كلما حاولت الإقتراب من الصلاة، أرى صورة الرحمن متمثلا بوعيي وعقلي وهو يضحك مني! ولم يكن الشيطان هو الذي يضحك ، إذ لا علاقة له بي لا من قريب ولا من بعيد، ولم يكن هو الذي خلقني وطلب مني أن أعبده. بل كل تأريخه يتمثل في أنه كان المتمرد الأول!

ولذلك لا يحق لأحد أن يوجه الإتهامات لهذا الشيطان ولصق كل رذيلة به. كما وأنه لم يطلب أن يسمي الناس أسماء أولادهم بإسمه. فلم يظهر حتى الآن شخص أسمه quot;عبد الشيطانquot;! ولذلك فهو بدون أتباع وبدون أنصار وبدون عبيد. وهي حسنة تسجل لصالحه، وهو منذ ملايين السنوات الضوئية قابع في مكانه ليس لديه تنظيم ولا حزب ولا مؤسسة، بل أن أكبر مؤسسة أثبتت وجودها في مجال الرذيلة هي مؤسسة التطرف الاسلامي التي لم تتأسس بأمر من الشيطان وقد أجرمت بحق الحياة، ولديهم سجل حافل بالموبقات والسرقات والنهب والإغتصاب. إغتصاب الصبايا القاصرات بين سن التاسعة حتى السن الرابعة عشر، أي قبل بلوغ السن القانونية! فالجزائر شهدت عمليات إغتصاب ndash; تحت شعار الزواج المبكر قبل أن تنضج الفتاة وتفسد، زواج لصبايا قاصرات من قبل ما يطلقون عليه الأمير. ولم تسلم قاصرات الجزائر من سكنة الجبال والوديان على مدى سنوات كانت ضحيتها الآلاف من الصبايا القاصرات فحسب، بل تعدى الأمر إلى أن يطير شيخهم من دولة خليجية لأغواء قاصرة أخرى ويتزوجها لتكتشف بعد سنوات الجمر رذالته وعفونته وسفراته المتكررة للإستراحة في المسجد الأقصى في إسرائيل الذي باركنا حوله! إنه لا يزور المسجد الأقصى في القدس بل يزور المسجد الأقصى في تل أبيب! وهذا الشيخ أطالبه وسوف لن يستجيب طبعاً أن يعلن لي أمام هذه الأمة الإسلامية الفقيرة صاحبة النفط، عن رصيده في مصارف الغرب وتل أبيب وأن يعلن لي عن طراز سيارته وسعرها وأن يصور لي وينشر صورة الفيلا التي يسكنها، مثله مثل عدد من قيادات الأخوان المسلمين وكل المشايخ الإسلامية في هذه الأمة المجروحة والمطعونة في صميم شرفها.

ما أن بدأ المتطرفون الاسلاميون وإخوان المسلمين يتسربون نحو السلطة الواحد بعد الآخر وبترتيب أمريكي واضح ومعلن حتى بدأوا بإعلان قانون الشريعة الذي لا يستوعب متطلبات العصر والتطور الإجتماعي والإنساني، والبدء بمحاكمة الناس بأثر رجعي، ويلاحظ أن الملاحقة تتركز على أصحاب المواهب الثقافية من الكتاب والشعراء والسينمائيين والأكاديميين والسياسيين المتحضرين، فهم بدأوا أول محاكمة وتنفيذ القرار بضرب نجيب محفوظ الشيخ الجليل والكاتب الكبير قبل رحيله عن هذه الدنيا. واليوم يلاحقون الممثلين والممثلات بأثر رجعي وعندنا في تونس يطبقون قرار التجريم والتنفيذ بدون محاكمات ويهجمون على المسارح ويضربون الممثلين والموسيقيين. وبعد الثورة خرجوا بتظاهرة في أيام رمضان لكي يحرقوا المبغى في تونس العاصمة ويقتلوا quot;ضحاياهمquot; من النساء بدلاً من توفير الكرامة لهن في مجتمع عادل.

أما مطالبة الدولة من قبل شيوخ الأزهر بمحاكمة الممثلات عن قبلة في فيلم سابق في عهد الرئيس مبارك أو السادات أو عبد الناصر أو عن أغنية تتقاطع كلماتها وتعاليم الله، فإن هذا الإتهام سوف يسري حتى يطال الخلفاء الراشدين بأثر رجعي وسترون ذلك في القريب! وستظهر لنا قصص وحكايات ما أنزل الله بها ولا رسوله من سلطان.

