المتابعة التلفزيونية هذه الأيام أصبحت مملة ومتعبة في آن واحد،مملة لكثرة تكرار دعاياتها وفواصلها الإعلانية،ومتعبة بل ومضرة حتى بصحة الإنسان،فالكثير من هذه القنوات تسهم بحرق الأعصاب ورفع مستوى ضغط الدم عند المشاهدين، وطالما أننا في هذا المحيط العربي لا تعتمد مؤسساتنا الإعلامية على البحوث والدراسات العلمية،ولا تلتجيء الى الإستطلاعات والإستفتاءات لمعرفة رأي المشاهد في أدائها الإعلامي والإعلاني،فإن الحال سيسير بطبيعة الحال من سيء الى أسوأ،وسيأتي يوم ستكون فيه مشاهدة التلفزيونات من أحد الأسباب الرئيسية لإصابة الناس بأمراض القلب والسرطان على عناد التدخين. فمعلوم دور إرتفاع ضغط الدم بزيادة نسبة الإصابة بأمراض القلب والشرايين،وكذلك دور عسر الهضم المتكرر في إرتفاع نسبة الإصابة بسرطان المعدة والبنكرياس والقولون،ناهيك عن المئات من الأمراض النفسية التي يتسببها الغضب والقلق.

عند متابعتي لبرنامج تلفزيوني يقدمه الإعلامي المصري الكبير محمود سعد، حسبت 31 إعلانا في فاصل إعلاني واحد، تكرر بعده بربع ساعة فاصل آخر بمدة تجاوزت ربع ساعة، وكانت مدة البرنامج ساعتان، ذهبت ساعة كاملة منها للفواصل الإعلانية وكل منها بربع ساعة، أليس هذا شيء يحرق الأعصاب؟؟. وتتكرر الحالة مع معظم المسلسلات والأفلام أيضا، فمسلسل فاطمة التركي الذي وصل عدد حلقاته على ما أعتقد الى 180 حلقة، ذهبت 90 ساعة منها للإعلانات، فبين كل خمس دقائق من عرض المسلسل كان هناك فاصل إعلاني بعشر دقائق، فهل يسلم الأعصاب من الحرق جراء ذلك؟

الحاصل أنني لاحظت من خلال متابعتي لمن حولي ممن يتابعون المسلسلات أو الأفلام أو البرامج التلفزيونية أنه كلما أعلنت القناة الدخول بفاصل إعلاني، فإن المشاهد الجالس يغير القناة متحولا من واحد الى آخر الى حين إنتهاء تلك القناة من فاصلها الإعلاني، وهذا يعني بأن المشاهد لا يشاهد بالمطلق أي إعلان يعرض على الشاشة، وبذلك فإن الخاسر الوحيد من ذلك هي الشركة التي قد تصرف بعضها ملايين الدولارات على الإعلان لمنتج معين. وقد يستغل البعض بدء الفاصل الإعلاني ليدخل الحمام ليفرغ بطنه، مفضلا المراحيض على الإستمتاع بوجه مطربة يقال إنها قبضت مليوني دولار عن إعلان مكياج، أو لمشاهدة أكلات أم حسن؟!

تصوروا حتى أم حسن بدأت تعرض إعلاناتها عن الملوخية بالأرانب اللي تاكل أصابعك وراها؟!.وسيأتي يوم سوف يعلن فيه عامل البلديات البنغلاديشي عن مهاراته وقدراته التنظيفية على قنوات الأخبار، فهذا زمن الاعلانات وإستنزاف أموال السفهاء من أصحاب الشركات.

بالمناسبة شاهدت إعلانا يروج لنوع من الشامبو الخاص بالشعر،وقامت القناة بدبلجة صوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد وهو يتلو سورا من القرآن الكريم، ولا أدري هل وصل الى الآية التي تمنع النساء من تبرج الجاهلية الأولى،أم أنه توقف عند آية الحجاب إحتراما للشامبو النسائي؟

بنظري هناك ثلاثة أنواع من الأغبياء في هذا المجال يستحقون الفوز بجوائز الغباء عن جدارة.
فالجائزة الأولى للغباء تذهب الى أًصحاب الشركات والمحلات التي تصرف الملايين على إعلانات لا يشاهدها الكثير من المشاهدين بسبب دخولهم المرافق الصحية،وبسبب إنشغال البعض الآخر بالإستماع الى آخر أغاني نانسي عجرم أو أليسا أو الممشوقة القوام هيفاء وهبي. بالقنوات الغنائية، وهذا يؤكد بأن أموال هذه الشركات تصرف بلاش ببلاش.

الجائزة الثانية للغباء تذهب الى مصممي تلك الإعلانات، الذين يمطون ويمجون بإعلاناتهم وكأنهم يشرحون للمشاهد تفاصيل الفتح العلمي بإكتشاف دواء السرطان، أو شرح أسباب الإحتباس الحراري،ولا يعرفون بأن المشاهد يستغل ظهور إعلاناتهم على القناة ليحرر نفسه من الإحتباس البطني..

الجائزة الثالثة للغباء تذهب الى القنوات الإعلامية التي تعرض بصورة سمجة مثل تلك الإعلانات وتكررها بشكل ممل،حتى يدفع المشاهد الى أن يمل القناة بما فيها، أو يعتزل متابعة جميع القنوات العربية عدا الأخبارية منها كما أفعل أنا الآن.

إن مساويء الدكتاوريات كثيرة لا تعد ولا تحصى،والفضيلة الوحيدة لها أن حكوماتها ما كانت تسمح لقنواتها الرسمية مطلقا أن تعرض الإعلانات التجارية، وكانت عروض تلك القنوات محصورة فقط بعرض نشاطات الرئيس ولقاءاته الجماهيرية التي لم تأت بدورها إلا بنتائج عكسية، حيث كره الشعب حاكمه الدكتاتور لكثرة مشاركته طعامهم وأوقات راحتهم، وسيكون مصير الإعلانات ومصمميها ومن يعرضونها نفس مصير الدكتاتوريات الزائلة..
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

[email protected]