التصريح الأخير لوزير الخارجية الإسرائيلي الصهيوني أفيغدور ليبرمان حول إعتباره لدولة قطر أكبر عدو لإسرائيل، هو تحصيل حاصل لضيق الدبلوماسية و الستراتيجية الإسرائيلية من النجاحات المتنامية لدبلوماسية دولة قطر وبما أدى لمحاصرة الدور و الدعاية الإسرائيلية في العالم ولأول مرة منذ إنشاء الكيان الصهيوني عام 1948 وحيث تعاني إسرائيل حاليا من إنكشاف سياسي واضح وغضب دولي متزايد وتغيير مواقف العديد من حلفاءها السابقين لصالح الموقف العربي و الفلسطيني كالنرويج مثلا التي خرجت عن الرؤية الإسرائيلية واعلن وزير خارجيتها عن تأييد بلده لدخول فلسطين كعضو مراقب في ألامم المتحدة وهو ما اثار اللوبي الإسرائيلي القوي الذي فسر ما حدث بكونه إنحياز نرويجي للجانب الفلسطيني، وجاءت أحداث غزة الأخيرة و الجرائم الصهيونية المتصاعدة والدور القطري الفاعل في الوصول لحالة التهدئة لتصب الزيت على النار بعد أن فضحت الدبلوماسية الإسرائيلية وتعرت تماما حتى من ورقة التوت أمام المجتمع الدولي رغم إستمرار الإنحياز الأمريكي السافر وهو إنحياز لم يغير أبدا من حقيقة إحتقار المجتمع الدولي للسياسة الصهيونية والتي سقطت للأبد سياستها التعبوية وحتى الأمنية بعد تهاوي نظرية الحدود الآمنة الإسرائيلية، ولعل هجوم الوزير الإسرائيلي على دولة قطر ينبع أساسا من حقيقة أن الدبلوماسية القطرية بتكيكاتها وطريقة إدارتها للملفات وطبيعة التوجه الإنفتاحي و التعامل المفتوح مع مختلف الملفات بما فيها الملف العربي/ الإسرائيلي وحيث مارست قطر سياسة واضحة لا تعتمد الدجل و الرياء أو تتخفى خلف الشعارات الثورية بينما تمارس في الخفاء كل أساليب الخديعة و التعامل السري، بل كانت واضحة و أقرت بحقائق الموقف الدولي و الإقليمي ولم تتهرب من التعامل المباشر مع إسرائيل بإعتبارها أحد الأطراف في الصراع الإقليمي وضربت في الصميم تلك النظرة السياسية المتخشبة وأقامت إتصالات علنية وفي ضوء الشمس ومعروفة ومكشوفة أوراقها للجميع دون الإخلال بالثوابت الوطنية والقومية وكسبت السياسة القطرية بذلك إحترام العالم وأثبتت أن المحاور العربي لايقل دهاءا ولا يفتقر للمناورة عن نظيره الغربي، وبرغم بعد دولة قطر الصغيرة عن ميادين الصراع المباشرة إلا أنها مارست فعلا مؤثرا عبر عن نفسه في المبادرات الدولية العديدة والتي كان آخرها في أحداث غزة وحيث سبق لأمير دولة قطر على هامش مؤتمر تنمية الشرق الأوسط في مايو الماضي في الدوحة أن حذر إسرائيل من إمكانية ضياع فرصة تحقيق السلام لأن العرب لاينتظرون للأبد ونصح الإسرائيليين بضرورة الإستفادة من المتغيرات الإقليمية والدولية في ترسيخ عملية السلام وإعطاء حقوق الآخرين بعيدا عن عقلية وأسلوب الحرب و المناورات والتي يمكن أن ترتد عليها وبالا، و لكن العنجهية الإسرائيلية كالعادة كانت سيدة الموقف، إذ كانت في السابق تستفيد من الخطاب العدواني العربي و الفارغ من أية مضامين حقيقية أو بدائل موضوعية، أما اليوم فقد تغيرت المعطيات وأضحى التواجد الدبلوماسي العربي و الخليجي و القطري تحديدا عنصرا ميدانيا فاعلا و مؤثرا في تحريك السواكن في الملف الفسطيني المفتوح، لقد أثيرت إتهامات عديدة و عدوانية و ظالمة ضد السياسة القطرية من أطراف عربية وهي حملة لا زالت مستمرة ولم تتوقف محاورها و لا ينتظر أبدا أن يخف مداها، وكان مركز الحملة يتركز على إتهام دولة قطر بتوسيع سياسة التطبيع و بكسر جدران الحصار العربي على إسرائيل بل أن البعض لم يتورع أبدا عن إشهار الإتهام بالتواطؤ والتعامل مع الموساد الإسرائيلي لتصفية المقاومة و المقاومين بينما الحقيقة تفصح عن نفسها عبر دبلوماسية فاعلة أدت في النهاية لنصرة المقاومة و لحصار الإسرائيليين ذاتهم في حبال حماقاتهم و عنجيتهم، قطر اليوم تمارس فعلا حضاريا وسياسيا كبيرا و مؤثرا، وعليها توقع المزيد من حملات البذاءة و الشتم و الكراهية و لربما الإيذاء من الداخل!! وهنالك أوراق عديدة يمكن التلاعب بها و تحريك شخوصها، ولكن ثمة حقيقة عارية و معلنة قد أسفرت عن وجهها الناصع تتمثل في كون دولة قطر قد إختطت سياسة منهجية جديدة و مختلفة مما أطار صواب الصهاينة الذين يعتمدون مقاييس قديمة في دراسة ردود الأفعال العربية، وكما نعرف فإن الأشجار المثمرة هي التي ترمى بالحجارة، ودولة قطر قد عرفت طريقها جيدا وقد تعود القطريون على حملات الشتائم لأن دور قطر في تنظيف العالم العربي من بقايا الفاشية حليفة الصهيونية قد تجاوز المألوف و المتوقع أيضا وهي اليوم قد أضافت الصهيونية العالمية لقائمة الأعداء و الخصوم التي تتوسع يوما بعد يوم، ومع كل الإحتمالات ماخفي منها و ماظهر تظل دبلوماسية دولة قطر مالئة الدنيا و شاغلة الناس حتى يقرر الله أمرا كان مفعولا...
[email protected]