لا يبدو أن الأمور في مصر تتجه نحو توافر شروط الفوضى الخلاقة، والتي تنتج لنا عبر التفاعلات والصراع المجتمعي منتجات جديدة بحق، تخرج بالحالة من متوسط ما هو موجود بالساحة، إلى آفاق جديدة تمثل انعتاقاً جذرياً من حالة التكلس والجمود وحتى التراجع في سائر مناحي الحياة المصرية. . توافرت إبان الثورة روح التحدي للنظام القائم، والذي لم يكن في النهاية أكثر من ثمرة من ثمرات التربة المصرية، أو هو أقرب لذلك المتوسط الحسابي والمتجهي لمجموع القوى والتيارات المصرية، فيما لا يبدو حتى الآن ثمة إرادة أو مقدرة على تحدي ذلك المتوسط والمكونات التي تحدد معالمه. . هي هكذا نصف ثورة وربما أقل، وقد اكتفت باقتلاع ما فوق السطح، وتوقفت عاجزة صاغرة أمام الجذور الثقافية والدينية والمجتمعية، التي تحكم البناء الفوقي وتحدد ملامحه إلى حد بعيد.
إن صح هذا فإننا لن نكون في سبيلنا لأن نجني ثمار ثورة، وأقصى ما يحق لنا توقعه أو حتى تمنيه أن ندخل مرحلة إصلاحية، تعيد ترتيب نفس المفردات والأوليات بالساحة، لتشكيل منظومة جديدة، نتعشم أن تكون ثمارها أحلى أو أقل مرارة من تلك التي للمنظومة الساقطة، ونحن هنا نكاد ننقل عن لسان حال جميع السياسيين الساعين الآن لتجسيد آمال التغيير، حيث يعملون من منطلق المقولة الشهيرة أن quot;السياسة هي فن الممكنquot;. . هذا ما تنشده أو ما تقدر عليه السياسة بالفعل في أي مكان بالعالم، فالثورة الكاملة والحقيقية تتحدى quot;الممكنquot; المتاح، لتضرب في مجاهل quot;المستحيلquot;، وهذا بالتحديد ما يفرقها عن الانقلابات في النظم، حيث الأخيرة لا تفعل أكثر من إعادة نظم المفردات التي عمل عليها النظام المنقلب عليه، عسى أن تتوصل لنظام أقدر على تحقيق بعض التقدم.
الحرية المنشودة والتي تطلع إليها البعض من الشباب الذي أشعل نيران الثورة، تتيح وتقتضي الانطلاق في فضاءات إنسانية رحبة، لكن الشعب المصري بعمومه لا يقوى على الانطلاق، فهو مريض ومكبل بثقافته وعاداته وتقاليده المقدسة، وقد لا يستطيع أكثر من أن يرواح مكانه إن لم يتقهقر، لكنه أيضاً قد يستطيع أن يزحف أو يحبو بضع خطوات للأمام.
الصراع القائم الآن بالساحة المصرية، متمثلاً في أكثر مفاصله سخونة ما يعرف بالفتنة الطائفية، ليس ذلك الصراع الذي يمكن توصيفه كجدل للمتناقضات، ذلك الجدل الهيجلي القادر على تجاوز الحاضر بإنجاب مستقبل جد مختلف، لكنه أقرب لتصادم هويات مصمتة متكلسة. . صراع للتأسلم والعروبة، مع القبطية بانتمائها المصري المنكفئ على ذاته، ولا تعدو التيارات الليبرالية والعلمانية بينهما أكثر من عوامل تبريد لسخونة ذلك الصراع، دون أن تكون لديها مقدرة على التأثير الجذري في معادلات التفاعل وموازين القوى، وأقصى ما تطمح إليه تلك التيارات أن تصل بطرفي التناقض إلى نقطة يمكن عندها استمرار حالة التعايش، انتظاراً لما يمكن أن يدخره لنا المستقبل من إمكانيات، من بينها الذوبان لهاتين القوتين، في عالم ينحو للتوحد الثقافي والاقتصادي بين الأمم متباينة الأعراق والثقافات، فما بالنا بإمكانيات الشعب المصري الواحد عرقاً وتاريخاً، علاوة بالطبع على التوحد الثقافي الجزئي.
