تعددت المؤتمرات والموت في سورية واحد، الصمت ثقيل في مواجهة الترهات التي تجري في أروقة الفنادق وقاعات المؤتمرات الكثيرة والمتشابهة حتى بات من الصعب التمييز بينهم من حيث المشاركين، البيانات وما إلى ذلك.

الحديث حول مواقف تصدر عن نظم، جهات، أو شخصيات في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة من تاريخ سورية بلدنا الجريح أمر لا بد منه، بل هو واجب. في الوقت الذي يمضي فيه شعبنا السوري الأبي في مسيرته مصرا على تحدي همجية النظام في تعاملها الوحشي مع الانتفاضة السلمية التي أرغم قسم منها على حمل السلاح في سبيل مواصلة النضال ضد قوى الشر ببسالة تذهل العالم، يجتمع نادي أصدقاء سورية في باريس تزامنا مع العطل الصيفية في مؤتمر يتحول إلى عادة بدأنا نألفها شئنا أم أبينا. قرابة المائة دولة تناقش الأزمة التي ألمت بصديقتهم ويتباحثون سبل التوصل إلى الإجراءات الأنجع لاتخاذها وبالتالي التوصل إلى وقف نزيف الدم والاتفاق على موعد اللقاء القادم في المغرب!

المؤتمر جاء تزامنا مع الأعطال الصيفية و في أعقاب اجتماع القاهرة الفاشل بكل ما أوتي من معنى. قرابة العام والنيف، ليس أقل من 20000 ألفا من أرواح السوريين أزهقت، عشرات الآلاف من الجرحى، المفقودين، المعتقلين، مئات الآلاف من اللاجئين، ما يقارب المليون والنصف من السوريين نازحين داخل بلادهم ويسعد صباحكم يا معارضة تريدون الآن أن تخرجوا إلى العالم بوثيقة عهد للشعب السوري، للمنطقة والعالم وثيقة تظهر فيها ملامح سورية المستقبل سورية بدون الأسد.

التصريحات التي صدرت مؤخرا عن الناطق باسم الجيش الحر الذي أكد على عدم تمثيل المعارضة الخارجية للحراك الداخلي وبأن تلك المعارضة لا ترقى إلى مستوى الأحداث تعطي أكثر من دلالة يجب ذكر بعضها: الأولى تدل فعلا على الوهن الذي يعانيه المجلس الوطني السوري وضعف تواصلها مع ثورة الداخل، لكن الأهم في تصريحات الجيش الحر هو محاولته الاستيلاء على المهام المنوطة بالأطراف السياسية وهذا كله أن دل على شيء فهو يدل على ضعف الجانب السياسي للمعارضة الذي من المفروض أن يمثله المجلس المذكور بكل ما أوتي من دعم دولي هائل.

انسحاب الكرد قبل صدور الوثيقة النهائية من مؤتمر القاهرة هي إحدى الانتكاسات التي تكررت دون العمل على تداركها من خلال حوار بناء. هذا أيضا يدل على عدم استقلالية قرار المجلس وعدم استيعاب حجم الأهمية البالغة في توحيد القوى بين كافة المكونات السورية. نصف قرن من التعاليم البعثية والسطو على الأذهان لا تزول بهذه السهولة فرواسب تلك المدرسة باقية عند الكثيرين من المعارضة راقدة في اللاشعور تظهر جليا عند التطرق لقضايا قومية تتعلق بوجود شركاء آخرين على الأرض مثل الشعب الكردي.
الكرد مطلوب منهم الوضوح التام في الرؤى والمواقف بشكل لا يقبل الشك والتأويل، التأكيد والطمأنة لباقي المكونات السورية بأنهم شركاء في الوطن وجزء هام من فسيفسائها وما يريدونه هو الاعتراف الدستوري بالحقوق القومية كشعب له لغته، تقاليده وتاريخه المسترسل في القدم مع التشديد ألف مرة على عبارة ضمن حدود الدولة السورية الواحدة.
الحقيقة التاريخية هي أن لا العرب ولا الكرد ولا الاثوريين أو غيرهم من شعوب المنطقة هم من وضعوا الحدود الحالية لسورية بل الأوروبيين تحديدا فرنسا و بريطانيا في معاهدة سايكس بيكو المعروفة 1916 باقتسام الهلال الخصيب و تركة الرجل المريض (الإمبراطورية العثمانية) خلال الحرب العالمية الأولى. نحن الآن في داخل تلك الحدود التي رسمها غيرنا، علينا أن نسعى معا لإيجاد أطرا تساعدنا على العيش الكريم معا وليس أطرا تؤلب أحدنا على قتل الآخر بحجج قومية عنصرية أو تحت أي مسمى كان. نحن شركاء في وطن واحد.

الكردو فوبيا التي أصبحت ملازمة للمعارضة والتي تعيد أطيافها المختلفة إلى الممرات الضيقة لفكر البعث الشوفيني سيان في ذلك العلمانيون والإسلاميون آن الأوان لتجاوزها.
المرحلة حساسة جدا وعلى الفصائل المنادية بالحرية أن تتغلب على الموروثات النتنة التي بقيت مترسبة والتي تسبب الشقاق وتعمق الخلافات.الطرف الكردي عليه أيضا التخلص من حالة الهروب المتمثل بالانسحابات المتكررة بل على النقيض، القوى الكردية الفاعلة عليها الاستمرار في المعركة المصيرية التي يخوضها شعبنا البطل في الداخل الذي يواجه آلة القمع الغاشمة والعدو الحقيقي لكافة السوريين بمختلف أطيافه.

كجزء لا يتجزأ من الحراك على الكرد السوريين ليس فقط أن يفكروا في المناطق الكردية بل بعموم سورية من جنوب درعا حتى ديريك و أن يكونوا شركاء في صنع القرار على مستوى سوريا بأكملها وجزءا لا يتجزأ من العاملين على صياغة الملامح الرئيسية لسورية المستقبل التي نحبها جميعا لكي نراها دولة القانون والمواطنة والتعددية في دمشق ما بعد الأسد.
الدول الكثيرة الذين اجتمعوا في باريس بدون روسيا والصين خرجوا من المؤتمر كما كان متوقعا بالمزيد من التصريحات والبيانات الجوفاء وما إلى ذلك من قرارات هزيلة.
لم يقدموا بدائل للتعاطي مع الأزمة خارج مجلس الأمن المعطل عن العمل بموجب الفيتو الروسي، الصيني.

لم يتخذوا أية إجراءات ضد روسيا الدولة الأساسية التي لولا دعمها المباشر والقوي لنظام البعث لانتهت محنة الشعب السوري العصيبة منذ أمد بعيد.
مرة أخرى حتى الآن لم يبذل المجتمع الدولي الجهد الكافي لوقف آلة القتل ضد شعبنا ولن يفعل ما فيه الكفاية ما دامت المعارضة أكثر من مشتتة و مادام أحدنا يريد أن يلغي الآخر. حان الآن وقت الصحوة الحقيقية، بوابة النصر مغلقة بإحكام، القفل الضخم بيد روسيا لكن مفتاحها هو تلاحم الشعب السوري و وحدته.

مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]