هناك دول عربية راهنت أنظمتها على هشاشة المعارضة، ومن تلك الدول، إذا استثنينا مصر واليمن، من ألقت بكل ثقلها في موازنات إقليمية لتبرر قمع المعارضين في الداخل إلى درجة أنهم لم يعودوا شيئاً مذكورا، سوريا هي النموذج الأبرز على أن الحكم العربي يستمد شرعيته من اللعب على وتر قضية فلسطين، تلك القضية الخاسرة أبداً في وجود هذه الأنظمة.
من أراد أن يتأكد من الوضع غير الصحي في سوريا، وضع المعارضة السورية وطريقة تعامل النظام معها، فلينظر إلى مساحة وجود المعارضين في الداخل السوري وإلى الأدوار التي يلعبونها. هم إما في إعداد المعتقلين، أو ممن يعارضون وفق نمط رسمي أعد لدعم نظرية الصمود والمقاومة. أي أن المعارضة السورية في الداخل، والمعترف بها من النظام السوري، هي التي لا تمسّ سقف quot;الممانعةquot; المصنوع بعناية منذ نصف قرن. ما سواهم لن تجده إلا في المعتقلات أو خارج سوريا.
بالطبع، يحق لرامي مخلوف، مثلاً، أن يجتهد في التصريح، وبدون صفة رسمية، ليحاول احتواء الثورة السورية، وهذا الحق لا يمنع من أن يتم التغاضي عن زلاته التي قد تعري السبب الوحيد والمعلن لوجود عائلة الأسد في حكم بلد عريق كسوريا. نعم، ربط أمن إسرائيل واستقرارها باستقرار الحكم في سوريا يعدّ سابقة خطيرة يمكن أن تقوض كامل البناء، ولو صدر مثل هذا التصريح من معارض في الداخل السوري لكان الآن أثراً بعد عين.
أيضاً، على ذات الوتر، وتر القضية الفلسطينية والممانعة والكلام الذي يجتره النظام السوري منذ نصف قرن، جاءت كلمة الحليف الأهم لسوريا، السيد حسن نصرالله في 25 مايو بمناسبة الاحتفال بعيد التحرير والمقاومة لمناسبة ذكرى مرور أحد عشر عاما على انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000م. هنا يجب النظر إلى الموقف الإيراني المعلن من الحراك الشعبي السلمي في سوريا، وهو الموقف النقيض تماماً لموقفها من احتجاجات البحرين، إذ إن ربط مواقف حزب الله بطهران لا يعود إلى مجرد تكهنات لأسباب طائفية، بل إلى تصريحات معلنة من قبل رئيس الحزب، ففي مطلع تسعينيات القرن الماضي قال نصرالله في محاضرة من مجموع محاضرات حول وجود حزب الله وأهدافه: quot;ليس لدينا مشروع نظام في لبنان، نحن نعتقد بأن علينا أن نزيح الحالة الاستعمارية والإسرائيلية، وحينئذ يمكن أن ينفّذ مشروع، ومشروعنا الذي لا خيار لنا أن نتبنى غيره كوننا مؤمنين عقائديين هو: مشروع الدولة الإسلامية وحكم الإسلام أن يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخمينيquot;. هذا هو الهدف، المعلن منذ ما يقرب من عشرين عاما، لحزب الله، لهذا ليس من الغريب أن تكون كلمة نصر الله الأخيرة داعية لرفض أي عقوبات على سوريا، ملخصاً موقف حزبه، ممثل إيران الأبرز في المنطقة، بقوله: quot;لا خيار إلا المقاومة، وأن تقول الأمة العربية لا للتفاوض ولا لوجود إسرائيل ولا لتهويد القدسquot;.
إذن، في ظل وجود هدف معلن يريد ارتهان المنطقة لحكم quot;صاحب الزمانquot; ونائبه في طهران، جاء خطاب نصرالله ليحث العرب على تبني لاءاته الثلاث، والتأكيد على خيار quot;المقاومةquot; المستهلك إعلامياً وسياسياً، ولكنه ضروري عند الحديث عن quot;سورياquot; تحديدا، لأنه مبرر وجود النظام الحاكم في دمشق إذ بلا quot;مقاومة/ تصدي/ صمود/ ممانعةquot; يصبح نظام الأسد بلا معنى!. وهي الكلمة، أي كلمة نصرالله، التي جاءت لوضع النقاط على حروف رامي مخلوف بطريقة مواربة، إذ إن صواريخ حزب الله لم تعد منصوبة نحو إسرائيل كما كان يردد أمين الحزب، ففي ذات الخطاب تحولت صواريخ الحزب لتكون ذات دلالة أشمل من استهداف إسرائيل حصراً: quot;ستبقى صواريخنا حاضرة بمعادلة المنطقة ولن يستطيع أن ينتزعها أحدquot;. لتصبح المقاومة أكثر تجلياً حين تعني خدمة مشروع إيران، المرتمية بكليتها في quot;معادلة المنطقةquot;؛ وليس استهداف إسرائيل، فإسرائيل ستنعم بالأمن والاستقرار ما استقر نظام الأسد، بحسب مخلوف الذي سبق كلمة نصرالله في التبشير بفوائد نظام quot;الممانعة والمقاومةquot; في دمشق، ثم تبعه نصرالله لينصب صواريخه خدمة لمعادلة أعلنها قبل عشرين عاماً، فليس من المعقول أن يكون quot;لبنانquot; جزءا من حكم إسلامي يمتد إلى طهران ويدين لصاحب الزمان دون أن يمر بسوريا الأوفر حظاً الآن في وجود صواريخ حزب الله المنصوبة تحت راية quot;ممانعةquot; أدمنها نظام الأسد حتى غاب عن الوعي بسوريا كوطن وارتمى في أحضان إيران ووكيلها المعتمد في quot;المنطقةquot;.