في زمن الفوضى الإقليمية غير الخلاقة، وفي واقع عربي و إقليمي متردي وطافح بكل صور العنف والدموية والكراهية وتبديد الثروات، تبرز دولة قطر كنموذج حي و متجسد لقصة نجاح و تألق وبروز في مختلف المجالات السياسية والإعلامية و الإقتصادية، دولة قطر وكانت لحدود عام التغيير والإقلاع والإنطلاق الكبير عام 1995 من الدول الصغيرة التي لم يسمع بها أحد رغم أنها منذ عام 1972 وحتى قبل ذلك التاريخ كانت حاضرة على الدوام في مشاهد الصراعات الداخلية الحادة والتي أفرزت إستقطابات وأنتجت عوامل ساهمت في تلكؤ و بطء عجلة التنمية و التطور، وحقيقة لايمكن وصف ماحدث في صيف 1995 و تسلم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لراية السلطة بكونه إنقلاب! لإن تلكم الكلمة الخطيرة و الحساسة لها مفاهيم ومعاني في غاية الحساسية والخطورة في الذهنية العامة لإرتباطها بالدم والعنف وسحل الجثث و إعلان الأحكام العرفية ونصب المشانق والإعدامات الميدانية، وكل تلكم الأمور لم تحصل في قطر ولن تحصل أصلا، لأن الطبيعة الإجتماعية للدولة والمجتمع في قطر لاتتحمل مثل تلك الصيغ والمعاني والتصرفات، ماحدث كان تغيير على مستوى إدارة السلطة، وهو تغيير املته طبيعة الظروف الجامدة التي كانت تحتم اللجوء لحركية سياسية فاعلة و تنشيط أجهزة الحكم والدولة، وصياغة عقد توافقي جديد ووفق رؤية إصلاحية تطورية قد تكون صادمة في بداياتها ولكنها ضرورية من أجل خلق الحالة الجديدة، وفعلا فلم تمر سوى شهور قليلة حتى أطلقت قطر تجربتها الإنقلابية الفعلية الأولى والكبرى ممثلة في إطلاق قناة الجزيرة الفضائية عام 1996 التي كسرت كل القواعد الجامدة و المتخلفة للإعلام العربي المتخشب بأشكاله الفاشية من بعثية ودينية أو المحافظة التي لا تتعدى صيغتها الإعلامية أسلوب ( ودع وأستقبل وسافر بعون الله ورعايته )!، قطر كانت على موعد مع التاريخ والتحديث فعلا، فكانت الجزيرة جوهرة التاج التغييري قبل أن تتكفل الأعوام القادمة من تعزيز الإنطلاقة القطرية لتشمل جوانب أكثر أهمية بكثير من العمل الإعلامي، لقد واجهت التجربة القطرية تحديات كبرى وأثارت من علامات التساؤل وحملات التشكيك فضلا عن موجات الإعجاب و الإنبهار الشيء الكثير، فتلك الدولة الصغيرة خرجت من شرنقة العزلة القاتلة ومن الصراعات الداخلية الصامتة و من حالة التواري الجغرافي لتطل على أهم وأدق الملفات الدولية، ولتلعب أدوارا حاسمة ومشهودة في تنظيف الشرق القديم من بقايا الفاشية وأنظمة الموت والدمار التي عاثت في الأرض فسادا وأهلكت الحرث و النسل وهي تؤسس لإمبراطوريتها السلطوية المتوارثة بالحديد والنار، دولة قطر ليست مجرد شركات مالية ناجحة ولا إستثمارات دولية ولا حقول غاز ولا شركة طيران دولية ناجحة و متالقة فرضت نفسها في الساحة الدولية، وهي ليست مجرد قاعدة لقناة الجزيرة الفضائية التي تحولت لبوابة إعلامية حضارية فاعلة ولسلاح دمار شامل و ناعم تمتلكه قطر لدك حصون التخلف والإستبداد و الإنفتاح على العالم برؤى جديدة و مختلفة، إنها أبعد من ذلك بكثير لكونها تمثل حالة جديدة من التألق والتحدي وتجاوز المألوف، وهي قصة نجاح لايريد أن يتوقف أو يصل لنقطة النهاية، وهو ما أثار الخصوم وحشد جبهة الحاقدين وقوى من عضد الفاشلين في حزب ( أعداء النجاح ) فأنطلقوا في الفبركة والتلفيق لسيناريوهات خيالية ورثة حول مؤامرات قطرية كونية ! وحول تطلعات إمبراطورية لدولة قطر؟ وحول الدعم الصهيوني والإمبريالي لها!!، رغم أن الصهيونية ليست بحاجة لخدمات قطر كما نعلم !، وهي أحاديث الخرافة التي يروجها المفلسون والفاشلون، سياسة قطر برؤية قيادتها العليا تعتمد أساسا على تفعيل كل عناصر النهوض والتغيير وعدم الإعتراف أبدا بحالة عجز أو هزيمة بل إستغلال مختلف المعطيات و الإمكانيات المتاحة من أجل التغيير، يعيبون على قطر تعاملها بمكيالين في قضايا الحريات العامة وينطلقون في النقد من حالة الحكم على الشاعر القطري محمد العجمي ( ولد الذيب ) والذي حكم مؤخرا بخمسة عشر عاما من السجن، وهي قضية غامضة لا تعرف فصولها وجذورها الحقيقية البعيدة سوى أن ذلك الشاعر قد إرتكب فعلا مس بهيبة وسيادة الدولة وأرتكب فعلا تحريضيا لا تدخل أبجدياته ضمن خانة حرية التعبير بل ضمن مساحة التحريض العلني ضد وضع إجتماعي وسياسي و إقتصادي هو الأرقى في العالم العربي، وبرغم قساوة الحكم إلا أن العفو الأميري لابد أن يحل في نهاية المطاف، ومن يتهكم على قطر عليه ان يذكر لنا عدد الإعدامات ضد المعارضين!! أو عدد المغيبين في السجون السرية؟ وهي أرقام غير موجودة أصلا ولا يمكن أن تقارن الحالة في قطر بالحالة في دول القمع العربي وحتى ما يسمى بدول الإعتدال العربي، وأعتقد انه حينما تشتم دولة قطر على لسان ضيوف قناة الجزيرة ومن ثم يخرج أولئك الضيوف سالمين معززين مكرمين من مطار الدوحة وعلى متن ركاب درجة رجال الأعمال في الخطوط الجوية القطرية فإن في ذلك قمة التسامح و الديمقراطية غير المألوفة في عالمنا العربي التعيس، والعجيب أن الشتائم الكبرى و المعيبة التي تواجهها قطر تنطلق من على افواه اهل المعسكر الطائفي المريض المدافع عن النظامين السوري و الإيراني وهم نفس الطرف الذي إستفاد إستفادة كبرى و مباشرة من خدمات و إعلام ( قناة الجزيرة ) في توصيل رسالتهم ورؤاهم و تصوراتهم فلما تضررت مصالحهم بعد أن فضحتهم رؤواهم المريضة و فشلهم المتوارث لم يجدوا سوى قطر ليوجهوا لها سهامهم المسمومة و إتهاماتهم الرخيصة المتهاوية، كحكاية القواعد الأمريكية في العديد و السيلية رغم أن جميع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مزنر بفواعد امريكية تبدأ من تخوم الصحراء المغربية ولا تنتهي عند بغداد او كابول؟ ثم لنتكلم بصراحة مؤلمة ونقول بأنه لو كانت هنالك قاعدة أمريكية في الكويت مثلا لما إجتاح صدام الكويت ولما كانت الصورة في المنطقة كما هي حاليا من تمدد رهيب لنفوذ التخريب الإيراني الممنهج، قطر وظفت إمكانياتها في خدمة نداء الحرية المقدس، وقيادتها لن تبالي بما يقال هنا أو هناك لأنها تمتلك الإرادة الحرة، والعزيمة الجبارة، والرؤية الواضحة و القدرة على التنفيذ والإستعداد الدائم للتضحية بكل المصالح النفعية و المادية في سبيل الأهداف الإنسانية، لقد إتخذ البعض من قضية سحب الجنسية القطرية من بعض من أفراد قبيلة ( بني مرة ) كذريعة مضافة للنيل من السياسة القطرية ولكنهم تناسوا بأن هذا الملف قد تم طويه بعد أن حلت المسألة ضمن إطار البيت القطري وبشكل توافقي، وقطر ليست بحاجة لشهادة حسن سير وسلوك ممن يدافعون عن القتلة و الطغاة، من يسخر من قطر عليه أن يكون بمستواها قبل أن يتمضمض بأحاديث الإفك و الزيف والخداع... دولة قطر تعرف و تعلم علم اليقين بأن مقارعة الفاشية أمر له مخاطره و ثمنه، ولكن قيادة قطر قد قبلت التحدي و ستمضي لنهاية الشوط في سباق الحرية المقدس و ليشرب المدافعين عن الطغاة مياه الخليج العربي المالحة، و من يجعل الضرغام بازا لصيده، تصيده الضرغام فيما تصيدا.. ولن تلين قناة الأحرار.