هكذا فإن من ينشد التغيير الحقيقي، ولا يرى منه بد لكي تنطلق أمته من ركودها، لتلتحق بعالم ينطلق نحو فضاءات غير مسبوقة، يجد نفسه خارج دائرة الفعل الميداني تحقيقاً لما ينشد، لأنه ببساطة يحلق في سموات لا يتطلع إليها أحد، أو يذهب لأعماق مقدسة لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها. . ليس له والأمر هكذا أكثر من أن ينفث شذرات أو صرخات تتطاير كشظايا في سماء تبدو أحياناً مصمتة من كثرة ما تحوي من ضجيج، لكن هذا لا يعني بأي حال أن الكل باطل وقبض الريح، فوفقاً لرؤيتنا البانورامية للتاريخ الإنساني، لابد وأن نثق أن الشعب المصري لابد وسيخرج يوماً إلى عالم النور والحداثة والحرية، وإن كنا لا نستطيع الآن أن نجد أسساً راسخة نبني عليها ما يعده البعض تفاؤلاً غير مبرر، ذلك أن مسار الإنسانية كان وسيظل متجهاً نحو المزيد من الحضارة والرقي للقبيلة البشرية. . قد يتوقف لبعض الوقت، وقد تحدث له انكسارات أو ارتدادات، لكنه دائماً وأبداً يستعيد خطه العام المتجه نحو ذرى التطور، تحقيقاً للسعادة والرفاهية والحرية للإنسان.
فليتحمل القارئ معنا بعضاً ما يغشى الساحة المصرية الآن من نار ودخان:
ما يخيف في الإخوان ليس شعبيتهم فهي في الحضيض، لكنها قدرتهم التنظيمية على الحشد، وأموالهم غير الشرعية القادمة من بلاد تركب الناقة. . قال فضيلة المرشد العام: أن سيف الإخوان quot;لن يشهر أبدا فى وجه مصرى، سواء كان مسلماً أو مسيحياً، ولكنه سيشهر فى وجه أعداء الأمةquot;. . هل نفهم من هذا أن فضيلته ينتوي تكوين ميليشيا للمقاومة مثل حزب الله؟!!. . قبل أن نصبح كلبنان ينبغي استدعاء هذا الرجل للتحقيق معه في تصريحه هذا. . أين هو هذا السيف، وماذا ينتوي أن يفعل به؟!!. . هل سيكرر لعبة مقاومة إسرائيل، ثم يوجه سلاحه المقدس لصدورنا كما يفعل سماحة السيد العميل؟!!. . يتصور هؤلاء أن ملايين الصراصير يمكن أن تحجب نور الشمس عن وادي النيل.
quot;اليوم السابع | أبو الفتوح: سأترشح للرئاسة مستقلاً ونائبي قبطى أو امرأةquot;. . لابد من تحية هذا الرجل، ليس لكلامه عن نائب قبطي أو امرأة، لكن لقوله أن مصلحة مصر هي المرجعية، فهذا هو المعيار الأساسي لتقييم التوجهات الوطنية. . هل خرج هذا الرجل تماماً من عباءة الإخوان، أم يلعب معنا لعبة الإيهام في القول المعروفة؟!
quot;تفجير انتحاري يودي بحياة 69 باكستانياً في أول إنتقام لمقتل بن لادن - بوابة الأهرام الإلكترونيةquot;. . أهناك دناءة أكثر من هذه؟. . ومع ذلك تعتبرهم جماهيرنا مجاهدين وأبطالاً!!
الجدل حول الحماية الدولية للأقباط لا معنى له، فبدون طلب ورفض وتأييد، هناك الآن حماية دولية لحقوق الإنسان، والشعب إلذي لا يحترم نفسه بنفسه، سيجبره المجتمع الدولي على احترامها بألف طريقة وطريقة.
استمرار مسلسل النسوان الأقباط الهاربات لمختلف الأسباب سيحول مصر لساحة للمجانين. . أقترح تكوين جمعية قبطية أرثوذكسية لتوريد القوانين الإلهية والنسوان الطفشانة. . جمعية غير هادفة للربح لكن للخسارة!!. . شكراً لقوانين قداسة المعظم الإلهية، التي تتسبب في هذا الافتضاح للأقباط، وتهديد سلام الوطن الاجتماعي. . الشكر لحكمة قداسة عظمته على كل حال وفي كل حال ومن أجل كل حال.
مصر- الإسكندرية
[email protected]