من قال ان التجارب الديمقراطية في كل الكرة الارضية تمشي لمجرد التسمية او لمجرد توافر صناديق الانتخابات وحق التصويت والاختيار ، ان صدقت هذه quot; الرواية quot; فبئس لها من ديمقراطية تفتت الاوطان وتغيب عنها الضوابط وتختفي فيها الكوابح وتكون أداة لصناعة زعماء حرب ودول عشائر وعوائل حاكمة. هذا هو حال العراق اليوم صراع حقيقي وجوهري بين زعماء حرب وعوائل حاكمة معروفة ومكشوفة لدى كل العراقيين وبين راية الدولة التي يحملها السيد نوري المالكي و يحاول ويعمل بجد واجتهاد وعزيمة وقوة واصرار لتأسيس الدولة العراقية الحديثة ، دولة عراق مابعد نيسان 2003 ودولة مابعد خروج قوات التحالف ودولة تثبيت الدستور والقانون، لا دولة تثبيت الحجوم والتمدد على حساب الدستور وقضم الاراضي والمدن بين محافظة واخرى ولا دولة الجيوش والدبابات التي تتخندق على ارض العراق وبفلوس العراق لمحاربة الجيش العراقي الوطني كما حدث في الازمة الاخيرة بين الحكومة العراقية الوطنية والحكومة المحلية في اقليم كردستان. وبغض النظر عن متاهات الاسباب الشخصية والسياسية لهذه الازمة ومؤشراتها الخطيرة، فان لهذه الازمة جوانب ايجابية وان كانت quot; مؤلمة quot; للبعض لكن يجب الاخذ بها والتصرف على ضوئها مستقبلا.

بداية من الواضح ان الحكومة المحلية في الاقليم اصبحت تملك جيش وليس مجرد قوات حدود او افراد شرطة محلية كما ينص الدستور العراقي وان اختلفت التسميات بين بيشمركة او غيرها وهذا يستوجب موقف واضح وصريح من الجميع دون استثناء لوضع الامور في نصابها الحقيقي دون مجاملة او مداهنة او أنتهازية كما فعلت ذلك بعض الاطراف الاخرى من اوباش السياسة العراقية في هذه الازمة الخطيرة حين لبسوا ثوب الدعارة السياسية الانتهازية لدفع الامور باتجاه تأزيم الامور الى حدود الحرب او اسقاط الحكومة. ومن المفيد ان يعرف اقليم كردستان العراق ان وقوع الحرب محضور ولن يسمح للحرب ان تقع و تسفك دماء العراقيين او تتعمق الجراح بين المكونات العراقية مع مفارقة مضحكة مبكية ان الاسلحة التي حشدها الاقليم جاءت من ثروات ونفط أهل الجنوب و التي يحصل عليها الاقليم من خلال الموازنة السنوية الوطنية او غيرها من الابواب والمنافذ ومع ذلك كان من الممكن وفي اي لحظة ان تنطلق القذائف والرصاص لقتل ابناء الجنوب والعراق الذي كانوا يمثلون الجيش العراق الوطني ويقفون في الجانب الاخر ، بمعادلة بسيطة اولادنا يقتلون بثرواتنا !!لذلك هذا الامر بحاجة الى اعادة نظر سريعة وجوهرية لوضع النقاط على الحروف ، فاذا كان اكراد العراق يريدون دولتهم وهذا حقهم الانساني فليتفضلوا باخذ هذه الدولة والاعلان عنها دون سفك الدماء وزهق الارواح وعلى الحكومة العراقية فورا ايقاف نزيف الثروات العراقية التي يحصل عليها الاقليم ليشتري بها الاسلحة ويهدد بها الدولة العراقية والشعب العراقي. اما السيد الطلباني فيسجل عليه في هذه الازمة انه تصرف وكأنه زعيم كردي وليس رئيس لجمهورية العراق ومن المؤكد ان هذا السلوك افرغ الكثير من شحنات التقدير والدعم التي كان يتمتع بها في محافظات العراق الاخرى خاصة بعد ان توج هذا السلوك بايفاد السيدة زوجته لزيارة محافظ كركوك في توقيت غير سليم قد يكون اراد بذلك تسجيل موقف محلي ينافس به خصومه في الاقليم لكنه خسره الكثير على مستوى البلد العراق. ولابد من التذكير القوي ان السيد المالكي لم ياتي به مؤتمر اربيل لمنصبه السيادي بل جاءت به اصوات الناخبين وصناديق الاقتراع في الجنوب والفرات الاوسط وبغداد والمدن الاخرى وليس اصوات غيرها من المدن لذلك لاتفضل ولامنة من احد عليه.ثم انه الاول وطنيا بعدد الاصوات الشخصية دون منازع وهو جزء من التحالف الوطني الذي يمثل الاغلبية الساحقة للشعب العراقي وايضا دون منازع. وهو من أهل البلد وعمقه التاريخي والديني والحضاري والاجتماعي وهو أبن شريان العراق و مدن الخير في الجنوب والفرات الاوسط وبغداد وغيرها.ومن يريد ان يخرج المالكي من منصبه فليوفر الاصوات الدستورية اللازمة وليخرج كل الاخرين من مناصبهم بنفس الوقت فلن يبقى احد quot; يتبختر quot; في منصبه ، وتعالوا الى كلمة دستورية وقانونية و حرة حيث الانتخابات المبكرة وصناديق الانتخابات لتتجرعوا هزيمة اخرى.

يسجل للمالكي انه وقف في هذه الازمة وقفة تاريخية ووطنية وانسانية كبرى سيذكرها التاريخ له أذ تصرف بحكمة وصبر كبيرين وحلم قل مثيله مع وجود استفزازات عسكرية على الارض واخرى سياسية تكشفت معها وجوه تحمل من القبح والرذيلة السياسية مما تعجز من تحمله كل خانات المشين والمعيب.وهذه الحملة الاعلامية والسياسية المسعورة على المالكي أنما انطلقت كرد فعل لتمسكه بهذه السمات القوية وايضا لاصطدامهم بقوته وصلابته فوقفوا عاجزين فحاربوا الهواء وانتصروا!

اما الاستعراضات والصور العسكرية وبضع دبابات خائبة فادعوا الله مخلصا ان لاتكون أداة تحفيز عند البعض بانه أرعب عرب العراق وأهله فتلك quot; الجلافة quot; العسكرية مللنا منها وهي نكته لكن على أرض منبسطة ، وفات عليهم ان المالكي باقي في مكانه ويزيد الدولة العراقية قوة وبئس ومكانة وهو يمسك براية القانون والدستور والدولة لمن عصى فهذه امانة لابد منها. ولمجرد الاقتباس ان كان العراق مركب لايجد بعضهم مكانة لانفسهم به فتفضلوا الباب مفتوح ويسع اكثر مما تتصورون لكن دون سفك دماء ولا ضوضاء غير مبررة فالدم العربي والدم الكردي ودماء كل العراقيين والاخوة العربية الكردية وصفحات الجهاد المشترك والتعاطف المشترك أعظم واهم من كل شيء.