حذرت وزارة الخارجية الأميركية بلغة متوترة جدا من بقوا من سكان مخيم أشرف بالانتقال إلى سجن quot; الحريةquot; قرب بغداد، وإلا فإنها ستظل تعامل مجاهدي خلق كإرهابيين. ولا ندري العلاقة بين الموضوعين: موضوع سياسي بحت وموضوع إنساني محض! وأغرب ما في التصريح الأميركي قوله، وكأنه ناطق باسم المالكي: quot; إن صبر بغداد بدأ ينفد.quot; وهذا تهديد يضع المسؤولية عن أية مجزرة مالكية جديدة على الضحايا من سكان أشرف وليس على حكومة سبق وأن نفذت مجزرتين رهيبتين عامي 2019 و2011 ضد لاجئين محاصرين، وبلا سلاح، ودون أن تبدو منهم بادرة عنف ما. ولكنها ضغوط نظام الفقيه إياه الذي يطالب برؤوس المئات منهم لقطعها بسيوفه.
لقد سيق أن كتبنا أكثر من مقال عن الموضوع من منطلق إنساني بحت، وما تقتضيه المواثيق والاتفاقات الدولية، وكذلك التزاما بما قطعته من التزامات وعهود حكومة المالكي للجانب الأميركي عام 2008 [*] عندما انتقل الإشراف على المعسكر من الجانب الأميركي للحكومة العراقية.
لا داعي للتذكير من جديد بأن الأميركيين سبق وأن نزعوا أي سلاح كان في المعسكر، وأن حكومة المالكي أعادت التفتيش ولم تجد قطعة سلاح، فضلا عن أن المعسكر صار محاصرا تماما منذ تسلم الحكومة لرقاب سكانه، فيمنع عنهم الدواء والماء والزيارات. وقد طردت الحكومة من العراق وفد الكونغرس الأميركي الذي أراد زيارة المعسكر واستبيان الوضع والحقيقة.
لقد انتقل حوالي الألفين من هؤلاء اللاجئين إلى معسكر quot; الحريةquot;- [ليبرتي]- قرب بغداد في خمس دفعات، في ظروف قاسية لم تراع وجود الأطفال والنساء. جردوهم من ممتلكاتهم الشخصية وسياراتهم وصهاريج نقل الماء، وحتى من الكتب وأشرطة الموسيقى، وهي ممتلكات لم تكلف الجانب العراقي دينارا واحدا. وبدلا من أن تحترم الحكومة اتفاقها مع بعثة الأمم المتحدة بضمان وسائل الراحة والخدمات في المكان الجديد، فإن المنقولين إليه فوجئوا بكونه سجنا خانقا محاصرا، لا معسكرا آمنا للاجئين. ومن هنا يتردد البقية من الانتقال بنفس الطريقة غير الإنسانية. إنهم غير ممتنعين عن النقل، ولكنهم يريدون ضمان الحد الأدنى من التعامل الإنساني معهم كلاجئين، وعدم تجريدهم من ممتلكاتهم الشخصية.
نعيد التذكير بأنه عندما نفذ المالكي مجزرته الأولى، قال النائب العراقي السيد إياد جمال الدين: quot; هذا يوم محزن في تاريخ العراق، أن أناسا لاجئين بذمة العراق وبشرف العراق أن يعتدى عليهم ويقتلوا وهم بضمانة الحكومة العراقية التي تعهدت بحفظ سلامتهم وأمنهم وكرامتهم. الحقيقة إن اللغة تعجز عن التعبير عن مدى الحزن والأسف لما حدث من هجوم الشرطة على أناس لا يملكون سلاحا وإنما هم لاجئون وفق المواثيق والمعاهدات الدولية.quot; وتوجه جمال الدين للمالكي لكي يعتذر لما حدث لأن في اعتذار الحكومة، كما قال، quot; حفظا لكرامتها ولسمعة العراق الدولية. نحن بلد نسعى لأن نكون دولة القانون ولا يمكن لدولة القانون أن تعتدي على لاجئيها.quot; ولكن، بدلا من أي اعتذار، تكررت مجزرة جديدة بذرائع مفتعلة عام 2011 .
