ما هي السادية؟
السادية Sadisim هي الميل للحصول على اللذة والمتعة عن طريق تعذيب الاخر والتللذذ بعذابه. وهي من الناحية السايكولوجية اضطراب في الرغبة الجنسية يتضمن معانات نفسية وجسدية وفكرية. وقد اشتقت الكلمة من اسم ضابط وروائي فرنسي يدعى ماركيز دو ساد(1740-1814) Marquis de Sade.، الذي اشتهر بسلوكه العدواني واضطراب سلوكه الجنسي وساديته ولذلك سمي الاضطراب الجنسي بأسمه. وقد ألف دي ساد روايتين هما جوستين وجوليت.
ومن الممكن تقسيم النزعة السادية الى ثلاثة أنواع من الميول، التي ترتبط بعضها مع البعض الاخر بصورة جدلية وهي :
1.
يرتبط النوع الاول باخضاع الشخص الاخر الى اقصى درجات الخضوع للمتسلط وهيمنته عليه حتى يتحول الى مجرد ألة بيده .
2.
يأخذ النوع الثاني شكلا آخرا من الهيمنة حيث يكون دافعه ليس السيطرة المطلقة على الاخر، وانما استغلاله والاستحواذ عليه واستنزاف طاقاته ماديا وروحيا واذلاله والاستمتاع بذلك.
3.
أما النوع الثالث فهو رغبة في ايقاع الأذى والالم على الاخر من أجل التلذذ برؤيته وهو يعاني ويتألم ويتعذب. وهذا الألم والعذاب من الممكن ان يكون جسديا او معنويا. فهو يرغب ان يكون الاخر ذليلا ومهانا وفي وضعية خضوع وعذاب واستكانة .
ان النزعة السادية هي اقل تبريرا عقلانيا من النزعة المازوشية، لانها تغطى بتبريرات مفرطة ، كفرض القرارات بدون أي اعتراض بحجة ان المهيمن يعرف اكثر من غيره وانه يعمل ذلك من اجل مصلحة الاكثرية أو انه يقابل الأذى بمثله للدفاع عن النفس.
ان السادي يحتاج دوما الى شخص يتحكم فيه، لأن شعوره بالقوة يدفعه الى ذلك. وعندما يكون الخاضع ضعيفا ولا يستطيع رده، فان نكوصه يؤكد الاعتقاد بصحة ما يعتقد به السادي ويقوله.
ان جذور الانحراف في الشخصية السادية تقوم على التسلط على الاخرين وجعلهم موضوعا خاضعا لارادته حتى يصبح الحاكم المطلق ويستطيع استخدام سلطته لاذلال الاخرين ومعاناتهم عن طريق تعزيز المعاناة وارغامهم على ذلك حتى لا يكونوا قادرين على الدفاع عن انفسهم، وفي ذات الوقت، التلذلذ بالهيمنة الكاملة على الاخرين. فالهيمنة، كما يقول دي ساد، هيquot; ماهية الساديquot;.

ما هي الماسوشية؟
اما المازوشية أو المازوخية Masochism فهي اضطراب نفسي يقابل الاضطراب السادي من حيث هو رغبة للخضوع لعدوانية السادي. وقد اشتقت الكلمة من أسم كاتب نمساوي يدعى ليوبولد زاخر مازوخ (1836-1895)Lepold Zacher Masoch واشتهر بتأليف روايةquot; فينوس في الفراء quot;. ومع اختلاف كل منهما في الفكر والسلوك، فان عاملا مشتركا يجمعهما معا هو الحصول على اللذة والمتعة عن طريق الالم. فالسادي يجد لذته في ايقاع الالم على الاخر، في حين يجد المازوشي لذته بوقوع الالم عليه من قبل الاخر.
ان المهم ، الذي يجب التأكيد عليه، هو ان مفهومي السادية والمازوشية كانا قد تعدا الرغبة الجنسية الى انواع أخرى من السلوك الاجتماعي والنفسي والسياسي، وخاصة عند استخدام السلطة من قبل فرد بشكل استبدادي وفردي للسيطرة على الخصوم واخضاعهم لسلطته بالقوة والقهر والتلذذ بخضوعهم وبتوسلاتهم واهاناتهم. فالسادي يميل دوما الى ان يكون ظالما، بعكس المازوشي الذي يميل الى ان يكون مظلوما يتقبل الالم والخضوع والاذلال، كما يتخطا الاشخاص الى الشعوب والمجتمعات فتوصف بكونها ذات خصائص سادو- مازوشية.
