quot;جولة الاستماع quot; عنوان الجولة المكوكية لوزير الخارجية الامريكي جون كيري، وهي الاولى له بعد توليه الخارجية من هيلاي كلينتون في بداية الشهر الجاري، سيستمع كيري لاربع عواصم اوروبية وهي لندن وبرلين وباريس وروما، وتشمل جولته ايضا الشرق الاوسط التي ستقوده الى تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة وقطر، والازمة السورية تتصدر الملفات.

عشرة ايام سيستمع خلالها كيري لتسع عواصم فاعلة في الازمة السوري، وقبل البدء بجولته عبر كيري عن محولات لتغيير سلوك الاسد واقناعه على الرحيل رغم اقراره بصعوبة تحقيق ذلك، ولكن الادارة الامريكية على مايبدو ركبت راسها، ما اوجب بالتالي تسويق quot;الحوارquot; الى الجسم المعارض السوري عبر السفير روبرت فورد ومن خلال رئيس الائتلاف الوطني السوري الشيخ والواعظ معاذ الخطيب، الا ان استعداد الخطيب محاورة النظام، رد عليها الاسد بقصف احياء شعبية في حلب بصواريخ سكود.

المعارضة السورية التي لم تستعد بعد وعيها جراء الصدمة من مبادرة الخطيب، وفي اول رد فعل لها، خرج وليد البني المتحدث باسم الائتلاف وبعد يوم واحد فقط من مجزة حلب، لا ليعلن فقط موت مبادرة الخطيب، بل ايضا تعليق مشاركة ائتلافه في مؤتمر أصدقاء سوريا في روما، ورفض تلبية دعوتين لزيارة واشنطن وموسكو، ولكن سرعان ماعاد الخطيب مجددا الى المشهد ليعلن عبر صفحته في الفيس بوك، عن تغيير الائتلاف الوطني رأيه وقراره المشاركة في مؤتمر روما، فقد تم إرسال روبرت فورد، إلى القاهرة، وحمل للخطيب امتعاض كيري من قرار تعليق المشاركة، وذكر فورد الخطيب، بان المؤتمر هو فرصة للمعارضة للحصول على مساعدات جديدة، ووعده بعقد بلقاء يجمعه مع كيري في روما، فما كان امام الخطيب اللجوء الى منبره مجددا ويخط على حائطه اعلان الرجوع عن تعليق المشاركة، والذهاب مع رياح كيري.

الا ان شلل الخارجية الامريكية والتي بدأت مع عهد اوباما، فسر سلوك امريكا المتهاون مع انتهاكات حقوق الانسان في سوريا وبالتالي فقدانها هيبتها الخارجية، نتيجة حتمية ارتضاها اوباما وضحى بمقعد امريكيا المتصدر للقرار الدولي، لحساب معالجة المشاكل الداخلية، مادام جدد في فترة ولايته الثانية، اصراره بل قتناعه بالجلوس في المقاعد الخلفية، وكل هذا لاينبئ بجديد يحمله كيري الى روما.

الكواليس عنوان جيد لدور امريكي خلال السنوات الخمس الفائتة، وتعاطيها مع قضايا المنطقة، وفيما بعد مع الربيع العربي، فما طرأ لم يهز شعرة من استراتيجية اوباما في العلاقات الخارجية، وهذا ماجعله يحيط نفسه بمن يشاطرونه هذه السياسة.

جون كيري، المقرب من اوباما، والذي خبر في وقت مبكر استراتيجة الانكفاء، فهو عراب الرئيس السوري بشار الاسد لدى الادارة الامريكية، عندما كان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، السيناتور كيري نجح في عودة الاسد الى قائمة حسابات البيت الابيض، وهذا بالطبع تم وسط مباركة الرئيس الامريكي باراك اوباما الهارب من شبح شطحات السياسة الخارجية للجمهوريين، المتسمة باللعب على الارض والحسم السريع للقضايا التي تؤرق الامن القومي الامريكي.

وبدأت العلاقات السورية الأمريكية تشهد تطوراً ملحوظاً منذ تسلم الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، مهامه في البيت الأبيض، إذ قام عدد من الوفود من الكونغرس بزيارة دمشق.

