كان انفراد مسلسل (فرقة ناجي عطا الله) الذي شاهده الجمهور العربي في أغلب فضائيات المنطقة، بالهيمنة على المتلقي والمتابعة الجماهيرية، مثار اهتمام العامة، والمثقفين النقاد والإعلاميين، لما كان للمسلسل من تأثير سيكالوجي ونفسي، إضافة إلى كريزما عادل إمام التي ينجذب إليها الجميع لما يمثله هذا الفنان من قوة فعل وتاريخ وسطوة إعلامية، مما كسب العمل حضوره وترقبه اليومي عبر الشاشات.

ومع كل هذه الهالة وهذا الحضور والتميز، خاصة في اختيار وقت العرض على الشاشات العربية بدقة، فقد نال المسلسل كثيراً من النقد والهجوم، حيث وجد البعض أن هناك مبالغة وحبكة ضعيفة كانت تغطى بطريقة عادل إمام وقدرته على المعالجة. وعلى الرغم من أنه كان وقتها لا يزال يقدم حلقاته الأخيرة، فهناك استياء شديد من المسلسل، حيث اعتبر البعض أن مسلسل (فرقة ناجي عطا الله ) سطحي جداً ولا يليق بفنان كبير.

المسلسل من إخراج رامي عادل، ومن بطولة الفنان عادل إمام، وجوقة الممثلين يترأسها ابنه محمد إمام (إبراهيم) بدور العاشق الولهان (زير نساء)، كما أن المسلسل مقتبس عن رواية بالعنوان نفسه، للكاتب والسيناريست يوسف معاطي، تدور الأحداث حول شخصية ناجي عطا الله، الذي كان يعمل ملحقاً إدارياً في السفارة المصرية في إسرائيل، ولخفة دمه كان محبوباً خلال فترات عمله، وله علاقات مهمة مع أوساط اليهود، لكنه يقدم استقالته ويعود إلى مصر ليشكل فريقاً بقصد العودة إلى تل أبيب والسطو على أحد البنوك هناك بمعاونة شفرة صديقه اليهودي المفلس والمدين له، وفي أثناء الذهاب والإياب تكشف الأحداث عن مواقف الشخصيات، سواء من الإسرائيليين أو أطراف مصرية وفلسطينية ولبنانية وسورية وعراقية وأخيراً صومالية، مع ملاحظة بعض شطحات البطولة العربية المطلقة ذات الأوهام التي تدون في الأساطير والخرافات، منها بطولات مزيفة وقصص أحداثها على ورق أكثر منها في الواقع، تتمثل في صور خطابية تتجه ببعدها النفسي إلى خداع الذات، فتجعلنا تلك الصور نتوهم أن المواطن العربي يتفوق بسنين ضوئية على الكثير من أقرانه في العالم، بحيث يمكنه التوغل إلى أبعد نقطة داخل أقبية وشوارع العدو، والقيام بأخطر المهمات دون أن يفتضح أمره.. أما قدرات ناجي وفرقته؛ فهي فائقة الذكاء، ويصوّر لنا هذا الخطاب أن العدو عديم التفكير ويحكمه جشع غير طبيعي، في كل بنية المجتمع، لدرجة بدا لنا أن اختطاف أي شخص يتم بيسر وسهولة، مثال على ذلك اختطاف رئيس بنك عالمي بأمواله (200) مليون دولار أمر في متناول اليد.

لقد ذهب البعض إلى اتهام عادل إمام بسرقة المسلسل من أفلام أجنبية، منها فيلم (أوشن)، والمساهمة في تسطيح العقول، خاصة أنه يصور المجتمع الإسرائيلي بأنه ساذج و(معتوه)، وهذا غير حقيقي، كما أن تقييم المسلسل من حيث كونه عملاً درامياً ناتجاً من تفاعل عناصره الأساسية التي تتألف من نص محبوك بعناية، على خلفية فكرة نافذة وواقعية، أو متخيلة ترتبط بالواقع، إضافة إلى انسجام كادر العمل من مصورين وممثلين ومخرجين، ثم التقنيات البصرية التي تضيف متعة الرؤيا من ديكور وأماكن وإضاءة.. لذلك؛ فإن ناجي عطا الله كمسلسل درامي، لا يخرج في إطاره العام عن أي عمل درامي عربي آخر لا ينظر إلى الأحداث بعمقها الجديد، بل ابتعد وقدم رؤية مجانبة للصواب ومخالفة لحقائق التاريخ والجغرافية. إذ وصف المسلسل في غزة مثلاً بأنه (عمل خفيف وللتسلية فقط)، وفي سوريا بان المسلسل كونه لا يتجاوز صناعة دمى مسرحية لخيال الظل، وفي لبنان بالكذبة الكبرى والشجاعة الخارقة الوهمية،وفي العراق بأنه تهميش وكذب على واقع اليوم وإسقاط أمراض بعض كتاب المقالات والسيناريو العرب على المستقبل الجديد في العراق مما يزيد من تعميق مشاكله التي كان قد تركها خلفه لسنين مضت، وهو أمر أقرب للحقيقة، خصوصاً في العديد من المشاهد التي نرى فيها عادل إمام يقلب الموقف الجاد الحزين إلى مضحك وهزلي، دون مراعاة كلمة الشرف الإعلامي.

لذلك من المحزن ونحن نتابع مسلسل لفنان كبير مثل عادل أمام أن نجده الأقرب إلى حكايات من (كارتون للأطفال).. لهذا؛ فإذا كان فن عادل إمام يكرس أمراضنا المتحللة السابقة ببطولات وهمية بصور هزلية مضحكة، فلا بد من إعادة النظر في ما يقدم اليوم،واقصد الأجيال الناشئة، فالخروج من منطق الهزيمة يقتضي تقديم أفكار تحفز كل مواطن عربي على العمل الحثيث نحو بناء مستقبل مشرق بدل الاتكاء على خلق جوٍّ من الأوهام، والتعكز على شطحات الخيال.

شخصياً؛ كنت أتوقع عملاً درامياً مثيراً للفنان عادل إمام يبحر بعيداً عن إشكاليات وهم البطولات، ويقترب من المشاهد وهمومه، ويكشف له طرق معالجة قيمه كإنسان فعّال منتج، لا يتلقى معونات الآخرين، كما فعل ناجي عطا الله بهبات مسروقة حجته واهية بأنها أموال عدو سرقت من موطنه. فإذا كان عادل إمام قد جني مع رفقته (منتجين وممثلين) ملايين الدولارات من التوزيع والعرض فإنها لتكون حلالا بقدر ما هي نقطة سوداء بتاريخ العمل الدرامي العربي وعادل إمام نفسه.