانما هناك أيضا مواقف و رؤى أخرى يمکن أن تعبر عن حقيقة و واقع موقف الشارع الايراني من القضية الفلسطينية بعيدا عن المهاترات السياسية و الاعلامية. وهنالك نقاط تأريخية فيما لو إستحضرناها فإنه يمکننا من إستشفاف و استخلاص الکثير من المعاني و العبر المهمة فيما يتعلق بموقف النظام الديني من القضية الفلسطينية إذquot;کان الخميني قد سأل ياسر عرفات، لماذا لم تطلق على منظمة فتح(منظمة فتح الاسلامية) او فلسطين؟ فأجابه عرفات لأن بيت المقدس مکان ديني يوجد للمسلمين و المسيحيين أماکن مقدسة فيها و لهذا السبب نستطيع کسب دعم المسيحيين وکذلك الدعم العالمي لأهدافنا، ولأجل ذلك يجب أن نکون منظمة شموليةquot;، و يستخلص مسعود رجوي نتيجة مهمة على هذا الحوار عندما يقول:( من هذه النقطة فما بعد، صار الخميني يفکر انه يجب تقوية تيار اسلامي خالص هناك، و بعد ذلك توجه صوب حماس ومن هنا کان اساس تقسيم الصف الفلسطيني). وفي نفس هذا اللقاء يسأل الخميني الزعيم الفلسطيني الراحل سؤالا آخرا:( لو تصادمت إيران عسکريا مع دولة عربية، الى جانب من ستقف؟ وقد کان هذا ولم يمضي بعد شهر على إنتصار الثورة و اسبوعين او ثلاثة على سلطة الخميني، لکن ابو مازنquot;الرئيس الحالي لفلسطينquot;، يصبح مسؤولا عن الاجابة حيث قال بعد إيضاحات؛ نحن في وسط عربي و لانستطيع ان نصبح ضد أخواننا العرب).

ولم تکن حرب صيف 2006 الکارثية، بکل خطوطها و تفاصيلها، سوى رسالة خاصة جدا الى مختلف الاطراف و على کافة الاصعدة لينتبهوا الى حجم و قوة الدور الايراني و عدم إمکانية تجاهله في أية صفقات او إتفاقيات او معاهدات إقليمية تبرم بإشراف دولي بين الفلسطينيين و العرب من جهة، و بين اسرائيل من جهة ثانية تحت أنظار الغرب او الامم المتحدة.

النظام الايراني الذي يريد أن يفهم العالمين الاسلامي و العربي من أنه الطرف او الاتجاه الوحيد داخل إيران من حيث إلتزامه و دعمه للقضية الفلسطينية و يريد ان يوحي بأنه ليس هناك من طرف إيراني آخر يمکن أن يلعب دوره من حيث الحرصquot;المزعومquot;على القضية الفلسطينية، لکننا لو عدنا الى الماضي و ألقينا نظرة سريعة على التأريخ الحديث و المعاصر سيما خلال العقود الثلاثة الاخيرة من القرن العشرين، لوجدنا أن لمنظمة مجاهدي خلق دور بارز بهذا الاتجاه وان له علاقات نضالية تأريخية عريقة و متجذرة مع القوى السياسية العسکرية الفلسطينية ولاسيما مع منظمة التحرير الفلسطينية و منظمة فتح وکذلك مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ويروي زعيم منظمة مجاهدي خلق، مسعود رجوي، بهذا الصدد مايلي:( منذ عام 1970، توثقت علاقاتنا مع منظمة التحرير الفلسطينية و تحديدا مع منظمة فتح، وکنا نذهب مجموعة مجموعة لتلقي التدريبات العسکرية في القواعد الفلسطينية بالاردن.)، ويشير رجوي الى موقف الشعب الايراني من القضية الفلسطينية حينئذ حيث کان نظام الشاه في اوج قوته:( منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت کانت محبوبة جدا من جانب الشعب الايراني و ينظر الى مظلوميتها)، ويلفت رجوي النظر الى مواقف رجال دين متميزين على الساحة الايرانية في ظل نظام الشاه من القضية الفلسطينية فيروي:( آية الله الطالقاني کان على الاغلب في أعياد الفطر يشير على الناس بأن يمنحوا الفطرة للفلسطينيين، وفي أي وقت کان السيد الطالقاني منفيا او في السجن، فإنه کان في ليالي رمضان في يخطب بالمسجد، و المجاهدين من دون أن يعرف أحدهم الآخر، على الاغلب کانوا يحضرون تلك الخطب)، ويسلط الاضواء على المسير الذي کانت مجاميع مجاهدي خلق تقطعه لکي تصل الى قواعد منظمة التحرير الفلسطينية لتلقي التدريبات العسکرية اللازمة، فيقول:( مسير المجاهدين للخروج من البلاد و الوصول الى قواعد منظمة التحرير الفلسطينية، کان مسيرا متباينا. نحن إبتدائا، کنا نذهب الى بندر عباس و من ثم الى ميناء کوجك کنج و من هناك کنا نعبر بالقوارب من الخليج و نقوم بإيصال أنفسنا الى امارات الخليج، وهناك کان أخوان لنا يهيئون المستندات اللازمة لنا کي نصل الى بيرورت وهناك نعرف أنفسنا برابط من منظمة فتح حيث کان هذا الرابط يقوم بمساعدتنا في عبور لبنان الى سوريا و بالنتيجة کان يوصلنا الى مکاتب فتح في الاردن).

