تجاوزت الدول العالمية والعربية كل القيم الإنسانية بصمتها أو تصريحاتها المبطنة إزاء الجرائم التي تقوم بها السلطة السورية، وبلغوا حد القرف الإنساني بالخذلان الذي يبدونه تجاه الثورة السورية، والتلكوء المتعمد في المساعدات، بل الأفظع من كل ذلك مدى التلاعب بمقدرات الشعب السوري، كالنفاق الدبلوماسي الذي يجري وراء الكواليس لخلق التوازن بين قوة ثورة الشعب والسلطة الإجرامية. كل ذلك وورائها تكمن الإتفاقيات الدولية يبحثون عن مصالحهم في الشرق الأوسط، إلى أن اصبحت الثورة السورية جزء بسيط من جملة تلك المصالح. في مقدمة هذه الدول تقف أمريكا وروسيا، الأولى تعتمد على منطق ليبرالية الحزب الديمقراطي الحاكم وسياستها تجاه العالم ومن ضمنها الثورة السورية وتأثيراتها على دول الجوار وأولهم الدولة الإسرائيلية، والثانية روسيا الفيدرالية، وهي تتبع نفس المنهج لكن على الجانب الآخر من القضية. تفاهم واضح وفاضح بينهم على العديد من الخطوات حول استمرارية الوضع السوري العام، وهو المنطق الفاسد الذي تستغله السلطة في تجاوزاتها لكل الأعراف الإنسانية، دون رادع دولي. خلق هذا الجمود العالمي لدى الشعب السوري عامة والمعارضة الخارجية بشكل خاص نوع من القرف من وعود الدول العالمية وعلى رأسها العربية، فلم يكن قرار الإئتلاف الوطني السوري، بالإمتناع عن حضور أي من المؤتمرات أو تلبية دعوات كل من أمريكا وروسيا بزيارتها، سوى رد فعل منطقي وقوي، تجاه العلاقات الدبلوماسية والمؤتمرات الهشة، والتي معظمها تدار وتعقد لإمتصاص الثورة وإفراغها من محتواها الحقيقي تحت حجج وقناعات هشة، كإتهامهم بإنحراف الثورة عن مسارها أو ظهور تيارات متطرفة خطرة على مسيرة الثورة والعالم الخارجي أيضا، علما إن التلكوء ذاته كانت من الأسباب التي أدت و سمحت لهذه التيارات من الظهور على الساحة السورية. رغم ما نراه موقفا صائبا من قبل الإئتلاف الوطني السوري، ونجدها خطوة قوية وصائبة، إلا أن المنطق يتطلب أن تنظر معظم أطراف المعارضة إلى ذاتها، وتبحث عن السلبيات التي تراكمت عليها جراء مواقفها السابقة من جملة من القضايا الوطنية والعالمية، في الداخل السوري وخارجه، وأثرت على مسيرة الثورة بشكل عام، وبينت عن وجه آخر للثورة أمام الرأي العام العالمي. 1 - لم تقدم المعارضة السورية منذ إنتقالها من الحالات الفردية إلى العمل الجماعي وحتى اليوم أية مبادرة أو مشروع نظري لسوريا القادمة مغايرة للسلطة الحالية، بينت وفي جميع مؤتمراتها على إنها تبحث عن السلطة وليس تغيير النظام، رغم ظهور عدة وثائق وبيانات حول شكل السلطة القادمة قبل ظهور الإئتلاف الوطني، لكن جميع تلك التصريحات لم ترقى إلى سوية الثورة ومفاهيمها. 2 ndash; لم تقدم أي مشروع مغاير لأسلوب الحكم في سوريا القادمة، كالنظام اللامركزي الفيدرالي الذي ينادي به جميع الأقليات والطوائف الدينية، و الذي أصبح مشروعا يتبناه الشارع الكردي بكليته، كضمانة للجميع على بقاء سوريا وطن للجميع برغبة وليس بارضاخ مركزي، إضافة إلى أنها ضمانة لعدم ظهور دكتاتورية بديلة عن السلطة الجارية. كل ماقدمه المجلس الوطني السوري سابقاً كمشروع لم تتعدى اللامركزية الإدارية، وهو شكل لا يختلف في كثيره عن نظام الإدارة المحلية التي أبرزتها السلطة بشكل أوسع بعد قيام الثورة كخطوة اصلاحية. 3 ndash; لم يتجرأ أي طرف من المعارضة على توضيح موقفها من العلاقات الدولية وعلى رأسها العلاقة القادمة مع الدولة الإسرائيلية والتي لها يد واضح في مسيرة الصراع السوري مثلها مثل أي دولة مجاورة بل وحتى غير مجاورة كأيران. 4 ndash; موقفها الرافض، والمتذبذب لدى البعض، حول التدخل الخارجي في الثورة السورية والتي أبقت على التسول وطلب المساعدة دون أن تنسى الإنتهازية في التكالب على السلطة بدون مراقب، فالقوى المسيطرة على المعارضة كالتيارات الإسلامية السياسية، الليبرالية أو المتطرفة، ترفض المساعدة المباشرة خوفاً من التدخل في تحديد نوعية السلطة القادمة الرافضة في بعضه للمفاهيم الدينية، لإنها لا تثور على النظام بكليته بل على السلطة واستلام الحكم. 