استهل الأسد خطابه المشئوم متحدثا عن مأساوية الوضع في البلاد وقسوة المعاناة التي ألمّت بالسوريين باديا تأثره البليغ بكل ما يجري، كأن ما يحصل يتحمل وزرها الاخرون أما هو فلا يتحمل ولو جزءا يسيرا من المسؤولية الأخلاقية أو القانونية بل أمعن في اعطاء نفسه صفة المناضل المدافع عن الشعب ووصف شبيحته بالأبطال المضحّين بكل شيء في سبيل الوطن، متناسيا قصف قواته الآثمة للمدنيين الأبرياء في الرستن، داريا، حلفايا، حمص،حماة وغيرها من المدن والبلدات السورية الأبية.

الاستمرار في سياسة تجاهل الشعب والابتعاد عن الواقع المؤلم على الأرض، تحريف أسباب الانتفاضة الشعبية الحقيقية، نعت الثائرين ضده بحفنة من المجرمين والقتلة،من المفروض أن يشكل حافزا قويا للمعارضة المسلحة والسياسية للاتحاد والتكاتف في مواجهة هذا النهج وهذا السلوك الديكتاتوري الذي يأبى أن يحيد الأسد عنه. الخطاب الغير منسجم مع الواقع المرير والذي لم يحتوي على أي بريق أمل بالتوصل الى حل يحقن عن طريقه دماء السوريين بل يشير الى المزيد من القتل من المفروض أن يوحّد أطياف الشعب السوري عامة في سبيل الحفاظ على لحمتهم الوطنية التي يسعى النظام جاهدا الى تفتيتها. النظام يستمر في وصم الثوار بالمأجورين ساعيا بدأب الى ضرب أطياف المجتمع السوري بعضه ببعض وما تمجيد الأسد في خطابه لقوات لجان الحماية الشعبية الكردية في مدينة سري- كانيه الكردية المعربة الى رأس العين الا محاولة يائسة جديدة لزرع أسباب الشقاق بين الكرد والعرب و اضعاف الحس الوطني.

خطر التقسيم في سورية ان وجد لن يأتي الا من خلال تعنت نظامه واستمراره في حربه الدموي ضد أبناء الشعب السوري الرافض لحكمه و اتّباعه سياسة انتقامية بغيضة لكسر الارادة الحرة لدى أبناء الوطن. النظام وحده هو الذي يتحمل أية بوادر لتقطيع الأوصال في الوطن السوري وتمزيق نسيجه المتعدد الألوان فهو يمارس سياسة التطهير العرقي بغية التمهيد للاحتماء في مناطق خاصة لشبيحته. اتهام الأسد القوى الاقليمية والدولية بالسعي لتقسيم سورية اتهاما ليس باطلا فحسب بل مخالفا للواقع اذ لا مصالح للدول الاقليمية الفاعلة مثل مصر، السعودية ولا حتى تركية في أي تقسيم لسورية، ان كانت هناك مصلحة اقليمية فهي لإيران بغية استمرار نفوذها عبر عراق (المالكي) الى سورية من خلال المنطقة الموالية لها ومن ثم الى ايران الصغيرة في لبنان ( حزب الله). دوليا لن تستفيد من التقسيم سوى روسيّا التي تحلم باستمرار نفوذها في المنطقة عن طريق استمرار حكم البعث وذلك لمعرفة حكامها الأكيدة بعدم التمكن من الحصول على امتيازات في سورية الجديدة.

عامان من الألم، العذاب والمعاناة فاقت خلالهما تعداد اللاجئين والنازحين السوريين أخوتهم الفلسطينيين في الشتات ومازال الأسد يتشدق بالدفاع عن القضية الفلسطينية وبأن العدو الرئيس هو اسرائيل في الوقت الذي أفرغ جبهة الجولان من جنودها ليوجهوا مدافعهم صوب بوابات دمشق.
مبادرة الحل السلمي والحوار الوطني ليست موجهة الى المعارضة التي تقاوم أو ترفض الظلم بل موجهة الى المعارضة التي يختاره النظام والمتمثلة بالمعارضة الوطنية التقدمية التي حلت محل الجبهة الوطنية التقدمية سابقا.

على الدول التي تقدم الدعم والسلاح للمعارضة أن توقف امداداتها لكي تتمكن قوات الأسد من دحرهم بسهولة، بذلك يتمكن من ترسيخ أواصر حكمه من جديد.
لم ينسى الرئيس المغوار الذي لا يعتمد على قوى الخارج بأن يشكر كل من روسيّا،الصين وإيران على دعمهم اللامحدود لنظامه والذي يعدّ أهم أسباب استمراريته في قتل السوريين وتدمير ممتلكاتهم.
بعد كل هذا القتل وهذه الدماء التي أريقت وبعد كل هذا الصمت والاختفاء يظهر الأسد في خطابه الأجوف مؤكدا انفصامه عن الواقع و افتقاره الى أية خطة للخروج من النفق المظلم والمحنة العصيبة التي تعصف بالسوريين.

على ما يبدو مرض الديكتاتورية واحد أينما كان في ليبيا،رومانيا، صربية، الخ. الطغاة لا يرون ولا يسمعون الا وجوه وأصوات المصفقين لهم، تلك هي الحقيقة التي لا يمكن تغييرها وقد أثبتت تاريخيا، كما أن نهايتهم كذلك واحدة لا يمكن أيضا تغييرها.


ستوكهولم



مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]