والحقيقة ان علاقة منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة بالقضية الفلسطينية و بمنظمة التحرير الفلسطينية و بشخص الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تتلخص في اربع مراحل کما يصور ذلك مسعود رجوي بنفسه وهي بشکل مختصر:
المرحلة الاولى: وفيها نقاط ثلاثة مميزة هي:
1ـ العلاقة مع الاخوان الفلسطينيين حتى قبل سقوط الشاه، هذه العلاقة بدأت من اواخر العقد السادس من القرن الماضي من خلال ذهاب کوارد من المنظمة الى القواعد الفلسطينية في لبنان و الاردن لتلقي التدريبات العسکرية هناك وقد کان من ضمن تلك الکوادر علي أصغر بديع زادکان و الذي هو من المؤسسين الاوائل للمنظمة و مسعود رجوي نفسه زعيم المنظمة حاليا.

2ـ بدأت مع إعتقال أعضاء من منظمة مجاهدي خلق في دبي في السبعينيات حيث کان من المقرر تسليمهم الى نظام الشاه لکن تم تغيير مسير الطائرة التي کانت متوجهة الى طهران و کان أعضاء المنظمة المعتقلين على متنها الى بغداد و على أثر ذلك بدأت مساعي و محاولات الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بصورة مباشرة لتحريرهم.
3ـ معظم المنظمات و الاحزاب السياسية الايرانية التي کانت تؤمن بالکفاح المسلح، کانت لها علاقة کأفراد مع منظمة التحرير الفلسطينية، لکن منظمة مجاهدي خلق على خلاف جميع تلك القوى السياسية کانت علاقتها بمنظمة التحرير کمنظمة وليس کأفراد.

المرحلة الثانية: (مرحلة سقوط الشاه)، ومن أهم ممميزاتها:
1ـ بدأت هذه المرحلة بإحتلال السفارة الاسرائيلية من جانب قوات منظمة مجاهدي خلق و أعطيت فيما بعد لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعندما جائت کوادر فلسطينية لإستلام السفارة فإن قضية حمايتهم کانت بعهدة أعضاء من المنظمة.

2ـ عندما قدم ياسر عرفات في بداية نجاح الثورة، فإن هيئة من جانب منظمة مجاهدي خلق قد ذهبت لمقابلته و في اللقاء قدم إليه رجوي قطعة سلاح کهدية شکر و عرفان على ماقدمته منظمة التحرير الفلسطينية و منظمة فتح بالذات من مساعدات لمنظمة مجاهدي خلق و للحرکات المسلحة.
3ـ منذ استلام هاني الحسن مهام عمله کسفير لفلسطين لدى إيران، نشأت علاقة عن قرب بينه و بين المنظمة حيث کان عرفات عن طريق هذه العلاقة على بينة و إطلاع مما يجري في الساحة السياسية بإيران.

