إقدام السلطات البحرينية على إبعاد دبلوماسي إيراني بتهمة التخريب والتخطيط لعناصر الفوضى ثم قيام الحكومة الكويتية بطرد 3 دبلوماسيين إيرانيين تورطوا في دعم و توجيه شبكة التجسس التابعة للحرس الثوري الإيراني ( فيلق القدس )، هو مجرد عملية روتينية لدولة تمارسه السلطات الإيرانية بشكل منهجي ومنظم ومعروف وموثق، فالسفارات الإيرانية في العالم أجمع ليست مجرد بعثات دبلوماسية تنطبق عليها مواصفات ومقاييس وشروط مؤتمر فيينا لعام 1815، بل أنها مقرات محترفة، وأماكن حشد وتعبئة وتجميع للأنصار والمحازبين والمخربين، ومراكز فتنة مستوطنة ومعروفة، والأمر ليس مجرد إتهامات إعلامية مرسلة و تفتقر للدليل و بواقع من التعصب والكراهية، بل أنه من الحقائق الميدانية والمعروفة بديهيا لجميع الأجهزة الأمنية لدول المنطقة وحتى لجميع الإعلاميين والمهتمين بهذا الملف الشائك الذي شكل واحدا من أهم محاور التشابكات ألأمنية في الإقليم منذ أكثر من ثلاثين عاما، فمن المعروف إن الجسم الدبلوماسي الإيراني هو جهاز إستخباري بالدرجة الأولى وهو ينفذ بكل دقة تعليمات إدارة إستخبارات الحرس الثوري الإيراني المهيمن الأول على أجهزة الدولة الإيرانية وبالتالي فإن الحديث عن الدبلوماسية الإيرانية يعني الحديث أساسا عن المخابرات الإيرانية وهنالك طواقم دبلوماسية كاملة لاعلاقة لهابالدبلوماسية بل بعوالم الإستخبارات والتجسس خصوصا وأن هنالك نقاط جغرافية حساسة تمثل بؤر ستراتيجية للإستخبارات الإيرانية وأهمها تلك الواقعة دول الخليج العربي والعراق وسوريا ولبنان ومصر والمغرب وبعض المناطق الإفريقية إضافة لأميركا اللاتينية، وبالنسبة للخليج العربي فإن دور التجاوز الرسمي الإيراني فيه قد فاق كل الدوائر وأشر على مناطق عمل ستراتيجية فاعلة تنطلق من عوامل ومبررات وعوامل مشجعة من حيث الإصطفاف والولاء الطائفي والقدرة الإيرانية الإقتصادية والإجتماعية والتنظيمية على إختراق بعض المجتمعات الخليجية و بكفاءة وبعض الإختراقات خطيرة للغاية وتمثل نجاحا إستخباريا إيرانيا ملفتا للنظر وذلك ملف شائك وطويل ومعقد والإسترسال فيه سيدخلنا في عوالم واسعة و مفتوحة للجهد الإستخباري الإيراني المنطلق من عقيدة عمل سياسية وطائفية وقومية؟، للمخابرات الإيرانية في الخليج العربي أدوات عمل وواجهات بعضها محلي صرف وبعضها يكمن في بعض المفاصل الستراتيجية لدول المنطقة وحتى في دوائر الدراسات السياسية والستراتيجية وحجم التمدد الإستخباري الإيراني المباشر أو غير المباشر من خلال شبكة مخابرات هو أخطر بكثير مما يتصور البعض؟ بل أن شبكة رجال المال والأعمال المرتبطين بالحرس الثوري في دول مثل الكويت و الإمارات مثلا هي أكثر تنظيما وفاعلية مما يعتقد البعض و يتصور ولا أبالغ أو أغالي في القول بأن بعض دول الخليج العربي يشرف الإيرانيون على الإطلاع على جميع ملفات الأمن القومي فيها! وذلك ليس سرا من الأسرار بل أن السلطات المختصة تلم بكل الوقائع و الملفات؟ ويجب أن لاننسى من الناحية التاريخية القريبة الصرفة من أن غالبية الأعمال العنفية التي شهدتها دول المنطقة في ثمانينيات القرن الماضي كانت تخطط وتنفذ في المقار الدبلوماسية الإيرانية وبتخطيط وبرمجة من ( عين المقر ) في طهران، وإنفجارات الحرم المكي عام 1989 التي تورط فيها بعض الكويتيين مثلا وأسماؤهم معروفة وبعضهم شهير جدا و محسوب على الجوقة الإيرانية في المنطقة و بضمنهم نواب حاليون ورجال أعمال معروفون، كان السلاح الذي أستخدم في تفجير الحرم المكي الشريف قد تم جلبه من السفارة الإيرانية في الكويت و من بابها الخلفي تحديدا وفقا لإعترافات أحد المتهمين وهو نائب أيضا في البرلمان الكويتي سابقا؟ وتلك ليست أسرارا بل أنها وقائع تحقيق نشرت وقتذاك علنا و أمام الملأ وصدرت الأحكام القضائية السعودية بالإعدام والسجن بحق منفذيها وقد تدخل صاحب السمو أمير دولة الكويت شخصيا ولإعتبارات إنسانية و سياسية أيضا حينما كان وزيرا للخارجية للتوسط وتخفيف بعض الأحكام وطوي الملفات وفتح صفحة جديدة تعفو عن المخطيء و المغرر به وتترك له الفرصة لحياة مستقبلية أكثر إلتزاما بإحترام الحياة والقانون، كما أن الإنفجارات وعمليات الإغتيال وعمليات التخريب التي حدثت في الكويت إعتبارا من عام 1983 وماقبلها أيضا وخصوصا قضية محاولة الإغتيال الإجرامية ضد الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد في 25مايو 1985 يبدو كانت تقف خلفها مخابرات الحرس الثوري الإيراني بالتعاون مع عملائها في الأحزاب الطائفية العراقية العميلة وبقية الجوقة المعروفة، أما مملكة البحرين فإن حملات الحشد والتعبئة والتجنيد في الأوساط الحوزوية في قم أو في الشام أو في بريطانيا معروفة وهي هدف إيراني مركزي ومقدس ويعتبره الإيرانيون أحد أهم النقاط الستراتيجية أهمية، فالهيمنة على البحرين بشكل مباشر تظل بمثابة الحلم الإيراني والأمل الدائم فهم يعتبرونها جزءا من الأراضي الإيرانية ولايريدون أي تفسير غير ذلك المعنى لذلك فإن الإيعاز الإيراني لعملائهم في العراق ولبنان والمنطقة بتشديد الحملة الإعلامية المغرضة ضد الحكومة البحرينية والعويل واللطم الدائم على ما يقولون إنه إبادة للشيعة في البحرين هو أحد أهم واجهات وأساليب التحرك، ومن يتابع أداء الأحزاب الطائفية العراقية المؤيد حتى الثمالة للموقف الإيراني بل يتجاوزه في المزايدة والحماسة ودعوة زعيم التحالف الوطني العراقي الطائفي إبراهيم الجعفري لقطع العلاقات العراقية مع السعودية والبحرين وتحريض البرلمان العراقي ( التعبان ) و تعبئته طائفيا، فإنه سيعرف عن خطورة دور الأحزاب العميلة لإيران في العراق في تفجير المنطقة من الداخل بعد إن أرتضوا لأنفسهم بأن يكونوا ( حصان طروادة عربي ) متقدم في الجسم الخليجي، أعتقد إن الوقوف بوجه دبلوماسية الإرهاب الإيرانية تقتضي موقف مماثلا من أحزاب العمالة الإيرانية في العراق، والخليج العربي مقبل على ساعات حسم صعبة في ظل تعدد محاور التحدي الداخلية الخطيرة ومحاولات إشعال الفتنة الطائفية النتنة، فكيف سيكون الرد الستراتيجي الخليجي أزاء الهجمة الإيرانية المباشرة؟ رغم أن التردد وعدم الحسم هو للأسف السمة العامة للموقف الخليجي الذي يكتفي بإمتصاص الصدمة دون المباشرة بفعل مضاد، وكما نعلم فإن الطرف الخليجي يمتلك الكثير من عوامل القوة و التحرك لتفجير إيران من الداخل ولكن ذلك الخيار لا يبدو أنه سيكون على الطاولة في المدى المنظور على الأقل؟ ولكن رغم كل شيء تبقى كل الإحتمالات واردة!

[email protected]