لا أعتقد أنّ الكتاب والمثقفين والسياسيين العرب قد اختلفوا في السنوات المائة الماضية، بقدر ما اختلفوا حول طبيعة نظام الأسد الأب والإبن وممارساتهما داخل سوريا و في لبنان تحديدا. والملاحظ بموضوعية أنّه منذ دخول القوات السورية إلى لبنان عام 1976 واستمرارها إلى عام 2005، بشكل يقترب ظاهرا وباطنا وممارسة من الاحتلال المباشر، أنّ الخلاف بين تلك الفئات العربية نادرا ما اتخذ شكل أو طبيعة النقاش الموضوعي ونقض الحجة بحجة بديلة، بل طغت الاتهامات المتبادلة التي كانت وما زالت أقلها وأبسطها الاتهام بالخيانة والعمالة والتواطؤ. وقد انعكس ذلك من طبقة الكتاب والمثقفين والسياسيين على جمهور القراء والمعلقين على كتابات الكتاب من مختلف الاتجاهات، فيندر أن لم يتهم علمانيون وليبراليون وإسلاميون بالخيانة والعمالة، ومنهم كتاب إسلاميون مشهورون لهم تاريخ طويل وعميق في الفكر الإسلامي. وتتفق الغالبية أنّ هذه الظاهرة التي تشبه صراع الديوك لا توجد إلا في الثقافة العربية، ولها ما يدعمها في الثقافة الشعبية فمن الأمثال الشعبية الدارجة في غالبية الأقطار العربية: (خذوهم بالصوت العالي قبل أن يغلبوكم)، أي أنّه لا داعي للمناقشة بحجج نقيضة بل الرد بالصراخ والصوت العالي الذي غالبا ما يتضمن الاتهامات والشتائم والضرب باللكمات السريعة في البرامج التلفزيونية المباشرة. والمثل الشعبي الثاني هو (أنا على أخوي وأنا وأخوي على ابن عمي). تصوروا هذا المثل يعني أنّ الأخ يمكن أن يكون عدوا في لحظة ما، ولكن إذا حصلت مشكلة مع ابن العم في تلك اللحظة فالأخوان العدوان معا على ابن عمهما.
ونعود إلى الخلاف حول نظام الأسدين الأب والإب
أنا أرى أنّ هذا الخلاف المحتدم لدرجة الحرب الساخنة وليست الباردة بين مؤيدي النظام من السوريين والعرب وبين خصومه أيضا من السوريين والعرب، سببه هو عدم الاحتكام لمناقشة مسيرة هذا النظام بعقلانية وحقائق، مع الاعتراف مسبقا وبصراحة أنّ هذا لا يعني أنّ غالبية الأنظمة العربية أفضل منه ممارسة وحرية وديمقراطية وخلوا من الفساد والقمع والسجون. لذلك ومحاولة مني للوصول لقواسم مشتركة بين مؤيدي النظام وخصومه من السوريين والعرب، سأضع أسئلة حول مسيرة وتطبيقات هذا النظام منذ عام 1970 حتى اليوم، وليجب عليها المؤيدون والخصوم، ومن خلال الأجوبة يمكن الوصول لقواسم مشتركة هدفها سلامة سوريا وأمن الشعب السوري، وهذا الهدف لا أعتقد يختلف عليه المؤيدون والخصوم. وأسئلتي التي تنتظر الإجابة هي:
1 . صحيح أنّ انقلاب حافظ الأسد عام 1970 لم يكن الانقلاب الأول في سوريا وأقطار عربية أخرى، ولكن على من تمّ هذا الانقلاب؟. هذا هو السؤال المهم الذي من خلال الإجابة عليه يمكن توصيف شخصية حافظ الأسد التي تتميز بالغدر بأقرب الأصدقاء الذين خدموه وساعدوه.