منذ أن أصبح لدينا مجلسا للنواب منتخب بشكل ديمقراطي تشوبه كثير من آثام الماضي ومعاصيه، وتعفره مظاهر مواطنة العشير والقرية والمذهب، والعديد من فوارس هذا المجلس العتيد يتبارون مثل الديكة في حلبة للاستعراضات الدعائية حينما يشتد وطيس الخلافات والصراعات بين الأحزاب والكتل، حيث تتحول منابر الدائرة الإعلامية في مبنى البرلمان ومنصاتها إلى مهرجانات للخطابة يتسلقها أولئك الذين كانوا يعجزون من أن يتلوا نشيدا واحدا في المدرسة، والطريف انك تراهم يتجمعون حول خطيب يتوسطهم وهو يلقي خطبته العصماء، بينما يلتف حوله أعضاء من كتلته يتم توزيعهم كقطع الشطرنج من حواليه لكي يغيضوا ويرعبوا العدو المفترض، وفي كل هذه الاستعراضات تنهال التهم والادعاءات والتهديدات حتى ليضن المرء إننا قاب قوسين أو ادني من حرب عالمية ثالثة!؟

في الأزمة الأخيرة بين الإدارة الاتحادية في بغداد والإقليمية في اربيل، شهد المواطن العراقي استعراضات اكروباتيكية وخطابية دعائية من قبل الكثير من أعضاء مجلس النواب العراقي مثيرة للأعصاب تارة وتارة أخرى للسخرية، فهم جميعا أي هؤلاء النواب مجرد أعضاء في كتلة ما أو حزب معين، ولا يحملون صفة الناطق الرسمي أو المتحدث المخول، لكنهم يمارسون حريتهم في التزلف لقادة تلك الكتل والأحزاب، في استعراضات تملقية مثيرة للرأي العام، عملت على تعقيد الأزمة وتصعيد وتيرتها، بما ترك ظلا قاتما على المزاج العام للأهالي، وادخل البلاد في أجواء حرب بين الأشقاء، حتى انبرى احدهم وهو ليس أكثر من عضو مقرب من زعيم إحدى الكتل ليسمم الأجواء ويتناول زعيم كتلة أخرى بالسباب والشتائم والتهم الباطلة لكي يتقرب أكثر من زعيمه ويضمن مقعده النيابي لدورة أخرى.

لقد ساهمت بعض وسائل الإعلام الرديئة بنقل تصريحات هؤلاء النواب على مدار الساعة في خدمة مجانية لإشاعة أجواء مسمومة برياح حرب مفترضة، لو اتقدت لن تنطفئ إلا بسيول من الدماء، دون أن يمنعهم أي وازع أخلاقي ووطني في التحريض على الكراهية والأحقاد وتسميم مزاج الأهالي ونفسية المجتمع سواء في إقليم كوردستان أو في بقية أنحاء البلاد، حتى انهم عادوا الى ذات الثقافة التي حكمت هذه البلاد لما يقرب من نصف قرن وتجاوزوها في ادلجة عقائدية اعتبروا فيها الشريك الأساسي وملته من المارقين وأولاد الجن، بل هددوا بان أي حرب ستقع هذه المرة لن تكون بين الأكراد والسلطة بل بين العرب والأكراد، في سابقة لا مثيل لها منذ تأسيس الدولة وحتى سقوط نظام صدام حسين، حيث لم يتجرأ أي رئيس أو ملك أو قائد عسكري أن يصرح بأن القتال في كوردستان بين العرب والكورد.

وأخيرا لو ترك هؤلاء النواب منصات الخطابة وشاشات التلفزة وتوقفوا عن تصريحاتهم الاستعراضية في مسائل تتعلق بالمصالح العليا للبلاد، وتفرغوا لفضح احدهم الآخر في ملفات الفساد لكانت الفائدة اعم واشمل، بدلا من تصريحات تؤدي إلى إراقة الدماء والى تحويل مشروع بناء البلاد واعمارها إلى مشروع بناء دولة التصريحات!؟

[email protected]