يعيش الأردن في ظلّ النظام الملكي رسميا منذ موافقة الأمم المتحدة على الاعتراف بالأردن كمملكة مستقلة في الخامس والعشرين من مايو 1946 عقب انتهاء الانتداب البريطاني، وإعلان البرلمان الأردني الملك عبد الله الأول (المؤسس) ملكا للبلاد. أي أنّه بهذه الصفة الملكية تمرّ اليوم على الأردن قرابة 56 عاما باسم (المملكة الأردنية الهاشمية)، يسبقها حوالي 25 عاما أيضا في ظل حكم الأمير عبد الله ابن الحسين ، الملك عبد الله لاحقا أي ما مجموعه قرابة ثمانين عاما. وهي سنوات ليست قليلة في عمر أية دولة من الدول، خاصة أن أعمار الدول لا تقاس بمددها الزمنية فحسب بل الأهم إنجازاتها في أرض الواقع، وهذا ما يجعل الدارسون لتاريح الدول والشعوب لا يتوقفون عند نوع الحكم ملكيا أم جمهوريا بل عند ما أنجزه هذا الحكم لبلده وشعبه. فهناك دول ملكية من الدول العظمى في العالم وهناك دول ملكية تدخل في عداد الدول المتخلفة أو الفاشلة بمقاييس العصر. وكذلك هناك دول جمهورية من الدول العظمى والمتقدمة في العالم ودول جمهورية فاشلة متخلفة لا يليق بها أية تسمية فهي خارج نطاق العصر ملكيا أم جمهوريا. إذن لا تهم تسمية النظام بل الأهم هو ما أنجزه في ميدان الواقع، وضمن الواقع الأردني لنسيج المجتمع يتم طرح السؤال المهم وهو،
لماذا استمرارية النظام الملكي ضرورة أردنية؟
إنّ مكونات نسيج المجتمع الأردني ربما لا يوجد لها مثيل في غالبية الأقطار العربية، وأعنّي بذلك كون هذا النسيج يتكون من مزيجين هما العشائر الأردنية العريقة في هذا الوطن وترابه ولها امتدادات في الدول المجاوره منذ أن كانت صفة العشائر العربية عموما في كافة الأقطار التنقل والترحال، لذلك من الطبيعي ان تجد نفس اسم العشيرة في أكثر من قطر عربي سواء جمعتهم القرابة أم مجرد الإسم، ولكن هذا الإسم الواحد يدلّ على أنّ الأصل واحد مهما كان التاريخ بعيدا. والمزيج الثاني في نسيج المجتمع الأردني كونه يحتوي العديد من الأصول والمنابت حيث تجد الأردنيون أبا عن جد من أصول شرق أردنية و شامية وكردية وشاشانية وشركسية وفلسطينية وغيرها. هذا النسيج المجتمعي المعتمد على العشائر والعديد من المنابت والأصول لا يمكن تجميعه تحت مظلة واحدة متفاهمة منسجمة إلا تحت سقف نظام ملكي يعتمد على مساواة الجميع بغض النظر عن انتمائهم العشائري أو المنبت والأصل.
وهذا ما يمكن القول أنّ النظام الملكي في الأردن تمكن من تحقيقه بنسبة عالية، بدليل مستوى الإنجازات الأردنية طوال نصف القرن الماضي خاصة في مجالات البنية التحتية والصحة والتعليم وبناء المؤسسات في بلد يفتقر إلى الموارد الطبيعية بما فيها المياه التي هي من أهم حاجات الحياة الطبيعية للمواطن، ورغم ذلك تمكن هذا البلد تحت مظلة النظام الملكي من استمرارية حضارية راقية قياسا بأقطار عربية تمتلك مئات أضعاف قدراته المادية والطبيعية. ويمكن لمن يريد التثبت من هذا القول أن يقارن وضع ومستوى العناوين التالية في المملكة الأردنية وغيرها من الأقطار العربية، دون أن يعني ذلك القصد من الإساءة لأي قطر عربي، فالمقصود هو التحقق من انجازات كل قطر عربي التي يفترض أن تصبّ في النهاية لمصلحة المواطن. هذه العناوين ومجالاتها هي:
1 . المؤسسات الصحية والطبية الأردنية.
2 . الجامعات و كليات التعليم العالي الأردنية.
3 . نسبة الأمية في الأردن.
4 . حرية التعبير والرأي في الأردن.
5 . التعددية السياسية والحزبية منذ عام 1989 .
5 . السجناء السياسيون والمعتقلون بدون سبب منطقي.
ضمن المستوى الذي تحقق في المملكة الأردنية تحت سقف النظام الملكي في المجالات السابقة يمكن تصنيف المملكة ضمن قائمة الأفضل في الدول العربية.
على ضوء متطلبات الربيع العربي،
الذي انطلق ضد الظلم والطغيان والقمع ومصادرة أبسط حقوق الإنسان خاصة في ظلّ أنظمة استبدادية حكمت شعوبها بالدم والقمع طوال ما يزيد على 42 عاما رغم أنّها تحمل صفة واسم جمهورية، نستطيع القول بدون مجاملة أنّه لا يمكن المقارنة مطلقا. فمن يتصور حجم الانقلابات والإعدامات والمقابر والقتل اليومي للمواطن في ظل هذه الأنظمة مقارنة بحياة مستقرة عاشتها وتعيشها المملكة، بدون انقلابات عسكرية أو سجناء سياسيين ومفقودين بالآلآف وتكميم أفواه لم يعرفه تاريخ العصور الوسطى أو الحجرية. إنّ مستوى حرية التعبير وما يكتب في الإعلام الأردني المقروء والإليكتروني ضد الممارسات الخاطئة للمسؤولين الحكوميين خاصة الوزراء لا يمكن تصديق أنّه يكتب وينشر في قطر عربي دون الزج بكاتبه في السجون والمعتقلات. وكذلك التعددية السياسية منذ عام 1989 التي أتاحت لكل من يريد أن يؤسس حزبا إذا استوفى الشروط المطلوبة، وهذا ما أنتج ما لا يقل عن عشرين حزبا أردنيا رسميا، أيا كان حجم أغلب تلك الأحزاب وحضورها الجماهيري.