عندما أكرر أن هذه القضية يجب التعامل معها إنسانيا، فلأنها كذلك، ويجب التعامل معها بتجرد من تأثيرات أية حسابات سياسية، سواء عن طبيعة أيديولوجية مجاهدي خلق الماركسية المتشددة، أو معارضتهم لنظام الفقيه الدموي، أو ماضي هؤلاء اللاجئين عندما كانوا يشنون من العراق عمليات داخل الأراضي الإيرانية زمن الحرب بين العراق وإيران. ومع الأسف، فإن الصمت هو موقف الغالبية الساحقة من القوى السياسية العراقية برغم تشدق الجميع بحقوق الإنسان وسيادة القانون. أما ما نسب إلى هؤلاء اللاجئين من أعمال قديمة، ومنها خلال انتفاضة 1991، فالشهادات متضاربة؛ ومع ذلك، فإن الحكومة قد وافقت على اعتبارهم لاجئين وتعهدت بضمان سلامتهم والتعامل الإنساني معهم. وهذا لم يكن يعني محاصرتهم منذ 2008 وقطع الماء والدواء عنهم، ثم القيام بمجزرتين قتل خلالهما أكثر من 40 وجرح حوالي 1000 منهم. ومرة أخرى، من المؤسف أن غالبية القوى السياسية والنواب العراقيين صمتوا في حينه عن تلك الانتهاكات الدموية، كما لم نجد موقفا واضحا من الإدارة الأميركية.
وعن موقف إدارة أوباما، سواء من مجاهدي خلق، أو من موضوع المعسكر، فإنه مرتبط بمجمل سياسات أوباما في اللهاث المذل لترضية النظام الإيراني، بأمل التوصل لصفقة ما، حتى بعد أن أجبر على فرض عقوبات تستطيع إيران التلاعب بها بعشرات المنافذ والمخارج، ومنها العراق! ونعرف أن إدارة أوباما رفضت رفع صفة الإرهاب عن مجاهدي خلق مع أن الاتحاد الأوروبي فعل ذلك، ومع أن كثيرين من أعضاء الكونغرس يطالبونها به. ولكنه وهْم التوصل لتسوية ما مع إيران، وإلا فمواصلة التفاوض العقيم، وسياسة الاسترضاء، لاسيما والانتخابات الأميركية تقترب. ومن الغرابة أن تطالب الخارجية الأميركية من بقوا في معسكر أشرف بعدم اعتباره قاعدة لنشاط مجاهدي خلق، مع علمها التام بأن من المستحيل عليهم القيام بأي نشاط وهم محاصرون وبلا سلاح. وكان الكونغرس قد أصدر عام 2009، عام الانتفاضة الإيرانية، قرارا بدعم نضال الشعب الإيراني، ولكن دماء الشباب الإيراني كانت تراق دون أن يتفوه أوباما بكلمة شجب وتنديد واحدة.
إن من مصلحة العراق نفسه ألا تنفَذ مجازرُ جديدة، وأن يجري التعامل الإنساني مع سكان أشرف المتبقين وتلبى مطالبهم الأولية المشروعة. وعلى بعثة الأمم المتحدة أن تكف عن التساهل مع الإجراءات المتعسفة للحكومة العراقية والمخلة ببنود الاتفاق مع البعثة. والمطلوب أن يتخذ أخيرا، وبعد صمتهم الذهبي، المنادون بحقوق الإنسان واحترام القانون الدولي في العراق، موقفا مشرفا من المشكلة، فيرفعوا أصواتهم ويقوموا بالضغط والمساعي الحميدة للتوصل لتسوية سلمية وعادلة لهذه المشكلة. فهل يفعلون؟!!

[
* ] من شواهد احترام حكومة المالكي لتعهداتها وكلمتها ، وعدا موضوع اتفاق أربيل، تعهدها للحكومة الأميركية بعدم إطلاق سراح الإرهابي دقدوق [ من حزب الله اللبناني]، المتهم بقتل عدد من الجنود الأميركيين في العراق. هذا ما صرح به وزير الدفاع الأميركي مؤخرا، فإذا بالناطق باسم السيد المالكي يسارع فينفي وجود تعهد كهذا!!