أنا إنسان من لحم ودم..لم أقتل في حياتي دجاجة،,لا أطيق النظر في عيون الضعفاء حتى لو كان حيوانا،اتأثر مثل سائر البشر الذين يمتلكون أحاسيس ومشاعر إنسانية عندما أرى طفلا يتعذب، فكيف برؤيته وهو يقتل؟.ما ذنب النساء والشيوخ والأطفال وهم أضعف خلق الله حتى يستأسد عليهم حاكم ويستأصلهم من جذورهم وأرضهم، ويعتدي على أعراضهم ويتمادى في ترويعهم بل وقتلهم؟.
في لحظة إنفعال لما كنت أرصدها من مشاهد يومية مؤلمة لمئات القتلى يسقطون يوميا في سوريا بسبب عناد طبيب تستند مهنته الأساسية على الرحمة بالضعفاء والمرضى، ويفرض ضميره المهني عليه أن يساعدهم ويخلصهم من عذابات المرض، لا أن يعذبهم أو يقتلهم.

في تلك اللحظات التي كانت ضمائر العالم تهتز لهول تلك المشاهد، إلا من بعض العرب القومجية الخاسرين ضمائرهم أو حتى عروبيتهم،حيث أن مجرم دمشق تنكر حتى لأبسط مباديء القومية العربية عندما أباد شعبه العربي طوال سنتين متتاليتين،وضربهم بأبشع أنواع الأسلحة الفتاكة،بإستثناء هؤلاء القومجية الحالمين بضفاف الأندلس أو بأبواب القدس،كانت ضمائر كل البشر تهتز لروع ما ترى وتسمع من أهوال الحرب التي شنها طاغية دمشق بعون من روسيا ضد شعبه. فلولا الدعم الدولي المتمثل بروسيا وحدها على إعتبار أنها تمتلك حق الفيتو، لما تجرأ هذا الزعران أن يتوغل بجرائمه النكراء ضد شعب أعزل خرج لمجرد الهتاف والمطالبة بالديمقراطية وحقه في التعبير.

كتبت في هذا المنبرquot; إيلافquot; مقالا بلحظة إنفعال ودعوت الى طرد روسيا من عضوية مجلس الأمن،فتطاول علي البعض من القومجية يسفهون رأيي ويسخرون من مقالتي، ويضعون أنفسهم بصف المدافعين عن نظام دموي قاتل ومجرم، بل ويدافعون عن دولة هي بكل المقاييس مارقة عن المجتمع الإنساني مثل روسيا،لأن هذه الدولة طالما وقفت مع الأنظمة الدكتاتورية والشمولية القامعة للبشر في شتى بقاع العالم.
لقد كنت مدفوعا بمقالتي تلك من أن مهمة مجلس الأمن الدولي عندي وعند الآخرين أيضا هي حماية السلام العالمي،وتأسست الأمم المتحدة وهيئاتها ومنها مجلس الأمن في أعقاب الحرب العالمية الثانية على أساس أن تقوم بدور دولي فاعل لمنع وقوع الحرب في بلدان العالم، وإقرار السلم العالمي، ولكن كما إتضح أن الروس لم يقوموا بدورهم الأممي أبدا في أي قضية من قضايا العالم الملتهبة إلا لنصرة الأنظمة الدكتاتورية والإستبدادية،لم يسعوا يوما الى تحقيق الهدف الإنساني النبيل الذي أنشأت الأمم المتحدة وهيئاتها من أجل تحقيقه في العالم.

المهم قبل أيام خرج قيادي بالمعارضة السورية بتصريح وضع فيه مسؤولية إراقة دماء خمسين ألف سوري على عاتق روسيا،مؤكدا بأنهquot; منذ الفيتو الروسي،قتل في سوريا هذا العدد الهائل من البشرquot;. وهذه حقيقة موثقة، ولا أدري كم أضعافا مضاعفة لهذا العدد أصيبوا، وكم منهم بترت ساقه، أو فقأت عينه، أو قطعت ذراعه،وكم منهم تشرد وهجر،وكم من الأطفال تيتم، وكم من الزوجات ترملن،وكم واحدا من السوريين فقد عزيزا. أعتقد بأنه بحسبة بسيطة سنتبين تضرر لا أقول مبالغة عشرين مليون سوري، بل أؤكد بأن العدد يقترب من مليونين سوري على الأقل.
فيا لفداحة هذه الخسارة الفادحة وحجم التضحيات الذي قدمه هذا الشعب لمجرد أن المندوب الروسي صوت بكلمة واحدة( لا )؟!.
نعم أيها العربان المعلقين على مقالي السابق كلمة (لا) واحدة أزهقت أرواح خمسين ألفا، وأنتم قابعون بمنازلكم في عواصم العرب الأخرى ترتشفون الشاي أو القهوة، أو تتدثرون في فراشكم تحت أجهزة التكييف،والشعب السوري ينام تحت المطر يتوسد الحجر ويتدثر بأوراق الشجر.

