يخطيء من يدرك أن الخلاف الحاد بين تيار الإسلام السياسي وحلفائه، والقوى الوطنية الأخرى مجرد خلاف في الرأي، بل هو انقسام وتصدع في النسيج الوطني الواحد، قد يمثل خطرا على مصر كلها، السلم الأهلى مهدد، واستقرار الوطن يتعرض لموجات من المد العاتية التي قد تاتي بتسونامي يقضي على الأخضر واليابس، وأمن البلاد أصبح فى خطر، أجواء الارتباك والاحتقان والتخوين، والبلطجة السياسية تخيم على الاستفتاء على مشروع الدستور، ظهر ذلك في المرحلة الاولى من الاستفتاء يوم السبت الماضي، ولن ينتهي بانتهاء المرحلة الثانية والأخيرة يوم السبت المقبل 22 ديسمبر الجاري، وشتان ما بين هذه الاجواء وتلك التي سادت في الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011.

في ذلك الحين، كانت تجليات ثورة 25 يناير بما حملته من قيم أخلاقية وإنسانية رفيعة تملأ نفوس المصريين جميعاً، شعر أبناء مصر أنهم استردوا الوطن من نظام بغيض جثم على صدورهم ثلاثة عقود، خرجوا للمشاركة في بناء وطنهم بسعادة ورضا، لم يعكر من صفو هذه المشاركة سوى اللعب بعقول البسطاء من من جانب من باتوا في على رأس هرم السلطة اليوم فلا تحقق الاستقرار، ولم ينعم الشعب بالرخاء.
تمر الأيام ويطرح مشروع دستور جديد للاستفتاء فى أجواء مضطربة تنذر بمخاطر عدم الاستقرار تمثلت في الأتي:
اولاً: حالة من الاستقطاب الحاد بين من نزل الى الشارع رافضا مشروع الدستور، ووصل الرفض بالبعض إلى محاصرة القصر الرئاسي، والمطالبة بإسقاط رئيس منتخب، وهو أن تحقق سيُغرق البلاد في فوضى عارمة، ومن حشد الجماهير في ميدان نهضة مصر أمام جامعة القاهرة، وميدان رابعة العدوية، لتأييد مشروع الدستور، وقرارات الرئيس، وما سبق ذلك من مصادمات سقط خلالها نحو عشرة قتلى ومئات الجرحى.
ثانياً: عدم الثقة بين السلطة التنفيذية المتمثلة في مؤسسة الرئاسة والحكومة من ناحية، والسلطة القضائية، بشكل دفع الإخوان وحلفائهم إلى محاصرة مبنى المحكمة الدستورية العليا، فقرر القضاة تعطيل العمل في المحاكم، وانقسموا بين مشارك في الإشراف على الإستفتاء، ورافض للمشاركة، وهو أمر وضع الحكومة في حرج، فأصدر الرئيس مرسي قراراً جمهورياً بجعل الإستفتاء على مرحلتين، وهو ما عده رجال القانون مخالفة صريحة للإعلان الدستوري الذي استفتى عليه الشعب في مارس 2011، ما يفتح الباب واسعا للتشكيك في نزاهة الإستفتاء.

ثالثاً: حالة تربص واضحة بين تيار الإسلام السياسي من جهة، والمعارضة المتمثلة في جبهة الإنقاذ الوطني، وصلت إلى حد التخوين والاتهام بالعمالة، توجت بالهجوم على مقر حزب الوفد، وأضرام النيران فيه، من جانب أنصار الشيخ quot;حازم صلاح أبو اسماعيلquot;، ومحاولة إقتحام مقر التيار الشعبي بميدان لبنان بالمهندسين.

رابعاً: القاء التهم جزافا على من يعملون في وسائل الإعلام من فضائيات، وصحافة، والتحريض على اقتحام مقارهم، والإعتداء على عشرات الصحفيين المستقلين، ومحاصرة جماعة quot;أبو أسماعيلquot; لمدينة الإنتاج الإعلامي بهدف ترويع الإعلاميين.

خامساً: التخبط والإرتباك الواضح في عملية صنع القرار بمؤسسسة الرئاسة، فالرئيس أصدر ستة قرارات، ثم تراجع فيها، وهذا أعطي رسالة للمؤسسات الدولية بأن الاوضاع في مصر غير مستقرة، فهرب رأس المال الاجنبي وتراجع رجال الاعمال عن الاستثمار في هذه البيئة المضطربة.

في ظل هذه الاجواء ستخرج نتائج الاستفتاء، أما بquot;نعمquot; حين تحسب النتيجة بنسبة خمسين بالمئة من المشاركين زائد واحد أي اغلبية بسيطة، أو ب quot;لاquot; بنفس النسبة، وإما تصوت غالبية كبيرة من الناخبين بـlaquo;نعمraquo;، هو ما يعزز موقف الإخوان وحلفائهم، أو تصوت أغلبية كبيرة من الناخبين بـlaquo;لاraquo; ما يعزز موقف المعارضة.

في ظل هذه الأجواء من الأحقاد والضغائن، والشتائم والتخوين بالعمالة والعنف، وأياً كانت نتيجة الاستفتاء، فالمطلوب من الرئيس quot;محمد مرسيquot; الاستجابة لمطالب الشعب، وعلى رأسها إقالة حكومة quot;هشام قنديلquot; وتشكيل حكومة وحدة وطنية، تشرف على انتخابات مجلس النواب المقبلة، ولم شمل العائلة المصرية بتحقيق المصالحة الوطنية، وتكليف لجنة من فقهاء القانون الدستوري لصياغة المواد المختلف عليها في الدستور الجديد، واتخاذ الاجراءات اللازمة لاستعادة الثقة في الاقتصاد المصري، وبدء مرحلة جديدة من العمل والانتاج، بما يؤكد للعالم أن مصر باتت أمنة، وشرعت في طريقها نحو الاستقرار.

إعلامي مصري