صياغة السياسة في كل دول العالم سواء الديمقراطية او الدكتاتورية تتأثر بشكل او اخر بما يطرحه كتابها من اراء وتحاليل حول الواقع المتغير، فلا يمكن تصور حال مصر عبدالناصر بدون كاتب مثل محمد حسنين هيكل ولا امريكا بدون توماس فريدمان وسيمون هيرش ولا حتى المملكة العربية السعودية بدون كتاب رأي مرموقين مثل عبدالرحمن الراشد وجمال خاشقجي وغيرهم، فهم الصفوة في مجتمعاتهم، لهم مكانتهم وتأثيرهم وارائهم تؤخذ بكثير من الاهتمام في الدوائر السياسية، لهم علاقة مباشرة بصناعة القرارات المصيرية، الا في اقليم كردستان، فهو حالة استثنائية جدا، العلاقة بين السلطة الرسمية والكتاب والصحفيين المستقلين الذين لهم تأثيرهم الواضح على الرأي العام الدولي quot;الاسلامي والعربي بشكل خاصquot;من خلال كتاباتهم في الصحف والجرائد العربية المرموقة شبه معدومة، فهؤلاء في واد والسلطة السياسية في الاقليم في واد اخر، لا توجد علاقة من اي نوع بينهما، السلطة صمت اذانها تماما عن سماع ارائهم ومشاريعهم السياسية لحلحلة القضايا الشائكة التي عجزت عن ايجاد مخرج لها لحد الان، وقد نادينا مرارا وتكرارا وسعينا الى لقاء رئيس الاقليم واجراء مقابلة معه ومع رئيس حكومته نيجيرفان بارزاني لطرح مشروع غاية في الاهمية يتعلق بانشاء نواة لمركز البحوث والدراسات السياسية لوضع استراتيجية ثابتة في التخطيط السياسي وكذلك لتأسيس وكالة اعلامية مهمتها معرفة ومراقبة ما يكتب عن الاقليم وسياساته في الوسائل الاعلامية والدوائر السياسية العالمية والعربية ان كان بالسلب او الايجاب لاتخاذ ما يلزم من قرار على ضوئه، وارسلنا رسائل لهما عبر شبكة التواصل الاجتماعيquot;الفيسبوكquot; وشرحنا فيها ان السياسة التي تعتمد على ردالفعل ستؤدي بالاقليم الى المجهول، ويمكن بكل سهولة ان تحيل المكاسب الحضارية الجميلة التي تحققت لشعب كردستان والتي نفتخر بها جميعا الى هباء منثور، ولكن ما من مجيب، لا احد يسمعك ولا يعير لرأيك اهمية، ولا يسمح لك بالتقرب من باب مكتبهما، ولا ادري لم كل هذه الحيطة والحذر؟ ومم ؟ ولماذا يعامل الصحفيون وكتاب الرأي بهكذا طرق مهينة؟ لست انا وحدي من يعاني هذا الامر بل العديد من الشخصيات والكتاب والصحفيين اشتكوا من ذلك، المفروض بالسيدين ان يظل بابهما مفتوحا لاصحاب الرأي ولعامة الشعب لانهما منتخبان من قبل الشعب الكردي بطريقة ديمقراطية، واصبحا يمثلانه اكثر مما يمثلان حزبيهما، فلو كانا مجرد زعيمين عاديين لحزب من الاحزاب لما شكلا الاهمية التى يشكلانها الان، ولكنهما يحتلان موقعا حساسا في الدولة، بيدهما مصير امة بكاملها، لا احد يستطيع انكار اهميتهما بالنسبة لكردستان والمنطقة ايضا، ولا احد ايضا يستطيع ان ينكر اخلاصهما الشديد للقضية الكردية، فهما وطنيان كابرا عن كابر يكفي انهما ينتميان لعائلة رمز النضال الكردي والشخصية الوطنية الابرز في القرن المنصرم quot;مصطفى البارزانيquot;رحمه الله، ولكن الاخلاص الشديد للقضية من دون الاستعانة بالخبرات والاختصاصات والاستشارات السياسية الصائبة الصادرة من معاهد ومراكز مرموقة مختصة بالتخطيط السياسي كما هو سائد في كافة دول العالم، كثيرا ما يؤدي الى نتائج عكسية، يجب الاحتراز منها.. عام كامل ونحن نحاول ان نقابلهما لحثهما على وضع آلية جديدة للتعامل مع بغداد، لان الالية القديمة التي اعتمدت الطيبة وحسن النية والثقة الزائدة بالخصم وعدم قراءة ماوراء سطور الاحداث والتقلبات الاقليمية وعدم التسليم بالامرالواقع الذي يؤكد حقيقة ان المرحلة الحالية والمراحل المقبلة ايضا ستكون الغلبة فيها للاحزاب والقوى الشيعية الحاكمة بتحالفاتها الاقليمية والدولية القوية، لايجب الاستهانة بها ولا التفريط فيها باي حال من الاحوال، فهي تولت الحكم ولن تتركه لاعدائها التقليديين من عرب السنة ابدا وان اضطرت الى الاستغناء عن الشراكةquot;الاستراتيجيةquot;مع الاكراد او مع الامريكان على حد سواء، وقد ادركت الولايات المتحدة الامريكية هذه الحقيقة فابقت معها على شعرة معاوية، على الرغم من قيام الحكومةquot;الشيعيةquot;في بغداد باتخاذ سياسات مخالفة لسياساتها الرسمية في المنطقة كتحالفها الاستراتيجي مع ايران وتأييدها للنظام السوري القمعي مثلا (وهذا لايعني باي حال من الاحوال السماح لدكتاتوريات جديدة بالظهور، بل يجب التصدي له في حدود الامكانيات المتاحة للاقليم وقدراتها المحدودة ).. مااريد قوله ان الوقت قد حان ليفتح السيدان البارزانيان ابوابهما مشرعة امام الاراء السديدة والخبرات والكفاءات السياسية للمشاركة في مستقبل كردستان والعمل على بناء مؤسسات عالية التخصص في مجال التخطيط الاستراتيجي، تعتمد اساسا على الخبرات الاجنبية quot;الاميركية او الكورية او اي دولة غربية متطورة في هذا المجالquot;واختيار المستشارين بحسب الكفاءة والقدرة على العطاء وليس وفق المنظور الحزبي، فالمرحلة الحالية بكل تناقضاتها الفكرية وتطوراتها السياسية السريعة، تتطلب عملا جماعيا مدروسا ومخططا له بدقة وبمنتهى الحذر لمواجهتها والخروج منها بسلامة.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات