نتقاسم الأوجاع نحن الشعب السوري، والنظام يستمر برموزه وفساده، وتسويفه المستمر، وكأن الموضوع شخص يهرب من دائنيه، بطرق ذكية، مع أن الموضوع هو موضوع بلد منتهك ودولة تحولت إلى جهاز لدى النظام وليست مؤسسات لدى الشعب، هنا المعضلة الأساس، أما غير ذلك فهي كلها تسويفات لامعنى لها، ولن تقدم أو تؤخر في وضع سورية، غريب أمر الذين يتحدثون عن الاصلاح ومشروع الاصلاح، وتواطؤ الذين يخافون على مصالحهم بحجج شتى منها أن الموضوع الطائفي مخيف ويمكن أن يشرذم البلد، هذا غير الدم الذي يمكن أن يسيل من دماء الشعب السوري، وفي النهايةquot; لن يجد الكولونيل من يحاسبه!!
مستعيرا عنوان رواية ماركيز الشهيرةquot; ليس لدى الكولونيل من يكاتبهquot; في كل المحافظات التي خرجت فيها الثورة الشبابية لم يكن هنالك ملمح طائفي لا في سلوكها ولا في شعاراتها، إلا عندما خرج شباب اللاذقية، معقل السيد رئيس الجمهورية وعائلته، وشبيحتهم، ظاهرة الشبيحة هذه والتي بعد أربعة عقود من السيطرة على المجال العام في مدينة اللاذقية، والتي يعاني منها شعبنا السوري هناك بكل طوائفه ومذاهبه، الآن تم الالتفات لها، حتى هؤلاء الشبيحة قسم منهم أو أكثريتهم على حد علمي هم من الفقراء الذين يريدون الاقتراب من عائلة الأسد، ربما من أجل العيش أو من أجل طيش شباب، وهنالك تتم تغذيتهم بشتى أنواع الأسلحة والعنتريات الزائفة على المواطنين. سياراتهمquot; الهامر والرانج والجيمسquot; كلها سيارات تذكر بأفلام العصابات في أمريكا، هذه هي الروحية التي يتعاطى معها رجالات النظام ويتعاطون بها مع الشعب، بمعزل عن طائفته ودينه ومذهبه، نكتب عن الحدث الطائفي لأن النظام وأبواقه هذه المرة ركزوا عليه كثيرا، وخاصة العديد من الوجوه الفنية والثقافية لن نذكر أسماء، وأن ما حدث هو عبارة عن محاولة جر سورية لفتنة طائفية، وهنالك من حاول أن يظهر عبقريته بأن أعاد الموضوع لجورج بوش وبندر بن سلطان، وكأن مدينة درعا خرجت وهي تنادي بالطائفية، هذا منتهى التزييف للحقيقة، وهنالك من الفنانين أيضا من حاول ان يكون أكثر عبقرية بان دعا معارضة الخارج لكي تنزل وتعارض من الداخل، وكأنه بذلك يقول ان معارضة الخارج هي من تقف خلف التظاهرات الشبابية، وكأن أيضا معارضة الداخل ليست في السجون والاستدعاءات الأمنية المتكررة، وقطع الأرزاق، والمنع من السفر!!
الإعلام السوري الآن رفع يافطة واحدة هي أن هذه الاحتجاجات هي عبارة عن فتنة طائفية، والنظام انتصر عليها، هؤلاء الفنانون في الواقع أثبتوا أنهم أبواق صغيرة هكذا بصريح العبارة التي لم تعد تحتمل اللف والدوران، هنالك الآن في سورية طرفانquot; الأول مع السلطة والفساد والقمع والآخر ضده، وهنالك طرف أكبر هو الذي لايزال يتأرجح بين الخوف وبين معادلةquot; فخار يكسر بعضوquot; هذا المثل الشامي العريق.
لماذا لم تظهر قضية الطائفية إلا عندما تحرك شبيحة العائلة المالكة في اللاذقية وبدأوا بإطلاق النار عشوائيا على متظاهرين سلميين، ويهتفونquot; حرية ولا سنية ولا علوية سورية حرة...الخ من شعارات أثبتت بما لا يقبل الشك وبكل المحافظات والمدن السورية أن الطرف الوحيد الذي يريد استمرار اللعب بالورقة الطائفية هو النظام، ويكفي للتدليل على ذلك أن نشطاء المجتمع المدني باللاذقية ومن كل الطوائف أصدروا بيانا يؤكدون فيه حرصهم على الوحدة الوطنية وأن الأمر برمته من مسؤولية النظام وشبيحته.