5 ndash; لم تنظر تيارات المعارضة العربية السنية بشكل خاص إلى قضية الشعب الكردي إلا بمنظار ومفاهيم البعث السابقة، مع بعض الرتوشات الشحيحة، والتي أدت إلى غياب أحد أهم أطراف المعارضة السورية من الإشتراك في تكوين البنية التحتية للمعارضة، علما أنهم كانوا الأكثر تنظيما حتى قبل فترة، و تبينت مواقف تلك التيارات التي شكلت الأغلبية في المجلس الوطني السوري وفيما بعد الإئتلاف الوطني من جميع الطوائف والاقليات في سوريا من خلال مواقفها السلبية المتكررة من القضية الكردية، وكان إنذاراً بحد ذاته للرأي العم العالمي على مدى بعد هذه المعارضة عن مفاهيم الثورة الحقيقية، وتخلفها عن الوعي الديمقراطي الحضاري تجاه قضايا الشعوب عامة، وللأسف تكررت هذه المواقف في جميع مؤتمراتهم، والتي كانت من أحد اسباب التاثيرات على نوعية الدعم والمساندة العملية والإعلامية للمعارضة بشكل عام ولأطراف عديدة من الثورة. 6 ndash; لم يتجرأ أي من أعضاء اللجنة التنفيذية للإئتلاف الوطني السوري بسؤال ذاتهم، عن أسباب مواقف الأحزاب الكردية المتكررة والمشابهة لموقفهم الآن من روسيا وأمريكا، وأعلانهم على رفضهم تلبية دعواتهم، ورفض حضور مؤتمر اصدقاء الشعب السوري ( والذي نشك فيه ). فهل هذه مطالب إنسانية للشعب السوري ننادي به دول العالم لمساندة الثورة، ومطالب الشعب الكردي التاريخية والجغرافية أعتبرتها المعارضة السنية مطالب مهترئة في حاضر الثورة، رد على المقترحات الكردية بشكل سلبي من قبل معظم أعضاء اللجنة التنفيذية العربية السنية، وبأساليب فجة وغير ديمقراطية بل تخللتها ثقافة عنصرية واضحة، بعضها بسبب ضحالة في المفاهيم و غياب واضح لمفاهيم الحرية والعدالة وتجرد البعض من القيم الحضارية والديمقراطية في التعامل مع الآخر. تبرر المعارضة غياب المساعدات الدولية بفقر سوريا، وضعف قدرات الاقتصاد السوري على تغطية تكاليف التدخل الخارجي العسكري أو السياسي، وعدم قدرتها على دعم مصالحها في المستقبل القادم بعد سلطة بشار الأسد، لكن الحقيقة أبعد من شح الموارد الصناعية فيها، معظمها تعتمد على نوعية المعارضة والقوى التي برزت ذاتها في الثورة، والتي اثرت سلبا على مسيرة النضال والعلاقات الدولية، وكانت واضحة منذ الشهور الأولى من المعارضة المسلحة، ولا ننفي بأن للسلطة الدور الأفظع في خلق هذا الإتجاه، والتي استفادت منها بشكل فظيع، وأدت إلى تطويل عمر السلطة وتفاقم التدخلات الخارجية، وخروج الثورة من حلقة الصراع بين الشعب السوري وسلطة آل الأسد إلى صراع اقليمي ومذهبي بامتياز. تحتاج قوى المعارضة إلى إعادة النظر في معظم مواقفها، وترتيب جولاتها الدبلوماسية وعلاقاتها السياسية مع الداخل قبل الخارج، ومواقفها من الطوائف والأقليات ومن الشعب الكردي، والتي اصبحت تظهر منذ الحين أعتداءات على منطقتهم ومدنهم تحت حجة تحريرها وبأجندات تركية واضحة، هذه العلاقة ستكون كرمز للعلاقات الداخلية العامة، لا شك أن أهم النقاط التي تركز عليها القوى الدولية هو النظام السوري القادم الذي يجب ان يحفظ حقوق الكل، ولا يجدون البديل عن النظام الفيدرالي لسوريا القادمة. كما يجب تبيان الرأي من العلاقات الدولية وبشكل خاص من اسرائيل، وأن تكون جريئة في مواقفها، وواضحة، وتقدم البديل الثوري الواضح والمنطقي بعد زوال سلطة بشار الأسد، كما وتتطلب بشكل خاص مواقف أوضح للتيارات الإسلامية التي تدعي بالليبرالية والمتشبهة بالإسلام في تركيا والبعثيين السنة اللذين دخلا على جسم الثورة بمنافذ مغايرة، ليشكلان التعصبين الديني الإسلامي السني والقومي العروبي الواضحين، وعلى تيارات المعارضة الثورية تحديد مواقفها من التيارات المتطرفة والمتطفلة على الثورة بشكل سلبي بعض زوال السلطة الحالية. لتظهر الثورة السورية للعالم الخارجي والقوى الوطنية الأخرى داخل سوريا على أن الصراع محدد بين سلطة دكتاتورية وبين الشعب السوري الراغب في بناء وطن ديمقراطي حضاري. الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات