العالم الخارجي يدير من جديد ظهره للسوريين تاركا البلاد برسم الدمار، وفاسحا المجال للنظام كي يبطش بالشعب مستخدما ترسانته المدججة بأدوات القتل الهمجية تفتك بهم، تنهش أجسادهم وتزهق أرواحهم، مصرّا على استمراره في سياسة التعنت وتجاهله رفض الشعب لبقائه وما ورد من تصريحات على لسان الرئيس بشار الأسد الأخيرة عن نيته البقاء حتى 2014 واستعداده لترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية من جديد وإصراره على عدم الاعتراف بالمجازر الوحشية التي ارتكبت بحق المواطنين السوريين ليس سوى تأكيدا على فقدان كل بصيص أمل للخروج من الأزمة الدامية عبر حل أو حوار سلمي.

أطياف المعارضة عليها عدم الاستمرار في التخبط بمساراتها، تجنب حمل رايات الوطنية الزائفة من خلال مزاعم لا تختلف في جوهرها عن شعارات النظام البائس ولا تعكس حقيقة الواقع المؤلم في البلاد من أقصاها الى أقصاها، كما أن على الائتلاف المعارض أن تقدم صورة أكثر وضوحا فيما يتعلق بمقدار نفوذها على أرض الواقع لكي تبشر بالخير في سورية المستقبل وإمكانية ضبط مكامن الأسلحة.المعارضة السياسية والعسكرية تمنح لا اراديا نظام البعث أدواة البقاء بدل من أسباب الفناء، النظام يستفيد من الشرذمة بين فصائلها ومن نفوذ الجماعات الاسلامية المسلحة على الأرض ميدانيا.

بقاء السلطة في سدة الحكم لا يعود فقط الى المواقف الدولية ولو كان الأمر كذلك لبقي كل حكام دول الربيع العربي الذين كانوا يحظون بمباركة الدول الغربية في مناصبهم، بل ان المواقف الشعبية الحازمة على التخلص من أنظمتها هي التي صنعت مفتاح نجاح ثورات دول الربيع العربي.
الاعتراف بالخصوصية السورية وتنوعها أمر لابد منه ولابد لقوى المعارضة من سد العجز الناتج عن افتقارها للرؤى المستقبلية للبلاد، تلك الرؤية التي من شأنها تكوين الحافز والدافع لدى مختلف مكونات الشعب السوري.

تغيير النظام بنظام اخر لا يشكل حافزا كافيا للمواطن العادي في ظل الضبابية القاتمة والفوضى البهيمية التي يقودها النظام و يحاول تشويش ذهن وبصيرة المواطن العادي وفي ظل تشتت قوى المعارضة وشبه غياب تام لملامح الوطن الذين يريدونه.
مرة أخرى خطاب المعارضة بحاجة الى الارتقاء لتطلعات عموم السوريين، لا قسما أو مكونا دون الآخر كما يجب التأكيد على أن المعتدلين من فصائلها هم من يتحكمون بزمام الأمور وليست الجماعات المتطرفة التي يتوجس المجتمع الدولي من خطورة وقوع الأسلحة بين أيديهم.

لا بد من الاعتراف بأن النظام قد نجح على أصعدة مختلفة خلال سنتين من عمر الثورة السورية فبالإضافة الى الدول الداعمة له نجح أيضا في عملية تحييد الغرب الأوربي والأمريكي من خلال فزّاعة القاعدة والجماعات الارهابية والمؤشرات على أرض الواقع تشير على توجه الأمور حسب السيناريوهات التي يرسمها النظام، هذا ان لم تتوفق قوى المعارضة على لمّ شملها.

لا شك أن الموقف الدولي له أهمية بالغة للتوصل الى وقف لإراقة دماء السوريين، لكن بعد مرور سنتين على عمر الثورة من المفروض أن يصبح جليا للسوريين بأن التعويل على العالم الخارجي لا يجدي نفعا دون تكاتفهم أنفسهم، بل يطيل من معاناتهم.

للتوصل الى قرار دولي يتم بموجبه الزام أركان النظام السوري بالخضوع لرغبات الشعب وتطلعاته الى الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية يجب التفاف المعارضة حول الهدف المشترك. اقناع الرأي العام الشعبي السوري يأتي قبل الرأي العام العالمي والموقف الوطني السوري هو الذي سيفرض نفسه على القرارات الدولية ويرغم المجتمع الدولي على القيام بواجبه تجاه السوريين الذين تحولوا الى شعب هائم على وجهه داخل وخارج الوطن. ليس خافيا على أحد التنوع في نسيج المجتمع السوري ولكي يحس الجميع بأنهم أصحاب هذه الثورة وأهلها لا بد من مشاركتهم، معظم السوريين لا يستسيغون سماع كلمة تقسيم لجسد الوطن السوري لكن الجميع يتقبلون رؤية سورية بلدا مشتركا للجميع ليس فقط كسوريين بل بخصوصياتهم الدينية والمذهبية والقومية، هذه المشاركة لن تتحقق الا عبر توافقية تفضي الى المحاصصة، بحيث يحصل كل مكون على نسبته من السلطة المقبلة في دمشق كضمان لعدم استفراد طرف،مذهب أو ايديولوجية معينة بمقاليد الأمور ويرجع الحال بالبلاد الى حقبة شبيهة بعهد البعث.


ستوكهولم
مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]