لكن النظام في ذات الوقت كان يخاف من أن يصعد كثيرا في هذه الورقة لكي لا ترتد عليه، لأنه سيصبح مكشوف الظهر منذ لحظة استخدامها، وستنفض ما يعتقده أنه جماهيره الطائفية عنه، ولا يجد من يدافع عنه..لقد حاول أن يعطي درسا للشعب السوري في مدينة اللاذقية، وليس للشعب السوري وحسب بل للجميع.
أعتقد ان المعارضة السورية تعرف أن للنظام كتلته الشعبية التي تناصره لأسباب عديدة، وهذا أيضا لم يكن يغيب عن بال الشباب الذي أعادوا للشعب السوري كرامته بدماءهم، بعدما تحدوا كل هذا العسف ونزلوا للشارع، لكنهم أبدا لم يحاولوا أن يجعلوا النظام يرى شعارا أو هتافا طائفيا واحدا، لأنهم شباب تجاوزا هذه الترهات التي حاول النظام على مدار عقود أن يزرعها في الجسد السوري لكي يبقى سيد الفساد والنهب.
رغم كل هذا جاء خطاب الأسد لكي يقول باختصار إننا مع الشبيحة، وعلى الشبيحة إذا وجدوا في محافظة درعا أن يقضوا على المتظاهرين، ويحاصروهم، الخطاب الذي يمكن لنا اختصاره بعبارة واحدة: إنه تهديد ووعيد للأجيال الشابة التي خرجت والتي يمكن أن تخرج، ونفذ هذا التهديد بأهالي اللاذقية بعد الخطاب مباشرة، حيث أطلقت قوات الأمن النار على المتظاهرين والذين أصابتهم الخيبة من خطاب الرئيس، فخرجوا مسالمين ينادون بالحرية والاصلاح من جديد.
هذا الخطاب الذي حاول أن يكرر ما تكرر منذ عقد من الزمن، وعود بالاصلاح وتهديدات لمن يعارض النظام. بالطبع في هذه المناسبة لا اتفق مع من يتحدثون عن أن هنالك اتجاهات داخل النظام، أبدا هذا التحليل لا يعرف الوضع السوري، النظام متماسك أمنيا وولائيا لنفسه، مباح له استخدام كل الوسائل لاستمرار هذا التماسك، أما الحديث عن أن هنالك حرس قديم او جديد، فهو للتصدير.
النظام شعر من خلال هذه الاحتجاجات أن تجييشه لأبناء الطائفة العلوية الكريمة قد اهتز، ولذلك حاول أن يستخدم ورقة الفتنة الطائفية لكي يعيد ما يعتقده التفافا حوله من أبناء الطائفة. لأن كثر من فعاليات هذه الطائفة أدانت سلوك النظام في إطلاق النار على المتظاهرين ونددت بهذه الأساليب وإنها تنتظر خطابا حقيقيا عن الاصلاح، لكن هذا لم يحدث، ولن يحدث كما سبق وكتبنا أن هذا النظام عاجز عن الاصلاح تماما.
هذه الورقة التي استخدمها النظام تعبر عن إفلاسه الحقيقي في مواجهة مطالب الشعب السوري، والتي كان قد أعلن أن الثورات العربية لن تصل إلى سورية، معتمدا على قراءته لجهازه الأمني وقوته القمعية في سورية، لكن الشباب السوري جعل هذه المعادلة تهتز أيضا وقدم من الشهداء ما جعله يعيد حساباته، ولا يكتفي بالتهديد بل يذهب باتجاه إيجاد غطاء أيديولوجي إعلامي، من أن ما حدث هو فتنة طائفية مدبرة من قوى إقليمية ودولية، وهو نفسه يعرف أن هذا غير صحيح. كما خرج علينا بعض من أبواقه يتحدثون عن أن الفتنة مصدرها إسرائيل، والجميع يعرف أن هذا النظام مستمر بعلاقاته الدولية التي تحمي استمراره بفضل إسرائيل ونخبها ولوبياتها في الغرب.
ثمة أمر أخير وهو الحديث على أن سورية مستهدفة لأنها داعمة للمقاومة في المنطقة، أيضا هذه اللغة لم تعد تنطلي على أحد في المنطقة، لأن المقاومة وطريقة تعامله معها كظاهرة هي بالنسبة له الخيط الذي يربطه دوما بالجلوس على طاولة المفاوضات التي لا توصل لشيء مع إسرائيل، وهي طريقه لعقد صفقات استخباراتية مع دول عديدة أيضا..أبدا موضوع التحرير وخلافه من شعارات هذا ليس مطروحا، وليس على أجندته أبدا. هكذا بني النظام منذ أقل من أربعة عقود وهكذا سيستمر وإسرائيل مرتاحة لهذا الخيار.
ما تم تجاهله في كل الخطاب هو دماء الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن حرية سورية وكرامتها.
التعليقات