نلاحظ في الفترة الأخيرة زيادة الإعلانات التي تحث الناس على التبرع للأعمال الخيرية، خصوصا التي تتعلق بالأطفال الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، وغيرهم، كالدعوة إلى إنشاء المستشفيات والملاجئ والمؤسسات الأهلية، أو المساندة المادية في علاجهم والعناية بهم وتعليمهم.

لكن طريقة جمع التبرعات، بهذه العشوائية، هي طريقة قاصرة في مواجهة المشكلات المجتمعية، وتكشف غياب الحكومات وقصورها في طرح حلول جذرية تتسق ومسئوليتها عن هذه الفئات الضعيفة في المجتمع.. ورغم ذلك لا نملك إلا أن نشجعها كنوع من التضامن والتكاتف الشعبي في حل جزء من المشكلة، ولأنها تخلق تعاطفا إنسانيا جميلا بيننا وبين الآخر والإحساس بمعاناته والتخفيف عنه قدر الإمكان.

ما المشكلة إذن؟ إنها تكمن في استغلال هؤلاء الأطفال المرضى والمعاقين والفقراء كوسيلة إعلانية وظهورهم بأسلوب يحمل نوعا من الاستعطاف والاستجداء للمشاهد.. فما الفرق بين أم أو أب يجر ابنه ويدور به على الأبواب والشوارع ليطلب من الناس صدقة، وبين مؤسسة كبرى تفعل الشيء نفسه بعرض أطفالها يبكون ويتحدثون عن أمراضهم وفقرهم وإعاقاتهم ليجمعوا بذلك أكبر قدر ممكن من الأموال؟! وما الفائدة التي يجنيها ممثل مغمور أو مغني مشهور من زيارته لهذه الأماكن والابتسامات المصطنعة والعيون التي ترقب الكاميرا طلبا للشهرة أو إظهار لأعمال الخير التي يقوم بها؟!

ألم يفكر هؤلاء لحظة واحدة في الأثر النفسي والاجتماعي والعاطفي الذي تتركه هذه الطريقة التي تشبه quot;التسولquot; على بنية الطفل المعرفية، وتصوره عن ذاته، وشعوره بالدونية حين يكبر ليرى نفسه متسولا لكن بأسلوب quot;شيكquot; أو راقٍ نوعا ما؟!

بالتأكيد لست ضد دعم هذه الفئة quot;الضحيةquot; لوضع اقتصادي وسياسي واجتماعي رديء، ومساعدتها لتجاوز أزمة الفقر والمرض، ولا ضد مساندة الفنانين والشخصيات العامة لمثل هذه المشروعات الخيرية، لكنني أُدين تحول أطفالنا إلى طالبي صدقات، وأياد ممدودة بانكسار وحزن، واستغلال براءتهم وعدم وعيهم الحالي بأبعاد المشكلة أو افتقادهم القدرة على الاختيار أو الرفض. فمن يحب عمل الخير ومساعدة الآخرين، لا يحتاج بالضرورة أن يعلن عمن يساعدهم ويكشف شخصياتهم.
الأمر الذي يستدعي وضع قانون يجرم ظهور أولادنا بهذه الطريقة المهينة لانسانيتهم وطفولتهم، وفضحهم على شاشات التليفزيون!

من الأفضل، بل الأكثر نُبلاً، التركيز على الموضوع لا على الأطفال، بمعنى حث الناس على عمل الخير في ذاته، دون ربطه بأشخاص بعينهم.

كما أن علينا أن ننمي داخل أفراد المجتمع فكرة المساندة الاجتماعية والنفسية للآخرين كمبدأ أخلاقي وروحي، وليس استجابة لمشاعر الشفقة التي تثيرها مشاهدة هؤلاء الأطفال غارقين في مرضهم وفقرهم وإعاقتهم.. وكأنهم كُتب عليهم أن يدفعوا الثمن مرتين!

وعلينا أن ننتبه إلى أن الملايين، والمؤسسات الفخمة، والنوايا الحسنة.. كل ذلك لا يعوض هذا الطفل ما ارتكب في حقه، وانتهاك خصوصيته وكرامته وكبريائه ولو دون قصد.

د. رضوى فرغلي / مُعالجة نفسية