القرار الاتهامي في قضية مقتل الحريري يشير إلى تورط حزب الله، فجميع المتهمين الأربعة هم من الحزب. أحد المتهمين بالقتل يعرفه الكويتيون جيداً، كان مسجوناً بتهمة إرهابية في الكويت، وهرب إبان الاحتلال العراقي للكويت، وعاد إلى لبنان، وشارك بعد عودته في تنفيذ مهمة اغتيال الحريري على ما يبدو.. لا ندري مدى صحة القرار الاتهامي، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، غير أن مثل هذه التهمة إن صحت فلا يمكن أن تمر دون موافقة نظام عربي معين، ونظام إقليمي معين، كما نعرف جميعاً. حسن نصر الله ينفي أن لحزبه علاقة بمقتل الحريري، وفي الوقت ذاته يرفض تسليم المتهمين الأربعة، وعندما تسأل عن السبب يقول سماحتو: (هيك بدها إسرائيل وأمريكا)، ثم يواصل بنبرة المتحدي والخطيب المتفوه: (نحن سنقاوم إسرائيل حتى آخر لبناني ولبنانية، ولن نرضخ لإسرائيل وأميركا مهما كلفنا الأمر)!.. تسأل: وما دخل أمريكا وإسرائيل؟.. نحن نتحدث عن مقتل الحريري، فلماذا تقحم أمريكا وإسرائيل؟.. فيجيب في برود وهو يبتسم: لأن إسرائيل هي التي (أتلت) الرئيس الشهيد!
هل ثمة من يصدق هذا المنطق الأعوج في لبنان؟
طبعاً لا، فالجميع يعرف أن (سماحتو) يتاجر ببلده، ودماء أبناء طائفته، وأبناء بلده أيضاً، كل ذلك من أجل أن يُمكِّن إيران من الدخول إلى المنطقة، ويُدافع في الطريق عن حكم أسرة الأسد في سوريا.. أما القضية الفلسطينية فلا تعدو أن تكون سوى ذريعة للدفاع عن تجارته الرابحة؛ مجرد مشجب؛ مثلما تعلق عليه الأنظمة القمعية العربية سبب وجودها، يُعلق عليهndash; أيضاً - حزب الله سبب بقائه.. وهل هناك أفضل من هذه القضية ليستمد منها القتلة واللصوص والعملاء والنصابون سبب بقائهم؟
وعندما يقول نصر الله علنا وعلى رؤوس الأشهاد وهو يتحدث عن مهلة الثلاثين يوماً لتسليم المتهمين الأربعة: (لن نسلمهم لا الآن ولا غداً، ولا بعد ثلاثين يوماً، ولا بعد ثلاثمائة سنة)، فهو هنا يثبت أن حزبه فوق سلطة الدولة اللبنانية، أما كرزاي إيران في لبنان الرئيس (نجيب ميقاتي) فهو مجرد ريبوت يُديره الإيرانيون، من طهران، بالريموت كنترول، وإن كانت هناك محطة شحن لهذا الريبوت فهي حزب الله، وإن أحسنّا به الظن فلا يعدو أن يكون كالزوج المخدوع آخر من يعلم!
ولبنان الذي يريد حسن نصر الله أن يقدمه مطمئن البال قرباناً لتحرير الأراضي الفلسطينية كما يدّعي، ليست دولة مستباحة سياسياً فحسب، وإنما مستباحة اقتصادياً وخدماتياً وأمنياً وثقافياً، فهي دولة تهددها الحرب الأهلية في كل صبح يوم جديد؛ ونسبة الفقر فيها تجاوزت 30%، ومعدلات البطالة يقال أنها تعدت 27 %، والغلاء الفاحش يكاد أن يحول شعبها إلى متسولين، إضافة إلى أن الكهرباء منذ أكثر من 30 سنة لا تأتي إلى بيوت أهلها إلا بالقطارة، والسير في طرقاتها المتعرجة والمهملة يُشبه سير الأكروبات على حبل السيرك، والمزابل والمخلفات في أحيائها العشوائية تزكم الأنوف، وديونها تقترب كما يقولون من الستين مليار دولار، ومع ذلك فالنواب والوزراء والنخب السياسية لا يتحدثون عن هذه الهموم، لكنهم يتحدثون عن المقاومة، وكيف بُطرد العدو الإسرائيلي من الأراضي المحتلة، لذلك كل من ينبس ببنت شفة تجاه سلاح المقاومة فهو خائن حقير عميل لأمريكا والصهاينة.
تسأل:
وماذا عن الفقر ؟.. تسمع: بدّها يحلها الله.
وماذا عن البطالة؟.. تسمع: بدّها يحلها الله.
وماذا عن انعدام الأمن؟.. تسمع: بدّها يحلها الله.
وماذا عن الغلاء الفاحش؟.. تسمع بدّها يحلها الله.
وماذا عن الكهرباء شبه المعدومة؟.. تسمع: بدها يحلها الله.
وماذا عن دين الدولة الذي يناهز الستين مليار دولار؟.. تسمع بدّها يحلها الله.
وماذا عن القضية الفلسطينية.. تسمع: بدها يحلها حزب الله؛ ثم تنتفخ أوداج الجنرال ميشيل عون، حليف الحزب المبجل، فينتصب خطيباً ليقول: وسيبقى سلاح المقاومة إلى الأبد شوكة في حلق إسرائيل وأمريكا وأعوانهم من المندسين، حتى تتحرر فلسطين السليبة، رغماً عن أنوف عملاء 14 (آزار)!
والنتيجة لا فلسطين تحررت، ولا لبنان تقدمت، ولا الإنسان اللبناني نال حقوقه المبدئية، بينما اتخمت حسابات الساسة المختلفين فيما بينهم بملايين الدولارات القادمة من وراء الحدود، و تآكلت سلطة الدولة، وتجذرت وقويت شوكة الحزب، وقُتلَ الإنسان اللبناني من الوريد إلى الوريد!
لبنان، وسياسيو لبنان، والمماحكات بين نوابها، ورؤساء طوائفها، وحواراتهم، خاصة في مجلس النواب، أشبه ما تكون بمسرحية تعيسة بائسة هابطة المستوى في مسرح اللامعقول!