قليل من العراقيين والعرب يعرفون حقيقة العلاقة الحقيقية بين سكان قرية العوجا وأهالي تكريت. فحين نحج أحمد حسن البكر وصدام حسين في الهيمنة على حزب البعث، وبالتالي في السطو الكامل على السلطة راح العراقيون والعرب ينعتون السلطة الجديدة بــ )التكريتية( ويلعنون تكريت وأهلها والذي وضع فيها أول حجر، محمّلين كل واحد من التكارتة، دون تمييز بينهم وبين أهل العوجا، جريرة ما راح يرتكبه الأب القائد والسيد النائب وأبناؤهما وإخوتهما وأولاد أعمامهما وأخوالهما وأفراد حمايتهما وسائقوهما، وهم كثيرون.

صحيح أن عددا من العسكريين الكبار والقادة البعثيين المدنيين من أبناء تكريت والدور والشرقاط وسامراء والموصل والرمادي والفلوجة وغيرها كانوا في مقدمة المشاركين في إنجاح الانقلاب، إلا أن العائلة الحاكمة كانت، كلُها، من أهل قرية العوجا.

ولأن التكارتة كانوا لا يحبون أهل العوجا ولا يحترمونهم ويتجنبون رفقتهم لأنهم يرون فيهم قوما غدارين وقساة وعدوانيين فقد كان طبيعيا أن يحمل )العوجاوي( في نفسه كل الضغينة لأعدائه التكارتة. ولهذا السبب كان طبيعيا ومتوقعا أن يبدأ الحكام الجدد في التخلص من التكارتة الكبار، واحدا واحدا، ثم الصغار. حتى لم يبق حول صدام أخيرا سوى ولديه وأزواج بناته وإخوته غير الأشقاء وأبناء عمومته فقط لا غير، وأغلب معاونيهم وحراسهم ووكلاء تجارتهم ومديري مزارعهم وشركاتهم واستثماراتهم في الداخل والخارج عراقيون من جميع الأجناس والأصناف ليس بينهم تكريتي واحد، خلاف ما كان يظنه الآخرون. بدأ أولا بطاهر يحيى، ثم رشيد مصلح، ثم صلاح عمر العلي، ثم حردان، ثم الدكتور راجي، ثم جاسم مخلص، ثم حماد شهاب ثم عدنان شريف، ثم عشرات من أبنائهم وإخوتهم وأقاربهم، بالإعدام وبالاغتيال والدهس والسم والتذويب بالأسيد، مثل عمر الهزاع، وفاضل البراك، وهيثم أمحمد حسن البكر ومظهر المطلق وعدنان خير الله وحسين كامل وصدام كامل وأباهما وأمهما.

وكثيرا ما كان يهمس به التكارتة أيام صدام أنه قتل من أبنائهم أكثر مما قتل من أبناء غيرهم من العراقيين. الخلاصة التي أريد ان أصل إليها هي أن أهالي تكريت وكثيرين من أهل العوجا، معهم، ُظلموا مباشرة من صدام ومن ولديه وخاله خيرالله طلفاح وأولاده وأحفاده، ثم ُظلموا ، فوق ذلك، من العراقيين، وهم أبرياء.

مناسبة هذا الحديث ما يحدث اليوم في سوريا. فأبناء االطائفة العلوية مثل التكارتة، ومثل أهل العوجا. ظـُـلموا من قبل الأسد الأب، وظلموا من قبل الأسد الإبن، كذلك. فأوائل المعدومين علويون، وأوائل السجناء المؤبدين علويون. وأغلب المبعدين عن السلطة، والمُطاردين في سوريا، والهاربين إلى لبنان والأردن ومصر وأوربا، علويون. بعضهم، وكان له الفضل الأول والأخير في احتضان حافظ أسد وترقيته وتقديمه وتوزيره، دخل سجن الحركة التصحيحية ومات فيه، فلم تشفع له لا علويته ولا أفضاله السابقة عليه.