وسيتعدى الأمر مرحلة الرسالة ويصل إلى إخناتون ونيفرتيتي، وإذا كانت مطالبة أحد شيوخ الأزهر بمحاكمة لبلبة لأنها قبلت عادل إمام في أحد الأفلام السابقة فكيف بسالومي التي رقصت عارية أمام القيصر مقابل أن يأتيها برأس يوحنا المعمدان في طست؟!

فهل يا ترى أن هؤلاء هم مسلمون وأخوان في علاقاتهم الإنسانية فيما بينهم أم هم غرباء عن هذا الدين وهم أخوان للمسلمين! كلا التعبيرين ينطبقان عليهم بالمسطرة فالمسلمون كان هذا ديدنهم منذ البداية وهم أخوان ومنسجمون في سلوكهم وتطوروا مع الزمن تطوراً سلبياً إذ أكتشفوا ما بين سطور الرسالة ما يؤهلهم لتسلم السلطة ومحاكمة الناس بتشريعات وقوانين يصوغونها بعقولهم ويلبسون بدلة القضاة المتمثلة بالسروال والدشداشة القصيرة والذقن والكوية السوداء على الجباه فينفذون الأحكام ذبحاً وبإسم الله والله أكبر!

إن تنظيم المتطرفين سواء كانوا إسلاميين أو أخوانهم من الديانات الاخرى التي تعمل معهم مثل حكومة الظل في الخفاء تعمل ويعملون على تهديم هذه الأمة، قد نجحوا حتى الآن في تحويل خيرات الأوطان نحو مصارف المسلمين المتمثلة بالمصارف وكازينوهات القمار في العالم، فأشعلوا الحروب وأنعشوا مصانع الأسلحة في الغرب وفي أمريكا بالذات، وشكلوا الخلايا الأرهابية القائمة على الإغتصاب الجنسي وبشكل خاص لصغيرات السن من القاصرات. وأينما حلوا لفوا المرأة بالقماش الأسود وأغرقوها في ظلام السواد من أخمص قدمها حتى نخاعها الشوكي دون أن يعطوها فرصة للتنفس فكيف لـ quot;لبلبةquot; أن تقبل عادل أمام نسائهم اللواتي سوف يصبن بالغيرة وهن مرعوبات ليلاً عندما يخلع البعل دشداشته القصيرة بذقنه الطويل ويعتليها محجبة الوجه تماماً مثل ما يفعل شيخ الجزيرة بكل أمراضه النفسية مع الطفلة الجزائرية التي هشم حياتها ولم يبق لها سوى كتابة مذكراتها في عملية تشبه جلد الذات.

إن الإقتصاد في البلدان العربية سوف ينهار وسوف تحاول بلدان النفط من ترميم إقتصاد هذا البلد أو ذاك بالهبات أو بالمشاريع الإستهلاكية أو بالإيداعات في مصارف هذا البلد أو ذاك للمحافظة على سعر العملة مثل ما حصل في مصر. ولكن هذه الحلول ليست سوى حلول تلفيقية. وسيعمل الأخوان المسلمون بالتعاون مع أخوان المسلمين على تصفية الثروات المتواجدة في باطن الأرض الإسلامية ليتركونها منهكة مثل الجمال التي قطعت مسافات الصحارى لتبقى تموت في تخوم الربع الخالي.

سوف يقود المتطرفون الاسلاميون بالتعاون مع أخوان المسلمين إبادة الجنس البشري في المنطقة في زرع الأمراض والأوبئة وزرع التخلف وإماتة المعرفة والثقافة. عالم أسود مدلهم ليس فيه مسرح ولا أغنية ولا مقطوعة موسيقية ولا كأس من النبيذ، وسيقطعون الشوارع كل يوم جمعة وكل ميلاد، يحجزون الشوارع المحيطة ببيوت الله التي لا علاقة للشيطان بها لا من قريب ولا من بعيد ويحرمون الناس من المشي في شوارع مستقيمة وستخرج الطالبات من المدارس بدون وجوه ولا عيون، فلا تبقى ثمة إبتسامة لأنثى ولا كحل في العين سوى في البيت من أجل خاطر شيخ متطرف قبل أن يعتليها بكل ما يحتويه جسده من الوحشية المقرة بقوانين المطلق!

