لم يطل شهر العسل طويلا بين الرئيس المصري المنتخب ذو الخلفية الإخوانية الدكتور محمد مرسي والمجلس العسكري المصري الذي يمثل من حيث الواقع الميداني الإستمرارية العملية لثورة أو حركة 23 يوليو 1952 ، و الذي بحكم الواقع و الضرورة لا يمكن له أبدا أن ينسحب من الميدان المصري و يتركه لأهواء الشارع و للرياح الثورية المتغيرة التي تسود فيه و تعصف بأنوائه في واقع محلي و إقليمي و دولي يتسم بالتوتر و الأجواء غير المريحة وكل عوامل القلق و الفوضى.

فقرار الرئيس المصري المنتخب بنقض حكم المحكمة الدستورية و إعادة البرلمان الملغي للحياة يمثل تطورا خطيرا على صعيد تثبيت قوة السلطة التنفيذية الرئاسية مهما تعارضت مع أحكام و توصيات و آراء أخرى ، كما أنه يشكل تحديا حقيقيا لقيادة الجيش المصري العليا التي خسرت معركة الرئاسة و رفعت الأعلام البيضاء تكتيكيا و لكنها في النهاية لم تعترف بالهزيمة الكاملة و الستراتيجية في حرب الديمقراطية الوليدة التي كانت على الدوام و منذ عام الإنقلاب على فاروق الأول و الأخير ملك مصر و السودان العنوان الثابت لكل التطورات الداخلية المصرية الخطيرة و التي كلفت مصر ستين عاما من الحكم العسكري المباشر عاشت خلالها تطورات مجتمعية و سياسية كبيرة جدا ، وعانت من الهزائم العسكرية وفترات الحكم الدكتاتوري و التدهور الإقتصادي الذي رسم واقعا مصريا جديدا و مختلفا إنفجر بالكامل في 25 يناير 2011 عبر الثورة الشعبية التي أطاحت بحكم الفريق حسني مبارك ولكنها أبقت على المشير محمد طنطاوي ليكون صانع الملوك الجدد و المشرف على التغيير الحذر ، و لكن ليس بالصفة الأتاتوركية المعروفة بل وفقا لصيغة جديدة لم يقدر لها أن تسود و تفرز واقعا جديدا حتى اليوم ، لقد فجر الرئيس ( مرسي ) قنبلة صوتية كبيرة و أطلق بالون إختبار شديد جدا على صعيد تقرير قوته الميدانية و سحب البساط من تحت أقدام الجنرالات الذين يتخفون اليوم تحت اليافطات الدستورية و لكنهم في النهاية لابد أن يكشروا عن أنيابهم و يشهروا أظافرهم وبما قد بشكل حالة جديدة من التصادم الإخواني / العسكري لن يكون مشابها بالقطع كما فعل جمال عبد الناصر ، فالسجون الحربية لن تفتح من جديد!!

كما أنه لايوجد نماذج مستنسخة من جلادي الماضي كأحمد أنور أو شمس بدران أو شلة المشير الراحل عبد الحكيم عامر ؟ فالتاريخ قطعا لن يعيد نفسه أبدا لأن الإخوان في خمسينيات القرن الماضي لم يصلوا للسلطة المباشرة كما يحصل اليوم بل حاولوا وقتذاك فرض إرادتهم على ضباط الإنقلاب العسكري و تكتلوا خلف اللواء الراحل و رئيس الجمهورية الأول محمد نجيب الذي دفع غاليا ثمن مطالبته بالديمقراطية معتقدا بأن شعبيته الطاغية في الشارع المصري وقتذاك ستكون عاصما له من أية حماقات قد يقوم بها صغار الضباط الذين في النهاية قلبوا ظهر المجن له و تمكنوا من سحبه للسرداب بل و من جعل إسمه شبه مجهول في تاريخ مصر الحديث ، مرسي اليوم يعيد سياسة التحدي الإخوانية لقيادة الجيش المصري وعلى مسافة زمنية قريبة جدا من الذكرى الستين لحركة 23 يوليو ، و المجلس العسكري المصري الذي فوجيء بضربات مرسي الموجعة من تحت الحزام قد حرك عناصره في الأحزاب و الجماعات السياسية و الإعلامية وباشر في شن حملة إعلامية ضد الرئيس المنتخب الجديد بدعوى إزدراء المؤسسات الدستورية والخضوع لتعليمات مجلس الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين ، و محاولة فرض سياسة إخوانية على تفاهمات كان ينبغي أن تحترم!!

وجميعها قد لاتكون الأسباب الحقيقية التي تتمحور حول تصميم الرئيس محمد مرسي ليكون رئيس حقيقي وفعلي لمصر و ليس مجرد مرحلة إنتقالية عابرة ، فاللمسات التي حاول مرسي إضفائها على مؤسسة الرئاسة توحي بالرغبة الرئاسية المستندة لخلفية آيديولوجية واضحة بوضع أسس الحكم الرشيد من خلال إنشاء ديوان التظلمات وفتح إستعلامات القصور الجمهورية لتلقي شكاوي المواطنين و تظلماتهم وهي خطوة إعلامية أكثر منها واقعية ، فمشاكل مصر المتراكمة لا تحل عبر عمليات إستعراض إعلامي فقط بل تحتاج لتعبئة وطنية شاملة و لشد الحزام و لصراعات ليست سهلة بالمرة ، مرسي اليوم بحاجة للمدد الحقيقي من الجماهير ، كما أن جماهير مصر بدورها تصرخ ( مدد يا مرسي...)! فيما يترقب العسكر بعيون مفتوحة و يرفعون شعارهم التاريخي : خلي السلاح صاحي!!.. لقد بدأت حرب تحديد المواقع ، وطارت سكرة ثورة يناير ليرسم الواقع الصعب رؤاه في بلد لم يزل يبحث عن مرسى الأمان.. ومدد يا مرسي..!


[email protected]