ومن الحقائق التاريخية الثابتة أن حافظ أسد حين أسس ما أسماه بــ quot;الجبهة الوطنية التقدميةquot; كواجهة لحكمه رفضت الانضمام إليها أحزاب عديدة مناضلة، كان قياديوها علويين، من أبرزها الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي، وحزب العمل الشيوعي، والتي أصبحت فيما بعد أحزابا مُطاردة زج النظام بشبابها في السجون.

ويعرف السوريون والعرب مئات وألوفا من العلويين المبدعين العمالقة في الأدب والعلوم والفنون، كانوا روادا في النضال من أجل تحقيق العدالة والحرية والكرامة، لا للطائفة العلوية وحدها، بل لجميع بني البشر، دون تمييز بين مواطن وآخر، لا على أساس الجنس ولا اللون ولا الطائفة ولا الدين.
سعد الله ونوس الذي يكن الوطن العربي كله إجلالا واحتراما كبيرين لفكره وإبداعه العظيم، كان معارضا لنظام البعث السوري من الطراز الفريد العنيد.
وابن السلمية محمد الماغوط، ذلك الشاعر الكاتب العملاق الذي لولا فلتاته الإبداعية الرائعة لظل دريد لحام مجرد )غوار طوشة ( مهرج صغير.
والمخرج السينمائي الكبير أسامة محمد، وأخته الشاعرة والصحفية الشجاعة هالة محمد، وهما من لـُبة العلويين، بل من عظام رقبة النظام، معارضان عنيدان لظلم النظام وطائفيته وفساده. وغيرهم كثيرون، كثيرون.

ومثلما حدث عندنا في العراق، حين تستر حكامنا السابقون واللاحقون بالطائفة أو القومية أو الدين، ونصَّبوا أنفسهم متكلمين وحيدين باسم هذه أو تلك من الطوائف أو القوميات أو المناطق، فقد تسلط حافظ أسد على الطائفة العلوية السورية قبل أن يتسط على غيرها، واحتكر لنفسه ولأبنائه وأخوالهم وأبناء أخوالهم وحدهم حق التصرف بالطائفة والحديث باسمها.

وكانت، وما تزال، أبواقه تنشر الأكاذيب والقصص الملفقة لإيهام العلويين، كل العلويين، والبسطاء منهم على وجه الخصوص، بأن أية ثورة أو انتفاضة ضد الأسرة الامبراطورية الحاكمة إنما هي انتفاضة وثورة ضد الطائفة كلها، دون تفريق بين ظالم ومظلوم من أبنائها، وبين حاكم ومحكوم، وسارق ومسروق. ولكن أبناء الطائفة، وبالأخص فقراءهم وكادحيهم وسجناءهم ومُطارديهم، كانوا أكثر ذكاءا من النظام ومن دعاياته البائسة.

كما حاول الأسد وإخوته وأولاده رشوة العلويين، ومنهم مثقفون يساريون وشيوعيون وقوميون وديمقراطيون وعلمانيون معارضون، بوظائف الأمن والمخابرات والجيش والمراكز الحزبية القيادية الآخرى، وفشل. فمات سعد الله ونوس وهو يلعن الظلم والظالمين، رغم أن حافظ أسد أنفق على علاجه من مرض السرطان. وما زال أسامة محمد يقاتل النظام بأفلامه الرائعة، وما زالت شقيقته هالة محمد تحارب الأسد بقصائدها الثائرة.

ومثلما كانت الشلة الضيقة المحيطة بصدام حسين تضم كثيرا من الانتهازيين العراقيين من جميع الطوائف والقوميات والأديان، وقلة من أهل العوجا، ولا واحدا من التكارتة، فنظام بشار الأسد اليوم يدك منازل المدنيين في حماة ودير الزور ودرعا واللاذقية بدبابات يقودها سوريون انتهازيون قتلة محترفون من جميع الطوائف السورية وقومياتها وأديانها. فيهم سنة من درعا ومن دير الزور، وعلويون ومسيحيون، جنبا إلى جنب مع شبيحة حسن نصر الله وجواسيس الولي الفقيه.