4ـ في عام 1980، إلتقى في بيروت الشخصية السياسية المعروفة في منظمة مجاهدي خلق عباس داوري مع هاني الحسن و کذلك مع ياسر عرفات نفسه و سلمه رسالة من زعيم المنظمة و بحث في اللقاء العلاقات الثنائية و التعاون المستقبلي.

5ـ في ظروف و ملابسات کانت تنبأ عن إحتمال حدوث حرب بين إيران و العراق، أصدرت منظمة مجاهدي خلق بيانا أدانت فيه نزعة الميل للحرب و طلبت ياسر حرفات التوسط للحيلولة دون حدوث هکذا کارثة.

المرحلة الثالثة: وهي مرحلة تبدأ بعد إنتقال قيادة المقاومة الى الخارج، ومن أهم سماتها:
1ـ تمت في باريس العديد من اللقائات المحورية من جانب زعيم منظمة مجاهدي خلق، مع شخصيات فلسطينية معروفة من ضمنهم عبدالله الحوراني عضو اللجنة المرکزية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وکذلك مع هاني الحسن الذي کان وقتئذ مستشار لياسر عرفات.

2ـ واحد من أهم مواقف منظمة مجاهدي خلق من القضية الفلسطينية کان عام 1982، أثناء محاصرة منظمة التحرير في بيروت، حيث أعلن کافة افراد منظمة مجاهدي خلق المعتقلين في سجون الخميني إستعدادهم الکامل للدفاع المباشر عن منظمة التحرير و کسر حصار بيروت.

3ـ بعد إنتقال قيادة المنظمة الى العراق، تم على الاقل لقائين بين مسعود رجوي و ياسر عرفات في بغداد، وقد صادف ذلك مرحلة الحرب العراقية الايرانية، وفي أحد اللقائين سأل رجوي عرفات: لو کانت المقاومة الايرانية هي الان حاکمة في طهران، أي فرق کان سيحدث بالنسبة اليکم(کمنظمة التحرير الفلسطينية)؟ عرفات قال في إجابته: اسرائيل کانت تقبل من فورها القرار 242، أي کانت تقبل طريقة حل قيام دولتين.

4ـ استمرت العلاقات في هذه المرحلة مع سفارة فلسطين في بغداد عبر سفيرها عزام الاحمد و مضت بنفس سياقها السابق.
5ـ بعد نهاية الحرب العراقية الايرانية، و إحتلال العراق للکويت و بدأ محاصرة العراق، و النشاط و الحيوية اللذين دبا في مکتب المنظمة في الاردن، استمرت متابعة العلاقات مع الفلسطينيين من هناك.

5ـ واحدة من أهم مواقف المنظمة قبالة إتفاقية مدريد و التي إکتملت فيما بعد بأوسلو، کان إعلان المنظمة فيما يتعلق بمسيرة السلام، نحن نعتبرquot;کمنظمة مجاهدي خلقquot;، منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني و بهذا السياق فنحن نقف وراءه.

6ـ عام 1996، إلتقت مريم رجوي رئيسة الجمهورية المتخبة من قبل المقاومة الايرانية ياسر عرفات في لندن.
المرحلة الرابعة: ومن أهم ملامحها:
1ـ في هذه المرحلة، أقيمت في عام 2004، علاقات مع الدکتور صفوت إبراهيم المستشار الحقوقي الفلسطيني في منظمة يونسکو، في باريس.
2ـ في نهاية عام 2004، وقبل وفاة ياسر عرفات، نقل الى مستشتفى في فرنسا، وأثناء ذلك کان أفراد المنظمة نشطين أمام المستشفى، وقد أقامت المنظمة مجلس عزاء لعرفات بعد ان وافته المنية و نفس الامر أقيم في معسکر أشرف، ومن بعد ذلك صارت علاقاتنا بمنظمة التحرير و على وجه الخصوص في باريس فعالة.