والسادو- مازوشية موجودة عند جميع البشر، ولكن بدرجات متفاوتة في الاشخاص الأسوياء والمنحرفين على السواء، وتخطت المستوى الجنسي الى السياسي لتشرح السلوك السايكولوجي للمستبدين الكبار والصغار. فالشخصية السادية غالبا ما تتحول الى شخصية استبدادية التي تتمثل بالطاغية الذي يتسلط فلا يعترف بالمساواة بين الناس، ويعتقد بأن على الشخصيات الضعيفة والعاجزة ان تخضع لسلطته، لأنهم يحتاجون حمايته ويتوقعونها.هذه الخاصية انما تمثل علاقة مزدوجة ومتناقضة ، مثلما تعكس ثنائية : قوة وضعف، سيطرة واستسلام وتسلط وخضوع.
وتعود ثقافة اقصاء الاخر الى الموروث الثقافي الأبوي- الاستبدادي والى اساليب العنف والتسلط الفردي و نزعة السيطرة على الآخر واذلاله ، التي تنطلق من مقولة quot;الاناquot; المتضخمة التي تعتقد بان الآخر quot;لاشيءquot; ولذلك يجب اعتمادهم عليه وتسلطه عليهم واستلابهم وتجريدهم من ملكاتهم العقلية والعاطفية. وتصل قمة السادية عندما يرى السادي الناس تتعذب امامه جسميا وعقليا وانفعاليا ويتلذلذ هو بما يراه من معاناة والآم، بعكس المازوشي الذي تصل قمة المازوشية عنده عندما يتعذب ويتلذلذ بعذابه، و يشعر بان الآخر هو سبب هذه العذاب.
وغالبا ما يكون السادي واعيا بهذه العلاقة فيتعمد القيام بها ويتلذذ بفعلها وانزال القهر والالم بضحيته، ولا يشعر بالقوة والسطوة الا من خلال التغلب على الضحية وتبخيسها والتحقق من ضعفها واذلالها الذي كان هو سببه. ولا يرتاح السادي ولا يستقر له بال الا اذا دفع المقهور الى العجز والخضوع والاستسلام. والحقيقة ان جوهر السادية هي علاقة سيطرة وتسلط ، اذ لا يستطيع السادي ان يكون متسلطا الا من خلال التعزيز الدائم لسلطته. ولا يتم ذلك الا باضعاف الطرف الاضعف واخضاعه وتحطيمه والاستحواذ الكلي عليه وقد لا يكفي ذلك الا باعتراف الضحية بتسلطه عليه واقراره بعجزه.
وبالعكس تتمثل النزعة المازوشية بالشعور بالنقص والعجز حيث يشعر الفرد بانه لا يستطيع العيش الا بالخضوع للاخر، الذي ينمي الميل الى عبادة الاخر والاتكال عليه سواء كان الآخر فردا او جماعة او مؤسسة. فهو يعتقد بانه يخضع لقوى خارجة عنه، وهذا يعني انه يبخس نفسه ويحتقرها ويعتبرها quot; لاشيءquot;. اما وظيفة هذا الخضوع quot; المازوشيquot; فهو الشعور بالامان، الذي يخفف وقع الالم عليه من الآخر وبالتالي يخفف احساسه بالوحدة والعزلة، ولكنه من جهة اخرى قد يدفعه الى الخضوع الطوعي الى القضاء والقدر والمرض والمخدرات وغيرها، وهو ما يجعل الانسان مستلبا ومعطلا وممتلخا من استقلاليته وفاقدا لمقدراته في التفكير والتعاون والحب والعمل، الذي يعيد اتحاده مع الطبيعة والعودة الى حالته الطبيعية.
ان جذور الانحراف في الشخصية المازوشية هي ان الرغبات المازوشية تساعد الفرد على الهرب من شعوره الذي لا يطاق بالوحدة والعجز والخضوع بسبب الضعف والاستكانة، ولذلك فهو بحاجة الى انسان اخر يستسلم له أو شيء يربط به نفسه. انه لا يستطيع ان يتحمل ان يكون هو ذاته، ولذلك يحاول التخلص منها حتى يشعر بالأمان والطمأنينة. وهذا هو بالضبط ما عناه اريش فروم quot; بالهروب من الحريةquot;، التي هي عبأ يريد التخلص منه.