الشيف كيري اشرف على مطبخ السياسة الخارجية المنسجمة مع استراتيجية ادارة اوباما اي التعامل مع تعقيدات المنطقة على نار هادئة، ومنها جهوده في مهمة احداث شرخ في الهلال الشيعي، ففي عامي 2009 و 2010، ضرب كيري رقما قياسيا في عدد الرحلات المتجهة الى دمشق، حيث التقى الاسد خمسة مرات، وهذا العدد من الزيارات لابد ان يبرر للسيناتور الديمقراطي التعبير عن تفاءله بلعب الاسد دورا إيجابيا في المنطقة، و قيامه بخطوات من شانها تغيير علاقته مع الولايات المتحدة، والمشاركة بشكل إيجابي مع العراق، والبدء بجولة المفاوضات مع إسرائيل حول مرتفعات الجولان، واعتمادا على ما ابداه رجل اوباما في الشرق الاوسط، من تفائل بامكانية انتشال الاسد من قبضة الجمهورية الاسلامية، جعلت الادارة الامريكية تخفف العقوبات ضد سوريا، وتسمح بتصدير المواد المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات، ومعدات الاتصالات السلكية واللاسلكية والطيران المدني الى سوريا، وفي أكتوبر 2009 زار نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى واشنطن، الزائر السوري الأرفع مستوى خلال خمس سنوات، تلبية لدعوة امريكية، واخيرا توجت خطوات ادارة اوباما للتقرب من دمشق في أواخر يناير كانون الثاني 2011 بعيين روبرت فورد سفيرا أمريكيا في دمشق بعد 5 سنوات من المقاطعة الدبلوماسية.

المغازلة الامريكية لم تستطع اغواء الاسد الى حد يفسخ فيه عقد الوصاية الايرانية على سوريا واحكامها بمفاصل الحكم في البلاد، بلا شك غاب عن ادارة اوباما اتساع رقعة حركة التشيع لتغطي المساحة الجغرافية السورية، ماجعل التغلغل الايراني يتعدى رأس النظام السوري الى بنية نظام الحكم، فمن يدورن ملفات الامن والاستخبارات ليسوا الا ممثلين عن ولاية الفقيه، ولربما غفلت قنوات اواما الى دمشق عن اتفاقية التعاون العسكري بين ايران وسوريا والموقعة في منتصف يونيو/حزيران 2006، وتغاضت عن توقـيع مذكرة تفاهم في مجال الدفاع المشترك و الشؤون العسكرية في كانون الأول/ ديسمبر 2009، وفي تشرين الثاني/ 2010، تم تفعيل هذه المذكرة ثلاث مرات والتي تشير إحدى بنودها الى أن quot;أي هجوم على سوريا هو بمثابة هجوم على إيران وستصل صواريخنا إسرائيلquot;.

واخذت الاتفاقات تتوالى امام انظار ادارة اوباما منها اتفاقية خط التسهيل الائتماني بقيمة مليار دولار بين المصرف التجاري السوري وبنك الصادرات الايرانية، تتيح لدمشق الاقتراض من طهران حتى سقف مليار دولار بفوائد ميسرة، اتفاقية، وعقودا عدة في مجال انتقال الطاقة والمعدات الكهربائية، اضافة الى إتفاقية التجارة الحرة السورية الإيرانية.

وفي شباط 2010 ضرب quot;الصديق العزيز quot; مشاعر كيري عرض الحائط، ففي مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، انتقد بشار الأسد طلب وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون من دمشق quot;البدء بالابتعاد عن إيران quot;. ساخرا quot; التقينا اليوم لنوقع اتفاقية ابتعاد بين سوريا وإيرانquot;، ووقعا نكاية بادارة اوباما في نفس اليوم اتفاقية للإلغاء المشترك لسمات الدخول بين البلدين لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة والخدمة والعادية.

تجربة كيري مع النظام السوري قبل اندلاع الثورة على مايبدو انها لم تلقنه درسا في استحالة الاتيان بنتائج ايجابية عبر لغة الحوار، اوالمغازلة اوالمساومات، وان جهود كيري وزير الخارجية الامريكي لن تأتي بنتائج افضل من جهود كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، في حال لم تشهد استراتيجية اوباما تغيرا جذريا في العلاقات الخارجية.

وبالتأكيد فان رهان ادارة اوباما احداث تباعد بين دمشق وطهران، كان خاسرا، ولكن تداعيات هذه الخسارة دفعها الشعب السوري، وان التبجح بمبادرات يستئنأف خلالها الوقت الضائع على الثورة، يعني تضاعف اعداد الضحايا، ولا ننسى ان فاتورة استراتيجية اوباما كانت استشهاد اكثر من 70000 سوري ومليوني نازح.

كاتبة وصحفية سورية