ماذا يحتاج ترسيخ شعبية النظام الملكي الأردني؟
من يتابع الحراك الشعبي الأردني خاصة من خلال قواه الفاعلة ذات الحضور الجماهيري مثل الحركة الإسلامية و ذراعها السياسي ( حزب جبهة العمل الوطني ) يستطيع القول أنّ هذا الحراك الجماهيري ، يدعم استمرار النظام الملكي لكنه يطالب بإصلاحات حقيقية تحت سقف هذا النظام خاصة في الميادين التالية:
1 . تطوير الإصلاحات الدستورية التي أعلن عنها أخيرا بما يحقق المزيد من الرغبات و التطلعات الجماهيرية، التي تكاد تجمع على رفض ما يسمّى ( قانون الصوت الواحد ) المتعلق بسير الانتخابات البرلمانية الأردنية، مع وضع الضوابط التي تضمن نزاهة الانتخابات بصورة شفافة لا تشوبها أية عمليات تزوير، وهذا ليس صعبا عند تحقق الإرادة لذلك في مؤسسات ذوي القرار.
2 . التعجيل بالبت الفعلي في قضايا الفساد التي لم تعد سرا بل تم فتحها من خلال هيئة رسمية أردنية هي ( هيئة مكافحة الفساد )، وإعادة الأموال المنهوبة لخزينة الدولة ومحاسبة حقيقية لمن قاموا بهذه السرقات. ولا يمكن التستر على هذه القضايا التي أصبحت أغلب ملفاتها ومعلوماتها قيد معرفة المواطن الأردني. وقد تمثلت الجرأة في مناقشة هذه الملفات أن تطال من خلال ما عرف بملف ( الفوسفات ) اشخاصا ذوي علاقة مصاهرة مع العائلة المالكة، ورغم ذلك طالتهم سهام النقد الحادة القاسية دون رحمة أو خوف، وهذا من النادر حدوثه في العالم العربي. وعلى إثرها استقال وليد الكردي رئيس مجلس إدارة مناجم الفوسفات، ورغم الاستقالة ومصاهرته مع العائلة المالكة ما زال الملف مفتوحا للمناقشة والمحاسبة دون تهديد أو ابتزاز من أية جهة.
3 . المزيد من الشفافية في التعامل الأمني مع المواطن، وذلك من خلال ترسيخ القانون وحصر دور الأجهزة الأمنية في ميدان حفظ الأمن فقط بعيدا عن أية تدخلات في الملفات السياسية والبرلمانية وغيرها. ويتحمل المواطن والمجتمع دورا مهما في هذا المجال من خلال الاحتكام للقانون بعيدا عن المنطق العشائري الذي مع احترامنا لكافة العشائر الأردنية التي بنت هذا الوطن، إلا انّه من الأفضل أن يتم الاحتكام للقانون والقضاء وليس الصلح والعرف العشائري.
إنّ تحقيق المتطلبات الشعبية السابقة من شأنه أن يعزز مطالب غالبية الجماهير التي تدعم بقاء النظام الملكي الأردني، وتطالب بإصلاح النظام السائد فقط، وهذا ما يجعل مطالب الربيع الأردني مختلفة عن مطالب شعوب عربية أخرى كان شعارها وما زال ( يلا...إرحل يا....) فرحل زين العابدين بن علي، وحسني مبارك، وعلي عبد الله صالح، ومعمر القذافي رغم اختلاف طرق الرحيل، وما زالت شعوب أخرى تنتظر هذا الرحيل رغم سيول الدم وعدد القتلى والضحايا منذ أكثر من عام.
معلومة ربما لا يعرفها غالبية الأردنيين والعرب
المملكة النرويجية الحالية وعاصمتها أوسلو، عرفت كدولة مستقلة عام 1905 عندما انفصلت سلميا عن المملكة السويدية التي كانت جزءا منها أو ملحقة بها منذ عام 1814 ، وقبل هذه السنة كانت النرويج ملحقة بالدانمرك طوال فترة 436 عاما. بعد الانفصال عن السويد اختار الشعب النرويجي عبر استفتاء شعبي النظام الملكي الدستوري. فمن أية عائلة نرويجية سيتم اختيار الملك؟. من المؤكد أنّ كل عائلة تطمح أن يكون الملك منها، وهذا سيغضب بقية العائلات فما الحل؟. ارتأت الحكومة النرويجية آنذاك أن تستعير ملكا من الدانمرك، فعرضت على الأمير الدانمركي quot;كارلquot; أن يكون ملكا للملكة النرويجية المستقلة، فوافق وتم تنصيبه ملكا على البلاد بإسم ( هاكون السابع ) امتدادا لأسماء العائلات الملكية الدانمركية في العصور الوسطى، وظلّ ملكا للملكة النرويجية حتى عام 1957 أي طوال 52 عاما.أمّا الملك النرويجي الحالي ( هارالد الخامس ) فهو من مواليد النرويج عام 1937 وتولى الحكم عام 1991 خلفا لوالده الملك ( أولف الخامس ). لذلك فالأساس هو نوعية النظام الملكي ومصداقيته بين مواطنيه وليس أصله طالما الشعب يرتضيه ويدعم بقاءه واستمراريته.
[email protected]
التعليقات