هذا حدث في سوريا وقبلها في العراق،وقبلها في أفغانستان،وبعدها في الشيشان، لقد كانت روسيا دائما حامية للدكتاتوريات في العالم، بعد أن كانت في الخمسينات والستينات ملاذا للثوريين وكانت موسكو منارة لحركات التحرر العالمي.

أليس هناك حاجة اليوم لتعديل قانون مجلس الأمن.وإسقاط حق النقض عن جميع الدول إذا تعذر محاسبة الدول التي تتسبب بقتل الشعوب لأجل عيون شخص دكتاتور واحد تحت ذريعة عدم التدخل في الشؤون الداخلية؟.
ثم كيف يجوز ترك حاكم واحد يبيد شعبا دون أن يتحرك مجلس الأمن لوقفه وهذا أساس وهدف نشوء هذا المجلس الأممي، وما هي مسؤولية المجتمع الدولي عندما يتعرض شعب بأكمله الى الإبادة بيد حاكم مطلق واحد.قد يمتلكه الجنون بأية لحظة، أي معيار هذا؟!.
خمسون ألفا وقعوا صرعى كلمة واحدة إستخدمها المندوب الروسي، فهل دماء هؤلاء ماء حتى تستهين بها روسيا؟.بشار الأسد سيلقى جزاء ما إقترقت يداه كما ناله الدكتاتوريين الذين سبقوه، فهذه سنة الحياة،والقدر المقدور لكل طاغية متكبر جبار،أن يلاقي عقابه سواء في الدنيا أو الآخرة،ولكن كيف يسمح الضمير العالمي لدولة مثل روسيا أن تتسبب بقتل خمسين ألف شخص لمجرد إستخدام كلمة( لا ) بمجلس الأمن،ثم تتنصل عن مسؤولية هذه الجريمة الكبرى؟.أليست هناك قاعدة قانونية تقولquot; بأن المحرض على القتل هو شريك القاتلquot;؟ فلماذا لا تحاسب روسيا بهذا المنطق القانوني المعتمد في قوانين الأرض والسماء؟.
لو كانت روسيا ماضية في دعمها لهذا النظام الدموي الى آخر الشوط ، لهان الأمر، ولكن كما سمعنا فإن الرئيس الروسي أعلنها بصراحة تامة بأنه تخلى عن هذا النظام الدموي ورأسه العفن، فماذا سينفع هذا التراجع لكل عوائل الضحايا الذين قتلوا بكلمة واحدة من روسيا.

في هذا المقال أجدني أخاطب الضمير العالمي لكي تتحرك لوضع حد لهذه المهزلة التي تكررت لمئات المرات في العالم، وستتكرر لمئات مرات أخرى، عندما تستخدم ذريعة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول تبريرا لقتل الشعوب،فالقتل هو أعلى مراتب الإجرام التي يفترض على المجتمع الإنساني أن لا تسمح به وخاصة عندما تستهدف جماعات وشعوب، فلا قيمة لهيبة وسيادة دولة عندما يقتل الحاكم شعبه، ويوغل في دمائهم والعالم يتفرج.

وأدعو الشعب السوري الذي سيبني بالتأكيد مستقبله المشرق،ومعه جميع الشعوب العربية المتطلعة الى الحرية، الى مقاطعة البضائع والمصالح الروسية في بلدانها، لكي ترتدع هذه الدولة المارقة عن الإنسانية،وتعود الى رشدها،وتعرف بأن رهاناتها الخاسرة على الأنظمة الدكتاتورية ستجرعليها البلاء قبل أن تجرها على الشعوب التي لا بد أن تتحرر من قيد العبودية والدكتاتوريات الغاشمة.

[email protected]