ما يجري في مصر اليوم من تجييش لغوغاء الإخوان في الشارع والميادين، وانعطاف quot; شباب الثورةquot; وقوى ناصرية ومدنية نحوهم، لفرض المرشح مرسي بأي ثمن لابد وان يثير القلق الشديد. quot;الإخوانquot; مصرون على الهيمنة الكاملة على الحكم والمجتمع بأي ثمن كان ولو بتفجير فتنة دموية عامة باسم ثورة لا يفهمونها غير فرض نظام ديني يصادر كل الحريات العامة والخاصة.
وفي تونس، التي جرى الحديث الطويل عن quot; استثنائيةquot; تجربتها ومدنية مجتمعها، مسيرة مماثلة، بطريقة وصيغ أخرى، وفي ظروف مغايرة. فالسلفيون يمارسون العنف لفرض أجندتهم الظلامية باسم حماية quot; المقدساتquot;، وحزب النهضة الحاكم يغض النظر ويدين ما يعتبره quot; مسا بالمقدساتquot;، ولو كان معرضا تشكيليا بريئا. فالفنون بكل أشكالها محظورة عند جميع تيارات وفرق الإسلام السياسي وعند السلفيين، سواء كانوا من سنة أو من الشيعة ndash; كما يجري أيضا في إيران والعراق.
إن الأكثر إقلاقا والباعث على النقد الحازم هو موقف إدارة أوباما من تشجيع الإخوان ومد اليد نحوهم وتصديق تعهداتهم سواء حول اتفاقية كمب ديفيد أو عن احترام الديمقراطية والحريات. إن الإدارة الأميركية الحالية مخترقة بمستشارين وخبراء لهم علاقات قوية باللوبي الإخواني في الولايات المتحدة، وكذلك باللوبي الإيراني. وأن تكرر السفيرة الأميركية في القاهرة لقاءاتها بمرشد الإخوان- [ تصوروا لقاءات بالمرشد، كاعتراف أميركي بأنه هو الذي سيكون الرئيس الفعلي المقبل لو فاز مرسي، أي خامنئي مصر]-، وأن تعلن الخارجية الأميركية عن قلقها على الديمقراطية في مصر، في إشارة لعدم رضا عن المجلس العسكري-الذي، برغم أخطائه، يحاول الحفاظ على سيادة مصر واستقرارها- لهو مما يدل على أن هذه الإدارة لم تستوعب كل التجارب القاسية في بلدان العالمين العربي والإسلامي، والتي قدمت عشرات الأدلة، بالدم والانتهاكات، على أن الإسلاميين [ لا المسلمين العاديين طبعا] هم أعداء حرية الرأي والحرية الدينية وحقوق المرأة وغير المسلمين، وأنهم يتبعون موقف التقية ويلبسون لكل ظرف لبوسه، ويضعون قناعا وينزعون آخر، وأن عداءهم للغرب، وأميركا بالذات، متأصل فيهم، وهو ينتظر اللحظة quot; المناسبةquot; للتفجر، وأن هوس المتاجرة باسم فلسطين وعقلية quot;تحرير كامل الترابquot; وتدمير إسرائيل متأصلان فيهم. وخلال عام وشهور برهن الإخوان المصريون على تنصلهم مرة بعد أخرى، من تعهداتهم العلنية، ولاسيما ادعاء عدم الرغبة في التسلط،، وحتى الإعلان سابقا عن عدم الرغبة في الترشيح للرئاسة؛ كل ذلك لحسوه شهرا بعد شهر، وهو ما راح يعريهم داخليا، ومما يفسر توجه الملايين التي انتخبت أحمد شفيق.
إدارة أوباما لم تتعظ بالتجربة الأفغانية بمساندة quot; مجاهديquot; طالبان عام 1979، الذين سرعان ما انقلبوا على أميركا وتحالفوا مع القاعدة، التي شنت هجمات 11 سبتمبر. ولم تتعظ بتجربة المرشد السياسي لاوباما،أعني جيمي كارتر، الذي أقنع فرنسا وبريطانيا وألمانيا بخذلان الشاه والتعاون مع خميني وتصديق وعوده عن إقامة نظام ديمقراطي. والنتيجة اختطاف الرعايا الأميركيين، ومطاردة وسحق القوى والأطراف والشخصيات العلمانية واللبرالية الإيرانية، ضربة فضربة، وإقامة دولة ولاية الفقيه التي تعلن أن أميركا هي الشيطان الأكبر، وأنه يجب محو دولة إسرائيل. وها هي منذ سنوات طويلة، ورغم مسلسل المفاوضات العقيمة والعقوبات، تسعى جاهدة، وبنجاح، نحو تصنيع القنبلة النووية. وقد فشلت الجولات التفاوضية الأخيرة مع إيران [في بغداد وروسيا]. ويعلن حكام إيران بلا تردد عن رفضهم للتراجع عن التخصيب بأي مستوى مرتفع كان، بل ويعلنون عن تصنيع غواصات نووية quot; سلميةquot;، ويواصلون التدخل في الخليج والعراق ولبنان واليمن وغزة وأفريقيا وأفغانستان، وحتى في مصر، ويزيدون من تسلحهم في مياه الخليج.
خلال كل هذه الأحداث الخطيرة والتطورات المقلقة في مصر والمنطقة، والتهديدات الإيرانية، لا يبدو أن أوباما يعي، أو يرد أن يعي، مدى الخطر حتى على المصالح الحيوية الأميركية في المنطقة والعالم. ما يهمه أولا هو إنجاح ولايته الثانية ولو كان ذلك حتى بكشف أسرار تخص الأمن القومي الأميركية نفسه، كما يجري مع التسريبات الصحفية عن خطط سرية لحرب الكترونية أميركية ضد النووي الإيراني، وعن وجود عملاء أميركيين داخل القاعدة في اليمن وغيرها- ناهيكم عن التسريبات لهوليوود عن أسرار وتفاصيل مقتل بن لادن.
على أميركا والغرب ألا يخلطوا بين المسلمين والإسلاميين. نعم هناك بين الكتلة المسلمة الكثيفة في العالم مسلمون معتدلون كثيرون، يحترمون الآخر ويعارضون زج الدين في السياسة. وقد رأينا على نطاق العالم العربي ساسة مسلمين معتدلين، في الحكم والمعارضة، ومنهم من كانوا متدينين ويمارسون الفروض. ولكننا لم نر ولا نرى حزبا أو زعيما إسلاميا [ أي حامل أيديولوجية الإسلام السياسي] معتدلا حقا. فهم يتبعون مبدأ لكل ظرف خطاب وموقف، ويلبسون الأقنعة وينزعونها كما مر. حدث ذلك في إيران، وحدث في العراق، وهو ما يحدث في مصر وتونس وبقية دول quot; الربيعquot; الشتائي الكالح.
الإدارة الأميركية في حاجة لاستيعاب هذه التجارب المرة والتعلم منها لكي تتخذ المواقف السليمة. وقطعا لن يكون أمثال طارق رمضان هو المعلم الأمثل[ وصفه مثقف عربي بالأستاذ في تضليل الغرب] في إعطاء الدروس عن الفرق بين الإسلام كدين والمسلم المتدين، وبين الإسلام المؤدلج والمسيس، والإسلامي الساعي لقيام الدولة الدينية. وقد يصحو أوباما غداة عودته للرئاسة بأخبار القنابل النووية الإيرانية، وإشعال حرب جديدة بين مصر وإسرائيل! من يدري!!