من المعروف أنّ حافظ الأسد كان قد تمّ فصله من الجيش السوري بعد استيلاء حزب البعث على السلطة في انقلاب الثامن من مارس 1963، وأعاده إلى الخدمة العسكرية الرفيق صلاح جديد وقام بترقيته من رتبة رائد إلى رتبة لواء وعيّنه قائدا للقوات الجوية. وفي عام 1966 قاد صلاح جديد انقلابا على القيادة القومية لحزب البعث، وسلّم حافظ الأسد وزارة الدفاع، ومن خلالها تمّ سقوط واحتلال الجولان المعروف، وحمّل صلاح جديد هذه المسؤولية لحافظ الأسد الذي يكفيه فضيحة إعلانه سقوط الجولان قبل سقوطه فعلا بأربعة وعشرين ساعة. وبعد ذلك في عام 1970 عقد صلاح جديد اجتماعا للقيادة القطرية التي قررت بالإجماع إقالة وزير الدفاع حافظ الأسد ورئيس الأركان مصطف طلاس من منصبيهما، فكان ردّ حافظ الأسد أن قام في نوفمبر 1970 بانقلابه العسكري المعروف واضعا رفيقه صلاح جديد والرئيس نورالدين الأتاسي في السجن. وتخيلوا أن حافظ الأسد يصرّ على بقاء رفيقه صلاح جديد وابن طائفته العلوية ثلاثة وعشرين عاما في السجن إلى أن توفي في التاسع عشر من أغسطس 1993 . فهل صاحب هذا السلوك يمكن أن يؤتمن على الشعب السوري؟.
2 . ذكرت في مقدمة المقالة المثل العربي القائل (أنا على أخوي....)، وهذا يفسر الصراع بين الأخوين حافظ ورفعت على السلطة عام 1984 حيث حاول رفعت القيام بمحاولة انقلاب على أخية كي يستأثر وحده بالسلطة، ولمّا اكتشف حافظ هذه الخطة طرد أخيه رفعت من سوريا مع جمهرة من مؤيديه لفترة زادت عن ستة شهور، فتفجرت الخلافات على السلطة والمال من جديد فتم طرد رفعت من قبل أخيه حافظ نهائيا من سوريا في عام 1985 ولم يسمح له بالعودة إلا لساعات في عام 1992 للمشاركة في جنازة والدته. فما هو رأي مؤيدي الأسود في هكذا صراعات بين ألإخوة؟ هل هي من أجل تحرير الإسكندرونة والجولان وفلسطين أم من أجل السطو على ثروة الشعب السوري ومصادرة حرياته؟. ومنذ عام 1992 ورفعت الأسد مطرودا من سوريا ولم يسمح له بالعودة للمشاركة في جنازة طارده أخيه حافظ الأسد في يونيو عام 2000، وما زال مطرودا مع كافة أبنائه وعائلته وممنوع من إبن أخيه الرئيس بشار من العودة لسوريا، طبعا بعد أن سرق وهرّب مليارات من الدولارات، تشهد عليها أملاكه وقصوره في ماربيا الأسبانية وباريس ولندن. هل هذا سلوك عائلة تؤتمن على خمسة وعشرين مليونا من الشعب السوري؟
3 . السجون والمعتقلون السوريون والعرب
هل يجرؤ المصفقون والمطبلون لنظام الأسدين من العرب والسوريين أن يفتحوا ملفات المعتقلين السوريين والعرب في سجون الأسدين من عام 1970؟. من يتخيل في أي قطر وجود ألاف من المعتقلين العرب والسوريين واللبنانيين الذين اختفت آثارهم مما يزيد على أربعين عاما، وغير معروف إن كانوا أحياءا أم أمواتا؟. كم عدد المعتقلين بعد ثورة الشعب السوري في الخامس عشر من عام 2011؟. ألا يزيد عددهم حسب العديد من التوثيقات عن خمسة وأربعين ألفا؟. ما ذنبهم سوى أنهم طالبوا بحرية وكرامة الشعب السوري والكف عن نهب ثرواته من الأسد وعائلته وأصهاره؟. وما يصيب بالدهشة والخيبة أن أردنيين ينافقون ويدعمون هذا النظام وهم يعرفون أسماء وعائلات ما لا يقل عن مائتي أردني مختفين ومفقودين في سجون الأسد مما يزيد على ثلاثين عاما. أليس هذا نفاق وازدواجية في المعايير؟. والمدهش أن بعض هؤلاء المصفقين نظّموا حتى اليوم ما يزيد على 103 اعتصاما أمام جامع الكالوتي في عمّان ضد وجود السفارة الإسرائيلية، متناسين بتعمد غير مسبوق مباحثات الأسدين مع دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ ما يزيد على أربعين عاما في العديد من الدول خاصة الولايات المتحدة وتركيا. فلماذا مباحثات الإسدين مع الإسرائيليين ممانعة ومقاومة؟ لذلك لم ينظّموا مظاهرة واحدة ضد مباحثات الأسدين مع دولة الاحتلال الإسرائيلي؟. وأقولها بصراحة أنّه من حق هؤلاء المواطنين الأردنيين التعبير عن رأيهم والاعتصام والاحتجاج وهاهم فعلا مستمرون فيه، ومن حقهم أن لا يتعرض لهم الأمن الأردني أو يعتقل أحدا منهم، وهذا ما يحدث فعلا منذ ما يزيد على مائة جمعة، فلماذا لا يطالبوا أسدهم بشار بمعاملة المواطنين السوريين بالمثل، وهم يتظاهرون ويعتصمون من أجل حرية التعبير والكرامة وضد الفساد؟. لماذا ما هو مسموح لهم في الأردن حرام في نظرهم على الشعب السوري ويسمونه مؤامرة؟. وكذلك المصفقون للأسد من الفلسطينيين، هل يجرؤون على الرد أو الإجابة على الحقائق التي ذكرتها في مقالتي بعنوان (سجل نظام الممانعة الأسدية في دعم المقاومة الفلسطينية) بتاريخ الثالث عشر من نوفمبر لعام 2011؟. وفيها رصد موثق لجرائم نظام الأسدين الأب والإبن بحق الفلسطينيين أفرادا ومنظمات في سوريا وفي لبنان تحديدا ترقى لجرائم إبادة جماعية..فأين ضميركم الفلسطيني؟ وكيف تصفقون لهذا الطاغية وأبيه؟. إذهبوا إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان واستمعوا لحقائق جرائمهما خاصة في حروب المخيمات وحصار طرابلس عام 1983 .
4 . الفساد ونهب ثروة الشعب السوري
هل يجرؤ هؤلاء المصفقون والمطبلون على الإجابة على سؤال: من أين هذه المليارات لعائلة بشار الأسد وأخواله (آل مخلوف) وهم الذين جاءوا من القرداحة عام 1970 إلى دمشق، وهم لا يملكون سوى القمصان التي تستر أكتافهم؟. كيف أصبحوا يمتلكون هذه المليارات والسيطرة على ما يزيد عن ستين بالمائة من ثروة واقتصاد الشعب السوري؟.
5 . هل يملك أي من المصفقين لهذا الأسد تفسيرا وقبولا لتغيير ما يسمى زورا الدستور على مقدار عمر بشار عام 2000 ليتم توريثه بعد ثلاثين عاما من ظلم وقتل أبيه لألاف من الشعب السوري؟ أستصرخ ضمائركم إن وجدت كيف تقبلون توريث الإبن في نظام يدّعي أنّه جمهوري؟ هل خلى الشعب السوري من مؤهلين للرئاسة إلا هذه العائلة الأسدية على الشعب السوري واللبناني والنعامة الجبانة أمام الاحتلال الإسرائيلي للجولان؟.
لذلك أمل النقاش والرد بحقائق مغايرة
إن وجدت لدى مؤيدي هذه النظام كي يمكن الوصول لقناعات مشتركة، أمّا أسلوب الشتائم والاتهامات فهو أسلوب من لا يملك القدرة والمعلومات على نقض ما ورد من حقائق موثقة يعرفها الشعب السوري وعاشها ميدانيا. ويبقى الدعاء والأمل والإصرار في زوال ديكتاتورية الأسد ونظامه، وكل نظام على شاكلته في الأقطار العربية وغيرها، فالشعوب كلها تطلب الحرية والكرامة والعدالة.
[email protected]
التعليقات