بالرغم من الازمات التي عصفت بلبنان خلال الحرب الاهلية وقبلها وبعدها، فان الامور لم تصل الى حد اشتعال اي قتال بين لبنان وسوريا، ومن المعروف ان المجتمع اللبناني شهد انقساما بين مؤيد ومعارض للنظام السوري، وكان هناك معارضة قوية للوجود السوري المسلح والذي استمر حوالي ثلاثين سنة.

لكن بالرغم من انسحاب القوات السورية من لبنان، الا ان الحملات على النظام السوري لم تهدأ واستمرت من خلال اتهامه بالاغتيالات التي حصلت في لبنان والتدخل في شؤون لبنان الداخلية، ولا يخفى على احد ان لبنان كان ساحة للصراعات للقوى الدولية والاقليمية لتصفية حساباتها على الارض اللبنانية وهذه القوى بل شك هي التي تسببت باطالة الحرب الاهلية، ولكن ها هو لبنان يعود كساحة للصراع وخاصة بين القوى الاقليمية، وهذه المرة بين بعض الدول العربية التي تؤيد وتدعم تيار المستقبل وما يمثله من احزاب وتنظيمات والتي تسمى قوى 14 وبين القوى الممثلة بحزب الله وبعض القوى المتحالفة معه، التى تسمى قوى الثامن من اذار المدعومة من سوريا وايران.

ان ما يجري في سوريا منذ عامين قد أدى الى انقسام واصطفاف اللبنانيين بين معارض ومؤيد للنظام السوري، وبشكل بطيء يؤدي هذا الاصطفاف الى عسكرة المجتمع اللبناني ومن الممكن في مرحلة من المراحل ان يؤدي الى انفجار الوضع الامني والدخول في اتون الاقتتال الداخلي.

لا شك ان الازمة السورية التي بدأت بمظاهرات مطالبة بالحرية والديمقراطية قد تطورت وبدأت تطالب بإسقاط النظام، وكما الثورات السابقة في دول الربيع العربي قد تم السيطرة على هذا الحراك من بعض القوى الاقليمية لتحقيق اهداف واجندات خاصة، ومن اهم هذه الاهداف هي سيطرة قوى اسلامية بعينها على المشهد السوري، وقد تطورت الامور الى تدخل قوى اسلامية اخرى متطرفة كجبهة النصرة، ان هذه القوى تتفق على هدف واحد وهو اسقاط النظام وابعاد سوريا عن المحور الايراني وفك تحالفاتها مع ايران، وبالتالي وقف الدعم الايراني الذي يأتي عبر البوابة السورية لحزب الله.

لذلك تحولت الازمة السورية الى عامل تأجيج الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة، وهنا يكمن خطر هذا الصراع الذي من الممكن ان يمتد الى دول الجوار، وخاصة الى لبنان، وذلك بعد اتهام الجيش الحر لحزب الله بالمشاركة في الازمة السورية والاشتباكات التي تحصل من وقت الى اخر على الحدود بين لبنان وسوريا.

فما يجري على الحدود اللبنانبة السورية يشكل ارهاصات المرحلة القادمة، وخاصة في حال سقوط النظام السوري فان هذه الجبهة ستشهد اقتتال بين حزب الله والقوى المعارضة للنظام السوري التي ترى في هذا الحزب عدوا بسبب دعمه للنظام السوري، ولذلك تسعى الانتقام منه، ومن جهة اخرى فان الجهات الاقليمية التي تدعم قوى المعارضة في سوريا والقوى السنية المعارضة لحزب الله في لبنان ستزيد من دعمها لهذه القوى من اجل اضعاف النفوذ الايراني في كل من سوريا ولبنان.

الدولة الللبنانية منذ بداية الصراع في سوريا تحاول ممارسة سياسة النأي عن النفس لكي لا يؤثر هذا النزاع على استقرار لبنان، فالسلطات اللبنانية كانت دائما تعمل على عدم المواجهة مع سوريا بالرغم من التدخل السوري في لبنان، ومن المعروف ان سوريا كان لها تاثيرأ كبيرا في السياسة اللبنانية.

ولكن هذا الوضع بدأ يتغير وتراهن بعض القوى اللبنانية على انهيار النظام السوري، وتظن أن بانهياره سيفقد حزب الله الدعم اللوجستي الذي يأتي من سوريا وايران، وترى هذه القوى فرصتها للتخلص من نفوذ هذا الحزب، وستجري تصفية حسابات بعض الدول العربية مع ايران على الاراضي السورية واللبنانية، وبلا سك ان اللبنانيون والسوريون سيكونون وقود وضحايا هذه الحرب.

وهذا السيناريو لو حصل، فانه من الممكن جر المنطقة من سوريا الى لبنان ومن ثم الى العراق الى اقتتال طائقي على استعادة النفوذ وملئ الفراغ في المنطقة، وهذا الوضع سيؤدي حتما الى تدخل اسرائيلي تحت ذرائع متعددة، ومنها التدخل بهدف تدمير السلاح الكيماوي السوري وعدم السماح لبعض القوى السيطرة عليه، أو عدم السماح لبعض القوى السيطرة على قوى اخرى.

ان ما يميز هذه المرحلة هو ان بعض القوى الاقليمية والدولية تعمل على اذكاء الفتنة بين السنة والشيعة من اجل اشعال المنطقة لتنفيذ مصالحها، وانهاك الجميع لكي تبقى المنطقة منفسمة على نفسها، وعدم معارضة السياسات التي يُخطط لها من اجل السيطرة على المنطقة واخضاعها.