أنه عالم مدلهم مظلم يريد أن يتمكن تماما من الواقع ثم تأتي عملية الذبح بالسكين وحتى بأثر رجعي!
ضمن هذا الواقع المدلهم تراجعت القوى الديمقراطية والقوى الليبرالية والقوى اليسارية والقوى الإشتراكية لأنها أخفقت في تحقيق أهدافها بسبب العناصر الإنتهازية والنفعية التي قادتها طوال أكثر من قرن من الزمن وتبعثرت بعد أن كاد العالم يسقط في أحادية القطب ما جعل قوى اليسار تصاب بالأحباط واليأس فقفز عدد غير قليل من قوى اليسار نحو القطب الأمريكي نازعاً ثياب الماركسية والجيفارية حاملاً وثيقة البراءة من التقدم ووثيقة البراءة من القومية ووثيقة البراءة من جيفارا وحلمه المشروع.

لقد تمكنوا من سرقة ثورتنا في تونس، فيما كانت ثورة العدالة والتضحية من أجل بناء مجتمع أكثر تطوراً ونحو حياة أفضل يصار فيها إلى معالجة ما هدمته الدكتاتورية وتأكيد أفكار quot;الحبيبquot; المتحررة. لكن الثورة سرقت ما حدا بالقوى الخارجية وبأخوان المسلمين أن يعملوا جاهدين إلى ترتيب ثورات جديدة يقودها الأخوان المسلمون بمساندة إخوان المسلمين.

القوى الليبرالية المتفرقة التي فقدت الإيمان بمنطق الحياة عليهم أن يعيدوا صياغة الثورة قبل أن تخنق، وعليهم أن يدركوا بأن فكرة القطب الواحد المتمثل بأمريكا العوجاء وحلفائها التي أثبتت فشل سياستها في أفغانستان والعراق كمثالين صارخين عن الفشل والإخفاق والخراب، أن تدرك قوى اليسار بأن الدب الروسي قد نهض من ركام الثلج وذهب ليتدفأ في قصر مروضه بوتن بالكرملين وأن النمر الصيني نهض من حقول الشاي الأخضر بعد أن كان متدثراً هناك وذهب يتمطى قرب مقر القيادة الجوية الصينية وأن الكوبرا الهندية تطلق لسانها وهي ترقص في مواجهة السفارة الأمريكية. وما على قوى اليسار سوى إستعادة ثوراتها التي سرقت منها ونحن في تونس أحق هذه الشعوب بإعتبارنا أصحاب التجربة الأولى التي تمت سرقتها من قبل المتطرفين الاسلاميين وإخوان المسلمين بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية سيئة الصيت والسمعة والواقع!

إن قوى اليسار والتقدم عليها أن تلغي من حسابها كل سلوك الماضي وتجربته البائسة حقا، وتقف ناقدة تجربتها بوعي، وإدانة الإنتهازيين الذين عبثوا في صفوفها، وأن لا يعود اليساريون ماسوشيين كالماضي يتلذذون بظلام السجون وتعذيب جلاوزة الحاكمين لهم. عليهم اليوم أن يقولوا كلمتهم في الشارع بصيغة المواجهة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، معنى المواجهة مثل ما حصل بعد شرارة بوعزيزي المتقدة. وعليهم عدم الذهاب إلى السجون خانعين، بل عليهم أن يهشموا تلك السجون حتى لا تبقى بإنتظارهم وتكبيلهم فيها، وعليهم أن يلعنوا ظلام المتطرفين الاسلاميين وإعادة الثورة لأصحابها، وكذا على المصريين أن يفعلوا ذلك، وكل الشعوب التي نهبت وسرقت احلامها وأمانيها الحلوة في حياة سعيدة على أرض حافلة بالخيرات والجمال. هي الأرض العربية!

على قوى اليسار أن تدرك أبعاد اللعبة ومستقبلها المظلم الذي لو تحقق فإن الموت هو العنوان الأسهل للمنطقة .. وإحذروا من هؤلاء المراوغين الذين تستطيعون معرفة حجم اللعبة وشكلها من خلال وجوههم وعيونهم المتقدة بالشرور والذين قفزوا لكراسي الرئاسة والحكم في غفلة من الزمن وغفلة من قوى التقدم والديمقراطية، فإنتبهوا أيها الديمقراطيون ولا تناموا نومة أهل الكهف فتصحون لتكتشفوا أن العملة قد تبدلت!

تونس العاصمة - كاتب
boaziz. [email protected]