تضغط دولُ الخليج على الرئيس اليمني علي عبدالله صالح للقبول بمبادرة التخلي عن الحكم وفق جدول زمني قصير، شهر واحد لتتحول اليمن إلى حكم انتقالي ثم إلى انتخابات رئاسية تضمن عودة اليمن إلى الاستقرار، وبالتالي إمكانية ضمه لدول مجلس التعاون الخليجي. هذا السيناريو اليمني سيستمر ما لا يقل عن ستة أشهر، هذا في حال قبل quot;صالحquot; التوقيع على المبادرة في وقت قريب، وهي فترة طويلة جداً قياساً إلى تداعيات الأحداث في quot;سورياquot;.
قبل بدء أحداث سوريا كانت أحداث البحرين، وتدخل درع الجزيرة بناء على طلب حكومة البحرين، وهو الشأن الخليجي البحت الذي استفز الدولة الفارسية quot;إيرانquot; للتنديد بالاحتلال السعودي للبحرين، على حدّ وصف المسؤولين في طهران، وهو ردّ الفعل الإيراني الذي يبدو أنه لا ينسجم مع مواقف إيران من أحداث مشابهة في الداخل من خلال قمعها للمتظاهرين بعد انتخابات 2009م، أوسحقها لاحتجاجات الأهواز مطلع 2011م، ولا في الخارج من خلال دعمها السياسي اللا محدود للنظام السوري الذي quot;يعيدquot; احتلال مدنه، وخصوصاً السنية منها كمدينة quot;درعاquot;، أو دخول بعض المدن من جهة الأحياء السنية تحديداً كما حدث في quot;بانياسquot; بحسب رويترز.
لا يبدو أن الدعم الإيراني للنظام السوري دعم سياسي وإعلامي فقط، فهناك أنباء عن دخول ثلاثة آلاف عنصر من حزب الله اللبناني الموالي لإيران يوم 18 مارس لدعم قوى الأمن السوري، أي بعد ثلاثة أيام فقط من بدء الأحداث. وفي 26 مارس قال أحد شهود العيان لقناة quot;BBCquot; إنه شاهد إيرانيين برفقة قوات الأمن التي دخلت إلى مدينة درعا بعد أحد عشر يوماً من بدء الأحداث، ثم ما تردد لاحقاً عن وجود كتيبتين من كتائب حزب الله في مدينة حمص لقمع التظاهرات، وصولاً إلى ما ذكرته صحيفة quot;الغارديانquot; مطلع مايو الحالي عن دعم إيراني للنظام السوري لقمع المحتجين.
كل هذا يقابله صمت عربي على مستوى جامعة الدول العربية، وكذلك على مستوى مجلس التعاون الخليجي الذي صرح بأنه لن يقوم بمبادرة في سوريا كمبادرته التي قام بها في اليمن. يبدو أنه تصريح يرتكز إلى منطق أن الحكم في اليمن يمكن أن يوجد له بديل، فالمعارضة السياسية فاعلة، والحراك سلمي، وهو بعيد جداً عن الطائفية، على عكس ما يحدث في سوريا، فسقوط النظام السوري لن يجعل بديله من الطائفة العلوية النافذة والحاكمة لسوريا منذ بداية السبعينيات الميلادية من القرن الماضي. إذن دول مجلس التعاون الخليجي تدرك تماماً الوضع الشائك في سوريا بفعل احتكار الأسرة العلوية للحكم في بلد يشكل فيه السنة ما يزيد عن 80% من مجمل السكان، إضافة إلى عمق النفوذ الإيراني في بلاد الشام، والتي يحدها شرقاً العراق بحكومته الموالية لطهران، ومن الغرب لبنان التي لا يعلو فيها صوتٌ فوق صوت سلاح حزب الله حتى ولو كان صوت سلاح الجيش اللبناني النظامي القليل الفعالية قياساً بالحزب السرطاني الموالي لطهران.
نعم، صمت مجلس التعاون الخليجي حيال سوريا ليقينه أن سيناريو سوريا ربما يصبح كارثياً بتحول ثورة السوريين إلى حرب أهلية يبيد فيها الجيش السوري شعب سوريا مستهدفاً السنة بدرجة أولى، وبمعونة ودعم مباشر من طهران وحلفائها، ما يعني أن دول الخليج تحاول الآن إيجاد بديل للعنصر اليمني، الأكثر قوة في التضامن الخليجي المفترض قبل ثورة الثالث من فبراير في صنعاء، من خلال ضم الأردن، الدولة الأقرب لسوريا، وكذلك المغرب التي يتجاوز عدد سكانها الثلاثين مليون نسمة بحسب إحصاءات 2003م، إضافة إلى ازدهار صناعة الطيران فيها وكذلك الصناعات التكنولوجية بالعموم، ما يجعلها دولة هامة في زيادة الثقل الاستراتيجي لدول الخليج في صراعها المحتمل في سوريا في حال تطورت الأوضاع لمواجهات عسكرية بين إيران ودول الخليج في بلاد الشام.
هذا هو السيناريو الأكثر سوداوية والذي لا يبدو أنه بعيد عن التحقق في ظل إصرار النظام السوري على ارتكاب المجاز في حق شعبه، وفتحه المجال لإيران كي تكمل مشروع quot;المحورquot; الإيراني الذي نجحت طهران في تشكيله بعد سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، إذ إن طهران تكاد تصل عبر دمشق إلى البحر الأبيض المتوسط بدءا ببغداد وانتهاء بغزة في فلسطين مروراً بلبنان الذي يدين لسلاح حزب الله بالكثير من الحروب المفتعلة لتبرير وجوده في بلد عربي أصبح مخترقاً بالكامل لمصلحة الدولة الفارسية. إذن، ستلقي إيران بثقلها لحماية نظام الأسد حتى لو أدى ذلك إلى تدخلها في قمع الثورة السورية السلمية بشكل مباشر، فطهران لن تقبل بكبوة أخرى، بعد كبوة المصالحة الفلسطينية التي أقصت حماس عنها بشكل مبدئي، وهو الأمر الذي تعيه دول الخليج، وتكرس جهودها لتتعامل معه في حال حدوثه من خلال توسيع دائرة مجلس التعاون حتى تصل إلى دولة قصية، لكنها ضرورية، كالمغرب، أو الضغط على الرئيس اليمني للتنحي لضمان وضع مستقر في اليمن، على الأقل إذا لم يكن داعماً، في مواجهات محتملة مع المدّ الإيراني في بلاد الشام.
- آخر تحديث :
التعليقات