نيرون إمبراطور يوناني، تولى الحكم وعمره 15 سنة في النصف الأول من القرن الميلادي الأول، وما إن شب وكبر، وتوطد له الحكم، أظهر من الجبروت والوحشية والجور والظلم والطغيان، إضافة إلى الإغراق في الفساد والمجون، ما جعله مضرب مثل في التاريخ الأوربي. وصل ظلمه وطغيانه وتعسفه إلى أمه فقتلها ، ثم قتل معلمه (سينيك)، وقيل أنه انتحر عندما علم أنه سيقتله، وذنبه أنه حاولَ أن يُثنيه عن ظلمه، ويُخلص له النصيحة، ويحثه على ترك الظلم والتعسف والفساد والمجون؛ وقتل كذلك زوجته وأخاه. عاث في روما فساداً، وكان يقتل ويسجن ويُعذب ويغتال بدم بارد، فالشك عنده مبرر كافٍ للقتل والتنكيل والتصفية. أحرق روما وجلس يستمتع في قصره باحتساء كؤوس النبيذ، وروما تلتهمها النيران، والناس يحترقون، وهو يتفرج بلذة على ألسنة النار وهي تأكل أحياء المدينة بأهلها؛ وعندما أتى الحريق على ثلاثة أرباع روما، أعلن أن الحريق (مؤامرة) مدبرة ومكيدة نفذها (مندسّون)، وألصقها بالمسيحيين والمسيحية التي وصلت حديثاً إلى إمبراطوريته، فقتل دعاتها، وتفنن في التنكيل بهم بقسوة لم يعرفها التاريخ من قبل.
تاريخنا اليوم يُعيد ذكرى نيرون، لكن بنسخة عربية هذه المرة؛ ولم يعد في صورة حاكم واحد فحسب، وإنما (يتنافس) على اللقب حاكمان، بشار الأسد ومعمر القذافي، وأيٌّ من الاثنين جديرٌ بلقب (نيرون العرب) بكل ما يحمله اللقب من وحشية ونرجسية، بعد أن سجل التاريخ (بالصوت والصورة) الجرائم والفظائع التي ارتكبها الاثنان؛ وكأني بتاريخ المنطقة سيخلدهما مثلما خلد التاريخ الأوربي نيرون كطاغية لم يعرف له تاريخهم مثيلا.
مات نيرون حقيراً ذليلاً، بعد أن اشتعلت عليه الثورات، أو بلغة اليوم : الاحتجاجات، من كل حدب وصوب؛ غير أن الأسطورة اختلطت على ما يبدو بالحقيقة التي تحدثت عن نهايته، ونَسَجَ الخيالُ كثيراً من القصص عن كيفية مقتله، فكراهية نيرون جعلت الناس على استعداد لأن يُصدقوا كل ما يُقال فيه حتى وإن كان مُختلقا، وكأنهم يريدون أن يتشفوا منه، وربما كي تكون قصص نهايته موعظة لحكامهم من بعده.
من ضمن ما قيل عن نهايته : اتفق رجال إمبراطوريته على عزله، بعد أن بلغ جنونه وظلمه و وحشيته حداً لم يعد يُطاق، وتجاوزوا (خوفهم) منه، وإرهابه لهم، فاجتمعوا عليه وعزلوه، وحكموا عليه بالإعدام جلداً بالعصي مثلما كان يفعل بضحاياه وخصومه، فأبت نفسه أن يموت تعذيبا فقتل نفسه، فقال أهل روما : لم يُفِلِت من قتل نيرون حتى نيرون نفسه. وقيل : أمر أحد خدامه القريبين منه بقتله فقتله. وقيل : هجم عليه جنوده فقطعوه بسيوفهم إرباً، ثم رموا أشلاءه إلى الكلاب.
والسؤال: هل تُرى القذافي وبشار الأسد قرءا (تاريخ نيرون)، وهل أدركا أن الناس عندما يصلون إلى أنْ ليس لديهم ما يخسروه، وهم يرون مواطنيهم (يُداسون بالأقدام) ويُقتّلون، وحرياتهم يُصادرها السجّانون، والفقر والجوع والذل يُحاصرهم من كل جانب، سيتحولون إلى أمواج كأمواج ( تسونامي) لا تبقي ولا تذر، ويعاملونهما كما عامل أهل روما طاغيتهم نيرون؟ .. ومهما تكن الإجابة، فقد سبق السيف العذل على ما يبدو.
يقول محمود درويش :

(يا دامي العينينِ والكفينِ إنَّ الليلَ زائلْ ..
لا غُرفة التوقيفِ باقيةٌ ولا زرد السلاسلْ ..
quot;نيرونquot; ماتَ، ولم تَمُت روما بعينيها تُقاتلْ ..
وحبوب سنبلة تجفُّ ستملأُ الوادي سنابلْ) ..

وستبقى دمشق وطرابلس ودرعا ومصلاته وحمص وبنغازي رغم أنفِ بشار والقذافي، مثلما بقيت روما رغم أنف نيرون.

إلى اللقاء