ان الشعور بالعجز هو في الحقيقة ميل الى زيادة الشعور الاصلي باللامعنى، الذي يجعله في صراع بين رغبته في ان يكون مستقلا وقويا وبين شعوره بالضعف والمسكنة. واذا لم يستطع ان يكون قويا ومستقلا ومتحررا من الخوف فسوف يقع في شباك ضعفه وعجزه ولا يستطيع انقاذ نفسه من هذا الصراع الا بتحقير نفسه وابتلاع الالم. واذا وجذ فرصة مواتية، كالخضوع الى زعيم قوي ومتسلط، فانه يعمل ذلك من اجل الحصول على بعض الأمن حيث يجد نفسه متحدا مع الألاف من الناس الذين يشاركوه مشاعر الخوف وعدم الامن. ان هذا الحل هو في الحقيقة خطوة في طريق انقاذ نفسه، كما يبدو له ذلك، غير ان هذا الحل غالبا ما يقوده الى كارثة، اذ يفقد بذلك حريته واستقلاليته وتكامله وكذلك أمنه الداخلي.
ان الخضوع لزعيم والتماهي به وتسليم كل حقوقه له ، انما هو تعبير عن الحب المازوشي الذي يتجلى في انكار الذات من أجل الشخص الآخر. ان هذا الحب كامن في الحقيقة في الحاجة الى التكامل مع شخص آخر وليس تعبيرا عن الاتحاد مع شخص آخر على اساس الاستقلال والتكامل الحقيقي. ولذلك فالميول المازوشية هي رغبات لاعقلانية هدفها التقليل من شأن النفس واذلالها والتي تظهر في المعاناة الفعلية من الضعف والألم الاخلاقي، حيث يحتاج المازوشي الى ان يتعامل معه الاخرون وكأنه طفل صغير او ضعيف أو مريض أو شخص لا يستطيع ان يعيش بدون معاناة واذلال جسمي أو معنوي، وبذلك يصبح الانحراف المازوشي لدى البعض متعة مقصودة مصحوبة بألم واذلال وغيره.
واذا كانت السادية عداونية تسود فيها الأنوية والانانية، فان المازوشية هي خضوع ومعاناة مادية ومعنوية، قبل ان تكون تلذلذا بالالم، كما هو شائع، لان السادي يستخدم سطوته لقهر واذلال ضحيته هربا من مازرخيته الداخلية ومن مشاعر الذنب التي تقض مضجعه دوما. فهو يهرب من مازوشيته عن طريق الاذى بضحيته. اما المازوشي فيرضخ لتسلط السادي ويتنازل له خوفا من ساديته التي يخشى ان تتوجه الى الخارج وتفلت من سيطرته خوفا من تدمير الذات او الآخر في آن. انه انسان عاجز عن رد الاذى، وفي ذات الوقت، عاجز عن تحمل نتائج ساديته والتصدي لها. ان هذه الوضعية هي شكل من اشكال quot; الخصاءquot; الذي يقلق العاجز ويشعره بالتهديد الدائم والمستمر وينتج شعورا بالمهانة والدونية والاستسلام. وهو شعور يأخذ احيانا معنى عقاب الذات وتبخيسها ويدفع احيانا الى حلول ايجابية لاعادة الاعتبار للذات الجريحة. غير ان هذه حلول سلبية وهروبية من واقع لا قبل للفرد في تحمله، ولذلك يضطر الى الاحتماء بزعيم او بشيخ قبيلة او زعيم طائفة او رئيس محلة ، او التعلق بالابطال وعبادتهم او اللجوء الى الاولياء الصالحين والدراويش وفتاحي الفال. انها وسيلة لايجاد نوع من التوازن والانسجام مع الاوضاع، من خلال خلق صورة quot;للاب القائدquot; و quot;الاب المنقذquot; التي قد تخلصه من عقدة quot;الخصاءquot; وما يصاحبها من حالة التهديد المستمرة.

المصادر:
ابراهيم الحيدري، النظام الابوي واشكالية الجنس عند العرب، دار الساقي، بيروت 2003
Erich Fromm,Die Furcht von der Freiheit,DTV,Muenchen2003
Erich Fromm, Haben oder Sein,Die seelischen Grunlagen einer neuen Gesellschft,Ffm, 1967